في أحايين كثيرة يجد المرءُ نفسه مضطراً لكسر حاجز الصمت وخوض غمار جدل كان يترفع عنه اما ( فضيلة او إستهانة في مَحَاورِهِ المطروحة للنقاش ) ، ولعلَ مقولة افلاطون الشائعة : ” لاتُجادل الأحمق فقد يُخطيء المشاهدون التمييز بينكما ” ، تُمثل ُ مدعاة لذلك الترفع .
ولأن َ اكذوبة (( جهاد النكاح )) أضحت لكثرة تداولها وإجترارها عن قصدٍ ، تُشكلُ اليوم لَبَنَة َ سوء للتأسيس عليها والبناء فوقها بناءً هادماً باطلاً يُرسخُ في العقل الجمعي سلوكاً شاذاً مُشيناً إتجاه الأجلاء من علماء اهل السنة والجماعة ، بل يتعدى حدود العلماء ليصل الى إهانة العرب السنة والحطِ من شأنِهم وتقاليدهم العربية الأصيلة ، ناهيك عن ترويج الأفكار الغريبة التي تؤدي الى التفككِ والتحلل الإجتماعي كما هو حاصل في المحافظات والمدن التي تُسيطر عليها أحزاب السلطة السادسة للإحتلال .
منذ ثمانية ايام وضمن برامج الدرامة التلفزيونية لشهر رمضان الفضيل ، تقوم قناة الـ (( أم بي سي )) الفضائية بعرضِ مُسلسل درامي يحملُ عنوان ” غرابيب سود ” ، يُعد الأكبر إنتاجاً بين المعروض من الأعمال على شاشات قريناتها .
تدعي الجهات التي تقف وراءه انها تُعالج الفكر الإسلامي المتطرف والمتمثل بتنظيم داعش الإرهابي ، إلا ان المتابع الحيّادي ، يكتشفُ وبلا عناء فداحة الطعن والتعريض بالعربِ السُنة ونسائهم وعلمائهم وأئمتهم ورموزهم ، على حدٍ سواء ، علاوة على حصر الإرهاب وأعماله المُدانة بهم ، دون الإلتفات الى ان هناك ارهاب لايقل جُرماً وخبثاً ووضاعةً عنهُ ، يتمثلُ في ادوات إيران ومليشياتها المُرَخَصة بفتاوى مرجعيات قُم والنجف ، وحسبُكَ الدخول على صفحات اليوتوب لترى بأ ُمِ العينِ حجم تلك الجرائم منزوعة الضمير والإنسانية .
ما أريدُ الإفصاح عنهُ هو تركيز الحلقات على الكذبة الرخيصة المُسماة زواج او نكاح الجهاد وتصويرها على انها حقيقة دامغة وبُدعة مُتداولة في فكرِ ومذاهب ديننا الحنيف .
معروف لدى الأوساط الإعلامية الجادة من اكاديميين وكُتاب وصحافيين مُختصين ، ان تلك الفريّة أطلقتها اجهزة مخابرات النظام السوري اوائل سنة 2013 ، عبر تلفزيون (( الجديد )) التابع لبشار الأسد ، حينَ قاموا بنشرِ تغريدة عبر حساب مُزوّر على تيوتر ، نُسِبت زوراً للشيخ الدكتور محمد العريفي ، المعروف بمناصرتهِ للثورة السورية ومُعاداتهِ الصريحة لسُلطةِ الأسد ، إضافة الى تصديهِ الدائم للخُرافات والبُدَعِ التي يُروّجها المعممون الصفويين ، لتأتي تلك التغريدة المتضمنة فتوة من العريفي ودعوة مُلفقة للنساء بممارسة ” النكاح المزعوم ” .
وعلى الرغمِ من قيام المهندسين والخبراء المختصين ببرامج الكومبيوتر والأنترنت في تشخيصها على انها عمل فني مخابراتي مُحترف ، إذ لايسمح البرنامج بتغريدة تتجاوز الـ ( 140 ) حرفاً ، بينما إحتوت المزورة على (( 200 )) حرفٍ ، إلا ان الكذبة اخذت تنتشر كالنار في الهشيم وتناقلها الحاقدون الطائفييون وعُمِمَت في اوساط العاطلين عن العمل والمدمنين بصفحات الفيسبوك لتلوك بها الألسُن السليطة .
فعندها سارع الشيخ العريفي حفظه الله ، بتأريخ 27 شباط 2013 الى نفيّها جُملةً وتفصيلاً في تصريحات مكتوبة وبظهورٍ مُباشر على اكثر من قناة فضائية ، ولعل اغلبنا شاهد كيف دحضها بل وأدان َ هذا النوع من الزواج وحَرَمَهُ .
من هنا ايضاً اتحدى اولئك الأفاقين من اهل الأفكِ ان يقدموا لنا فتوة واحدة على لسانِ شيخٍ معروف من مشايخنا يُحللُّ هذا النكاح .
