17 نوفمبر، 2024 4:16 م
Search
Close this search box.

جنكيز خان أم مانسا موسى من هو أغنى رجل في التاريخ؟

جنكيز خان أم مانسا موسى من هو أغنى رجل في التاريخ؟

قد يبدو الأمر بلا معنى بالنسبة لمعظمنا، خاصة بالنسبة للذين يكافحون لدفع إيجار مساكنهم او الذين يعانون الجوع في أزقة الفقر ومخيمات اللاجئين، بعدما اشتاطت الهوة بين الغني والفقير الى حد لم يسبق له مثيل، الى حد الانفجار.

يحتل 11 شخصا في العالم العربي مكانة مرموقة في قائمة مليارديرات العالم وعلى رأسهم الامير السعودي الوليد بن طلال، بما يزيد عن 22 مليار دولار بحسب المعلن، إلى جانب عشرة اخرين موزعين بين لبنان ومصر والجزائر والامارات، ومن يدري، ربما هناك أخرون انضموا الى القائمة في غفلة من الزمن وربما اجتاز بعضهم ثروة الوليد بأشواط بحسب وسائل الاعلام،العراقية منها خصوصا. ومع ذلك، فإن المثير للاهتمام هنا هو ما يعنيه أن تكونغنيا او حتى ان تكون الاغنى.

إن التطور الهائل في عالمنا اليوم يجب أن يعوضنا عما يمكن أن تساعدنا الثروة على فهمه وتحقيقه، من الإسكان إلى الخدمات إلى الحياة نفسها، لذلك يجب اعتبار الرعاية الصحية والطب الحديث أعظم ثروة متاحة لأبسط الناس، بينما لم تكن كذلك حتى لأغنى الاغنياء في العصور القديمة، هذا إذا لم يصبهم الموت المبكر بسبب غصة في الحلق أو جرح طفيف. كل الأشياء التي نأخذها كأمر مسلم به في عصرنا هذا لم تكن في متناول أغنى اباطرة التاريخ.

أجرت بعض الصحف البريطانية والامريكية دراسات عديدة في السنوات الاخيرة عن أغنى الأشخاص على مر العصور، ذهب معظمها الى ان مانسا موسى هو الاغنى باعتباره الشخص الوحيد الذي امتلك أكبر ثروة على الإطلاقبينما تقول بعضها من ان هناك أخر ربما كان أكثر ثراء من موسى وهو جنكيز خان، ترك امبراطور المغول بصمته الخاصة في تاريخ العالم من خلال حروبهوغزواته، حيث احتل 20 مليون كيلومتر مربع من أراضي الغير. يفوق إنجازخان هذا كل الارقام القياسية على مر التاريخ.

وكنظيره مانسا موسى، يقال ان جنكيز خان كان أيضًا معروفًا بكرمه حيث وزع الكثير من ثروته على اتباعه والتي تقدر بحسابات هذا الزمن ب 100 تريليون دولار: بلغ الناتج القومي الامريكي للعام الماضي حدود 20 تريليون دولار وتلتها الصين بحدود 15 تريليون!

يمكن للمرء أن يجادل بأن ثروة جنكيز خان كانت تفوق ثروة مانسا موسى. ومع ذلك، لا يوجد دليل متاح لتوثيق صافي ثروة جنكيز خان. يُعتقد أنه تم إعادة توزيع ما نهبه، وأن سجلات التاريخ قد تم تشويهها وتدميرها لكن التاريخ حفظ، وبحروف من ذهب، سجلات ومساهمات المانسا موسى بتفصيل مثير للدهشة والاعجاب.

عاش مانسا موسى في القرن الرابع عشر، وحكم إمبراطورية مالي بأكملها، ويقال انه كان يمتلك نصف إمدادات العالم من الذهب، كانت ثروته تقدر ب400 مليار دولار. ومن منظور اليوم، فإن هذا يساوي أربعة أضعاف ما يمتلكه أغنى رجل في العالم اليوم وهو الامريكي وارن بافيت والذي تقدر ثروته ب 101 مليار دولار.

نعم، كان مانسا موسى 1280 1337 اغنى شخص في التاريخ، (مانسا هو لقب عسكري ويعني الفاتح أو الإمبراطور).  إمبراطور مالي، وهي دولة إسلامية في غرب إفريقيا.

اعتلى مانسا موسى العرش من خلال ممارسة تعيين وصي للملك عند ذهابه في رحلة الحج إلى مكة أو الى الغزوات العسكرية، وفي حالة عدم رجوع الملك او الامبراطور يتم تعين الوصي وريثًا له. تشير اغلب المصادر الى انه تم تعيين موسى وصيا للملك أبو بكر كيتا الثاني، وتذكر المصادر التاريخية من إنابو بكر كان قد شرع في تقفي أثر رحلة استكشافية الى المحيط الأطلسي، ولم يعد هو الآخر.

