يبدو هذا الفيلم الكوميدي الممتع من اخراج “سبايك جونز” وكأنه أشبه برحلة سريعة ومسلية في عالم سيريالي غير معهود…فهذا الفيلم المبتكر لا يسعى لايصال أية رسائل واضحة ، بل للغوض بتناقضات البشر والتركيز على نقاط ضعفهم تجاه الشهرة والكاريزما، وتبدو فكرته استباقية في حينه، ولكن الأمر قد استفحل حاليا ، حيث نرصد الكثير من الممارسات الجامحة بطريقة التعامل مع النجوم المشهورين و”الكارزميين”، وقد ساعدت الدعايات ووسائل الميديا المختلفة والانترنت والفيسبوك واليوتيوب بتخيم هذه الظاهرة بل بالترويج لها!
تدور قصة هذا الفيلم الغريب حول سعي الناس لعشق الشهرة بواسطة دفع مبلغ محدد من المال، بغرض الدخول لعقل الممثل والمخرج المعروف “جون مالكوفيتش” ولمدة 15 دقيقة فقط، وذلك ربما استلهاما لمقولة مشهورة للفنان الأمريكي الراحل أندي وارهول”، تطرق فيها لعصر التلفزيون وهيمنته على العقول.
يبدو بطل الفيلم كرايغ (جون كوساك) كشخص فاشل وعاجز عن تحقيق احلامه وطموحاته بالعمل والحياة، كما أنه يعاني من الاحباط وعدم التفاهم بحياته الزوجية ، فهو متزوج من لوت (كاميرون دياز) التي تهتم بالحيوانات لدرجة “مرضية وسواسية” ، حيث انها تنام بالقرب من شيمبانزي (يبدو مرعوبا وكأنه يعمل بمحرك الدمى، ولا ندري هل هو حقيقي؟!)
ذات يوم يتم فيه قبول كرايغ للعمل كموظف اداري في شركة “ليستر كورب” التي تؤمن للناس فرصة الدخول الى عقل “جون مالكوفيتش” مقابل المال، ويكتشف كرايغ “مندهشا” أن جميع الناس “المعنيين بذلك” مخبولون، كما يكتشف أن الموظفة ماكسين (كاثرين كيينر)هي حب حياته الحقيقي، كما يكتشف “بالصدفة” خلف باب مكتبه نفقا غامضا يؤدي الى الآلة التي تسمح بدخول عقل “مالكوفيتش”… حيث اعلن مؤخرا عن قيامه
بتمثيل واخراج فيلم “غرائبي” مع المخرج روبرت رودريغس ليتم وضعه بكبسولة للعرض بعد 100 عام!
مع تطور الأحداث باتجاه النهاية يصبح معظم الناس مقتنعين بأن مجرد “تحريك الدمى” هو فن راق وممتع لمجرد أن شخصا مشهورا مثل “مالكوفيتش” يؤمن بذلك! ثم تتعقد الامور بشكل متداخل مع تباين وتقاطع رغبات أبطال الفيلم، كما يسعي كرايغ الى الحلول بشكل دائم في جسد “الممثل المشهور” سعيا لنيل اعجاب “ماكسين”، المعجبة بدورها بجون مالكوفيتش، والذي يسعى بدوره الى الحلول في جسد “ماكسين” المثير جنسيا!
لا أدري لما تم اختيار الممثل والمخرج “جون مالكوفيتش” للقيام بهذا الدور تحديدا، وهو ربما ليس الأكثر وسامة وتمتعا بالكاريزما “النجومية”، وربما لنظرات عينيه وقوة وغموض شخصيته، وربما لأنه يمثل بحق موسوعة سينمائية متكاملة ولكثرة شغفه بالسينما… وقد نجح المخرج (سبايك جونز) باختيار طاقم الممثلين اللذين برعوا تماما باداء أدوارهم الغريبة، وأقنعونا كمشاهدين بأن الغرائبية المشهدية تتماثل لحد بعيد مع “واقعية” الأحداث، مع نكهة “سيريالية” جاذبة بل وممتعة، كما أبدع “شارلي كاوفمان” بكتابة سيناريو محكم انسيابي يشد لمتابعة الأحداث بلا ملل بالرغم من غرابتها وابتعادها عن المنطق الانساني!
لو اردنا اسقاط فحوى أحداث هذا الفيلم على واقعنا البائس الراهن، لرأينا امثلة عديدة لحالات الانجذاب الجماهيري لنجوم وأبطال ومغنين واعلاميين وسياسيين، وهذا لا يضر ان بقي ضمن الضوابط الانسانية الطبيعية، ولكن يبدو الخطر الذي تواجهه مجتمعاتنا “ضعيفة الوعي” يبدو داهما، عندما يتعلق الأمر بالاستحواذ على عقول العامة والدهماء من قبل “النماذج الكابوسية” لأشخاص وقادة دمويين ودعاة تكفيريين واقصائيين وامراء حرب وشخصيات تراثية “تاريخية ودينية” مفصومة ومتوحدة، وربما “مرضى نفسيين” يتملكهم “جنون العظمة” الهيستري المغلف بالقدسية واحتكار الحق والصواب، من هنا تبدو رسالة هذا الفيلم ذات اهمية قصوى بعصرنا الراهن!