مدن بلا شواهد وحضارات بلا تاريخ وتاريخ حمل في طياته كثير من التناقضات، مدن ليس لها عمق حضارياً ولا تمتلك أرثاً حضاري ليؤهلها وتكون صفحة في التاريخ، حين أطلق عليها جوهرة الشرق، والبعض سميت باسم أم الدنيا، لم ينصف التاريخ مدن في جنوب خارطة سقت وروت أرضها بدماء مجاهديها، وأرضعت أبنائها من كاس العلم وتربت في بيت انزل الله في العلم والحكمة، نبي الله إبراهيم (عليه السلام).
واثبت اليوم ان جنوب العراق كان يعيش عصور ما قبل التاريخ من الألف الرابع قبل الميلاد، ونظرًا لما تتسم به أمحافظات الوسط والجنوب من العراق من مميزات جغرافية فريدة، فقد كانت من مواطن الاستقرار البشري الأولى في العالم، وعرفت الحضارة الإنسانية بدايات نشوئها متمثلة في أرقى حضارة زراعية، وصناعية، عرفها الانسان، حينئذ حيث عرف النار وكيفية توليدها، وكذلك صناعة الفخار، وأدواته المبكرة .
وامتدت مظاهر التمدن في جنوب العراق منذ حوالي سنة 4000 ق.م متمثلة في آثار (تل العبيد) الواقع على بعد أربعة أميال إلى الشمال الغربي من مدينة أور، ويعتبر تل العبيد أقدم المستوطنات البشرية التى كشفت عنها التنقيبات في الجنوب، وبعدها عصر الوركاء، الذي تميز بظهور الأختام الأسطوانية والمصطبة، وفن النحت، وظهور أقدم وسيلة للتدوين.
وبعدها الحضارة السومرية، تعتبر الحضارة السومرية ( 2850 ـ2400 ق . م ) في العراق من الحضارات الإنسانية المبكرة التى خلفت تراثًا عريقًا، ويعد السومريون من أقدم الشعوب التي استطاعت وضع لبنات الحضارة الأولى في القسم الجنوبي من العراق القديم الذي عرف ببلاد سومر، وتكشف النصوص السومرية عن جوانب من منجزات السومريين الحضارية، وكاختراع الكتابة، والنقش في العمارة، والحذق في صناعة الفخار، وغيرها من المظاهر الحضارية.
كما تمتاز هذه الفترة بظهور أولى السلالات السومرية التي شكلت أنظمة سياسية عرفت باسم دويلات المدن، وقد وجدت معالم هذه الحضارة في مدن مختلفة من العراق، وهي كيش (تل الأحيمر) وتل (كرسو) وتلول الهباء (لكشي) واشبونا (تل أحمر) وأوروك (الوركاء) وينبور (نفر) واريدو (ابو شهرين ) إما تستحق ان تكون أم للجميع…