سجل المؤرخ ابن العمري عن مانسا موسى قوله:

“الحاكم الذي سبقني لم يعتقد أنه من المستحيل الوصول إلى أقصى المحيط الذي يحيط بالأرض (بمعنى الأطلسي)، وأراد الوصول إلى تلك (النهاية) وأصر بعناد وتصميم وجهز مائتي قارب مليئة بالرجال، وكانت العديد من القوارب مملوءة بالذهب والماء والمخبوزات تكفي لعدة سنوات. أمر القائد (الأدميرال) بعدم العودة حتى يصلوا اقصى المحيط مهما كان الثمن. امتد غيابهم لفترة طويلة، وأخيراً عاد قارب واحد فقط. عند استجوابنا له، قال القبطان: (يا أمير، لقد أبحرنا لفترة طويلة، حتى رأينا في وسط المحيط كما لو كان نهرًا كبيرًا يتدفق بعنف. كان قاربي هو الأخير. كان الآخرون أمامي. بمجرد أن وصل أي منهم إلى هذا المكان، غرق في الدوامة ولم يخرج أبدًا. أبحرت للخلف هاربا من هذا التيار). لكن السلطان لم يصدقه. وأمر بتجهيز ألفي قارب له ولرجاله وألفا أخر للمياه والمخبوزات لتقفي أثر القافلة الاولى الهالكة، ثم منحني الوصاية أثناء غيابه، وغادر مع رجاله من غير رجعة واصبحت انا الملك.”

في وقت تولي موسى العرش، كانت مالي في جزء كبير منها تتكون من أراضي إمبراطورية غانا السابقة، التي احتلتها مالي وامتدت فيما بعد خلال حكم مانسا موسى لتشمل ما يعرف الآن بدول غينيا والسنغال والنيجر ونيجيريا وموريتانيا وغامبيا وبوركينا فاسو اضافة الى دولة مالي الحديثة.

في عهده، حمل مانسا موسى العديد من الألقاب، مثل “أمير ميلي”، و “أمير مناجم ونجارا”، و “فاتح غناطة”.

يشار إلى موسى عمومًا باسم “مانسا موسى” في الكتب والمخطوطات الاوروبية وهناك الكثير من الاسماء والالقاب المحلية “كانكو موسى” و “كانكان موسى” و “أسد مالي” وغيرها. كان موسى راعيًا للعلوم والفنون والأدبوالعمارة وازدهرت الإمبراطورية ثقافيًا في عهده.

كانت مالي أكبر منتج للذهب في العالم، ولهذا يعتبر موسى أغنى الشخصيات في التاريخ. ومع ذلك، فقد خلص بعض المختصين المعاصرين من أنه لا توجد طريقة دقيقة لحساب ثروته لكنهم توصلوا الى رقم اجمالي يقدر ب 400 مليار دولار بعد حساب كميات الذهب التي سافر بها في أحد المرات لتأدية مناسك الحج في مكة المكرمة.

يُسجل أن مانسا موسى سافر عبر مدينتي تمبكتو وغاو في طريقه إلى مكة، وجعلهما جزءًا من إمبراطوريته وعندما عاد حوالي العام 1325. أحضر مهندسين معماريين من

الأندلس في إسبانيا، والقاهرة للإشراف على بناء عاصمته تمبكتو والقصر الكبير ومسجد جنغويربر الكبير والذي لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

سرعان ما أصبحت تمبكتو مركز التجارة والثقافة والإسلام. جلبت أسواق المدينة التجار من دول الساحل، ومصر، وممالك أفريقية أخرى، اسس مانسا موسى جامعة في مدينة تمبكتو وكذلك في مدينتي دجيني وسيغو، وانتشر الإسلام في مالي من خلال الأسواق والجامعات، مما جعل تمبكتو مركزا مشعا جديدا للثقافة والعلوم الإسلامية بعد انهيار الدولة العباسية وسقوط بغداد في العام 1258 على يد هولاكو، حفيد جنكيز خان.

شاعت أخبار مدينة الثروة “تمبكتو” وجالت عبر البحر الأبيض المتوسط وسرعان ما احتضنتها سلالة النصريين (حكام امارة غرناطة في الاندلس)والذين أضافوا تمبكتو إلى خرائطهم لتداول السلع مقابل الذهب.