حتى ان احد العلماء الأجلاء ( الشيخ عبدالله محمد الغامدي ) إمام وخطيب جامع خديجة في جدة ، صرح رداً على قناة الميّادين المعروفة بولائها لإيران نهجاً وسلوكاً ، حين ساهمت هي الأخرى مع الفضائيات الشعوبية الصفوية كالعراقية والمنار والغدير وآفاق … وغيرها من قنوات السوء ، قائلاً : لم يفتِ عالمٌ سُنيٌّ واحد بجهاد النكاح ، بينما جميع علماء إيران وتوابعها يفتون بنكاح وزواج المتعة ويشجعون عليه ..
مُستطرداً : لم نسمع عن جهاد النكاح إلا في تلفزيون الأسد وقنوات حزب الله الإرهابي ومحطات إيران ومواليها ، ومعهم الـ ” أم بي سي ” ، فما هو الرابط بينهم ؟ ! . (( إنتهى )) .
من البديهي ان تتعالى الأصوات المُحتجة والغاضبة على عرضِ مثل هكذا دراما ، إذ تُمَثِلُ حقاً فناً هابطاً وضيعاً ، وتجسَدَ الغضب في تغريدات لشخصيات سياسية وعلمية وادبية وثقافية مُعبرة على (( تويتر )) ، لتُدين وتستنكر هذا العمل ، ومطالبتهم لمالك ِ القناة بإيقافِ بثهِ .
وفي غضون هذه الأجواء تُفاجِئُنا محطات تدعي انها عراقية كآفاق ، الغدير، العهد ، الفرات ، وغيرها بإشادتها في المسلسل المذكور وتشجيعها للجمهور على متابعتهِ ، لِيُتوَّج بظهور صحافي موتور حاقد ، يوم امس على قناة عراقية إيرانية الهوى ، متسائلاً : لماذا يغضبُ اهل السنة ؟ أليس جهاد النكاح موجوداً لديهم ؟!
أقولُ لهذا الدعيّ الطائفي : حينما نشرت صحيفة الشرق الأوسط بتأريخ 20/11/2016 تقريراً منسوباً الى مسؤولٍ في منظمة الصحة العالمية ، يتحدث فيه عن حدوث المئات من حالات الحمل غير الشرعي في محافظات النجف وكربلاء إثر الزيارات الدينية اليها ” في إشارة الى زواج المتعة ” ، لم يتوان احد من العربِ السُنة دون ان يُدين ويستنكر ، فنحنُ جميعاً نعتبر سمعة وكرامة المرأة العراقية والعربية خط احمر دون الإلتفات الى طائفتها ومذهبها ، فتلك شيمةٌ عربية أصيلة ورثناها عن الآباء والأجداد ، فكفاكم زوراً وبُهتاناً وقذفاً بالمحصنات ، لاسيّما وان القذفَ والقدح دَيِّنٌ ، فكما تُدينُ تُدان .
وثمة إيضاحٌ لابُد من سَردِهِ ليكون َ المواطن العراقي والعربي على بينةٍ من أبعادِ هذا العمل التلفزيوني : ــ
1 . الشركة المُنتجة : 03 لحساب مؤسسة ( أم بي سي ) يرأسها فادي اسماعيل ، احد اعضاء حزب الله اللبناني .
2 . الشركة المُنفذة : يملكها صباح بكتشرز ، لاتعليق على المالك ! ، يرأسها عامر صباح ، ينتمي لحزب الله اللبناني .
3 . قناة العرض / أم بي سي ، يُديرها علي جابر ، لبناني من اهالي الضاحية .
4 . نجم العمل : محمود ابو شهري / كويتي ( تبعية إيرانية ) .
5 . نجمتـهُ : مرام البلوشي / خليجية من اصول إيرانية .
6 . الكاتبة : هدى حمادة ، مولودة في الكويت عام 1961 ، من أب أردني وأم بلوشية / إيرانية .
7 . مدير الإنتاج : محمد حسين ، إماراتي من اصل احوازي .
للتأريخ : الأسماء الواردة اعلاه جميعهم من طائفة مذهبية واحدة ، وللقاريء الكريم المُتجرد من الأحقاد والأمراض الحُكم على الأبعادِ والدوافع والأهداف الكامنة وراءه .
تعريجٌ على المُسلسل سيء الصيت والإخراج : ومن خلال مشاهدتي لعددٍ من حلقاتهِ ، يبدو جلياً انه يبثُ في نفوس المشاهدين مفاهيماً وافكاراً مُضَلِّلة ً عن المسلمين بغية زيادة الإحتقان ولدفعِهم الى طريق العداء وتصعيد الصراع المذهبي الذي تُغذي إيران أوارهُ خدمةً لأطماعها القومية العنصرية التوسعية ولنهجها الدمويّ المُعتاش على الفُرقة .
ولا أ ُجحِف إذا ما وصفتهُ : جزءٌ من عمل مؤسساتي لأجهزة مخابراتية شعوبية متخصصة متعددة ، وبوسائل مختلفة ، انه حقاً يُعد إعتداء صريح وَقِح على الملايين من العرب المسلمين ، مستغلاً الثغرات في العراق وسوريا واليمن وغيرها لتنفيذ أغراضه ومقاصده الدينية ، وهل من تفسيرٍ آخر لما يُثيرهُ اولئك الماجنون الأوباش من أكاذيب وفريّات وأباطيل غير خدمة الحركات الشعوبية الهادفة للنَيّلِ من سفرِ الأمة ؟ .