23 ديسمبر، 2024 9:53 ص

جنيف… استحقاقات الحاضر وتبعات المستقبل

جنيف… استحقاقات الحاضر وتبعات المستقبل

تابع المهتمون بالشأن السياسي العام وقائع جلسة الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في البحرين، يوم الاثنين (الأول من مايو2017)، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.

الجانب الرسمي قدّم ردوداً مكتوبة ودافع عن السياسة العامة، فيما جادل الناشطون الذين منع أغلبهم من التوجه إلى جنيف، بتقديم وجهة النظر الأخرى، وعلى ضوء تلك النقاشات تخرج التوصيات.

82 دولة قدّمت للبحرين توصياتها، كما جرى في الدورتين الماضيتين، وتراوحت بين الحقوق السياسية وحرية التعبير وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ورفع الحظر عن سفرهم، وضمان حرية التجمع وتشكيل الأحزاب وإلغاء قرارات سحب الجنسية والتحقيق في مزاعم التعذيب، انتهاءً بإطلاق حوار وطني.

مجمل هذه التوصيات مكرّرة، إذ تعتبر حصيلةً لمراجعة ما تقدّم في العامين الماضيين، ووجود هذا العدد من الدول والتوصيات يعطي انطباعاً بضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل مع المؤسسات الحقوقية، والمنظومة الدولية التي تتم وفقها مراجعة ملفات جميع الدول. ومن المهم ألا نتصوّر أن جميع هذه الدول، وكثير منها دول صديقة لنا، تكرهنا أو تحمل حقداً ضدنا.

التوصيات دارت حول محاور إنسانية رئيسية، كالحقوق السياسية والحريات العامة والعدالة وعدم التمييز. وهي دولٌ تتوزع جغرافياً على مختلف بقاع العالم، من آسيا وإفريقيا إلى أوروبا والأميركتين غرباً، وشمالاً إلى دول بعيدة كفنلندا وأستونيا وليتوانيا، وجنوباً إلى بوتسوانا وغانا وتشيلي.

أحد الزملاء لفتني إلى الموقف الهندي، إذ أشار إلى مطالبته حكومة البحرين بتوضيح الإصلاحات في سوق العمل البحريني. وهو برأيي أمر طبيعي جداً، فكل مندوبي الدول يدافعون عن مصالح بلدانهم. والهند يعيش ما لا يقل عن 7 ملايين من مواطنيها في دول الخليج العربية، 350 ألفاً منهم يعيشون في البحرين، بما يمثل ثلث التعداد السكاني حالياً. ومن الطبيعي أن ينظر المندوب الهندي أثناء مناقشة ملف البحرين، من خلال الزاوية التي تخدم مصالح بلده ومواطنيه. وقد أوصى باتخاذ المزيد من الخطوات لـ»مكافحة الاتجار بالبشر»، و»حماية العاملة الأجنبية». وهي من أجراس الإنذار التي يجب أن تقرع بقوة، علّها توقظ القائمين على سياسات العمل والتوظيف واستقدام القوى العاملة الأجنبية بلا حدود ولا قيود. فالقضية لن تعود مجرد تهديد للهوية الوطنية التي كان يحذّر منها الأكاديميون والباحثون منذ السبعينات ويتداولها وزراء العمل آنذاك، بل أصبحت تنذر بمزيد من تدخل البلدان المصدرة للعمالة في الشأن الداخلي لدول الخليج وفرض إراداتها السياسية والاقتصادية، بما فيها المطالبة بكامل الحقوق للعمالة الأجنبية، التي نتمنّع حتى الآن عن منح نصفها أو ربعها لمواطنينا.

إلى جانب الهند، هناك باكستان وبنغلاديش، اللتان لهما جاليات بعشرات الآلاف في البحرين، وجزء من عمالتها يعيش خارج نظام العمل الرسمي، بما يعرف بالـ»فري فيزا»، وهو أمرٌ يصنفه بعض المراقبين ضمن عمليات «الاتجار بالبشر»، نظراً لما يجري في السوق السوداء من بيع وشراء لرخص العمل، واستغلال لحالات البؤس الإنساني.

باكستان وبنغلاديش الآن في حالة ضعف وانشغال بمشاكلهما وهمومهما الداخلية، ولكن بمجرد أن تتمتعا بالاستقرار السياسي فإنهما ستطالبان بما طالبت به الهند من إصلاحات في سوق العمل، لينعكس على أوضاع مواطنيهما في البحرين.

إلى جانب الهند وباكستان وبنغلاديش، صاحبة حصة الأسد في السوق البحريني، هناك أيضاً الفلبين واندونيسيا، ومن الجانب الأفريقي هناك أثيوبيا ونيجيريا، وربما تدخل على الخط قريباً كينيا، مع فتح باب الاستقدام أمام مواطنيها من أجل مزيدٍ من الإغراق لسوق العمل، في ظل سياسات تنمية قديمة ثبت عقمها.

جنيف ليست كلها سياسة وعدالة وحقوق مواطنين منقوصة فحسب، جنيف تنبئنا عن مشكلات مستقبلية نحن مقدمون عليها ونحن مغمضون.
نقلا عن الوسط