قام موسى برحلة الحج في العام 1324 ميلادية قاطعا مسافة 3200 كيلومتر وبحسب كتب التأريخ فقد شمل موكبه 60.000 رجل، يرتدون جميعًا الديباج والحرير الفارسي، بما في ذلك 12000 من العبيد، وكان كل منهم يحمل 1.8 كجم من سبائك الذهب الخالص، وافواج من الخيالة يرتدون الحرير ويحملون عصي مصنوعة من الذهب لقيادة الخيول التي تحمل أكياس الذهب. وفّر موسى جميع مستلزمات الرحلة، وأطعم الانسان والحيوان حيث كان الى جانب الاف الخيول 80 جمل يحمل كل منها ما بين 23 -136 كجم من الذهب الخام. أعطى موسى الذهب للفقراء الذين التقى بهم في طريقه.

لم يمنح موسى فقط المدن التي مر بها في طريقه إلى مكة، بما في ذلك القاهرة والمدينة المنورة، بل كان يتاجر أيضًا بالذهب مقابل التحفيات النادرة وورد أنه بنى مسجداً كل يوم جمعة.

تسبب إنفاق موسى الهائل وتبرعاته السخية في ركود اسعار الذهب لعشر سنين في القاهرة ومكة والمدينة، أدى التدفق المفاجئ للذهب إلى انخفاض قيمة المعدن وتضخمت أسعار السلع والبضائع بشكل كبير. يذهب بعض المؤرخين الى القول من ان موسى أحس بهذا الخطأ وفي طريق عودته من مكة، استعار كل الذهب الذي يمكنه حمله من مقرضي الأموال في القاهرة بفائدة عالية.

تعتبر هذه هي الحالة الوحيدة المسجلة في التاريخ التي يتحكم فيها شخص واحد بشكل مباشر في سعر الذهب في العالم ويعتقد بعض المؤرخين من أن الحج لم يكن فقط بسبب الورع الديني بقدر ما كان من أجل جذب انتباه العالم إلى حالة الازدهار التي بلغتها امبراطورية مالي.

كان موسى مسلمًا متدينًا، وقد جعلته فريضة الحج معروفًا في أنحاء الشرق الاوسط وشمال إفريقيا. بالنسبة لموسى، كان الإسلام “مدخلاً إلى عالم الثقافةالسائدة في مجتمعات شرق البحر المتوسط”. كان يقضي الكثير من الوقت في تعزيز نمو الدين داخل إمبراطوريته.

تم توثيق فترة حكم مانسا موسى من قبل العديد من شهود العيان على طول طريقه للحج، والذين شعروا بالرهبة من ثروته وضخامة مواكبه، وقد دونت السجلات في مجموعة متنوعة من المصادر ومن أشهرها ما كتبه ابن خلدون وابن بطوطة وابن العمري الدمشقي، بما في ذلك المخطوطات والمجلات وكتب التاريخ الغربية لكن زيارته للسلطان المملوكي في مصر، الناصر محمد، في يوليو 1324 كانت أشهرها بسبب حجم العطاء والتبرعات السخية التي قدمها لأهالي مصر.

يذكر المؤرخ العمري، الذي زار القاهرة بعد فترة وجيزة من حج المانسا موسى إلى مكة، إلى أنها كانت “عرضًا فخمًا للقوة والثروة وغير مسبوق بحجمها ومهرجانها”. ويمضي العمري الى ان موسى ربما تعمد هذا العرض لخلق حالة من الركود الاقتصادي في شرق المتوسط وفي مصر تحديدا لان القاهرة كانت سوق الذهب الرائد في ذلك الوقت (حيث ذهب الناس لشراء كميات كبيرة من الذهب)، ومن أجل نقل هذه الأسواق إلى عاصمته تمبكتو أو نظيرتها غاو، كان يجب عليه أن يؤثر أولاً على اقتصاد الذهب في القاهرة من خلال التباهي بثروة بلده. كان هدفه إحداث موجة جديدة ونجح بشكل كبير في ذلك عندما تمكن من وضع بلاده على اهم خارطة في العصور الوسطى وهي “موسوعة الأطلس الكتالوني.

هنا يقف التأريخ، ويقفز الى الذهن سؤال لأولئك الذين نهبوا ثروات اوطانهم وأفقروا شعوبهم: من أنتم؟ ماذا قدمتم؟ وماذا تعني لكم “الثروة”؟ وماذا يعني ان تكونوا أنتم الأغنى وماذا سيكتب التاريخ عنكم؟

لم يكن لدى جنكيز خان او مانسا موسى إمكانية الوصول إلى معظم الكماليات المتوفرة الان حتى للعامل البسيط، بمعنى أن أيا منا يجب ان يكون أكثر ثراءً من كليهما – رعاية صحية أفضل، طعام أفضل، ظروف معيشية أكثر رخاء، لكنكم تماديتم بظلمكم والبادئ أظلم.

أحدث المقالات