بعد مقتل الملك الشاب فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958 ، تلقت محكمة نيويورك دعوى قضائية من قبل المواطنة الأمريكية (جنفييف) ووالدتها مدام آرنولت، مدعيتان بأن الأولى كانت زوجة الملك المقتول فيصل الثاني ، والثانية شهدت على ذلك بأن أبنتها الوريثة الشرعية لتركة الملك فيصل في لندن و نيويورك، وأن الامير زيد بن حسين شريف مكة عم الملك غازي هو الذي تقاسم تركة الملك المقتول مع المدعية الامريكية. قضية فجرت صراعا بين الأميرة بديعة بنت علي خالة الملك فيصل الثاني ،والأميرة فخر النساء زوجة الأمير زيد بن حسين وأم الأمير رعد بن زيد.
تروي الأميرة بديعة في مذكراتها (وريثة العروش) أن الملك فيصل الثاني عندما كان في الثالثة عشرة من عمره ، كان يدرس في بريطانيا عام 1947، وخلال العطلة سافر الى سويسرا لممارسة رياضته المفضلة في التزحلق على الجليد ، تعرف الى مجموعة الصبية الذين كانوا يلعبون معه بينهم الأمريكية جنفييف أبنة السنوات العشرة ، التي ما أن علمت والدتها مدام آرنولت أن هذا الصبي هو ملك العراق ، حتى بدأت بتحريض أبنتها للألتصاق به والتقرب اليه وتمتين العلاقة معه.
وحصل أن أنزلق الملك فيصل على الجليد وأنكسرت ساقه ،فرقد في مستشفى المنتجع السياحي بضعة أيام ، ظلت الطفلة ووالدتها تتردد عليه وتسأل عنه.
عاد فيصل الثاني الى مدرسته في لندن ، ثم الى بغداد وبقيت الطفلة على أتصال به بتخطيط وتحريض من والدتها ، من خلال رسائلها التي كانت تبعثها اليه من الولايات المتحدة الأمريكية الى لندن وبغداد.
في عام 1952 زار الملك فيصل الثاني الولايات المتحدة فعرفت والدة الطفلة بذلك فقامت بزيارته في القنصلية العراقية بنيويورك بحجة أن أبنتها صديقة الملك ، ثم دعت الملك والأمير عبد الأله الى مأدبة غداء فلبيا الدعوة في منزلها،رغم ان أحد السفراء العرب حذر السفارة العراقية هاتفيا من مدام آرنولت وقال انها محتالة ولكن السفير العراقي لم يعر أهتماما للتحذير.
وفي حفل تتويج الملك في 2 مايس 1953 قدمت مدام آرنولت وأبنتها برفقة أحدى الشركات التجارية الى بغداد لتقديم التهاني وأبرام عقود تجارية مع الدولة. وقامت الأم وأبنتها بزيارة العائلة المالكة في قصر الرحاب بحجة الصداقة التي تربطهما منذ أن أنكسرت ساقه في المنتجع السويسري.
في أواخر سنة 1956 زارت مدام آرنولت وأبنتها جنفييف بغداد وأستأجرت بيتا في منطقة الوزيرية ببغداد وأصبح لها ولابنتها جنفييف أصدقاء ومعارف في بغداد وصارت تحضر الحفلات الرسمية، كما أخذت تستقبل الضيوف في بيتها بالوزيرية وتقيم الحفلات التي تحضرها شخصيات في مراكز مرموقة في أجهزة الدولة والسوق التجارية.
كانت جنفييف جريئة وغير متحفظة وقد بذلت جهودا كبيرة من أجل مقابلة الملك فيصل الثاني ألا ان الملك قال :(لا أريد أن أرى هذه المرأة فقد وصلتني أخبارها المشينة في بغداد ،وهي أيضا تحاول أن تستغل تعرفي عليها في سويسرا ولقائي معها في أمريكا لا أريد أن أراها).
وكان هذا بمثابة الضوء الاخضر للحكومة و الجهات الامنية والاستخبارية وخاصة مدير التحقيقات الجنائية آنذاك بهجت العطية بالتدخل خشية على سمعة الملك.
وفي اليوم الثامن من آذار سنة 1958 أقتاد شرطيان جنفييف ووالدتها الى المطار وأرغمتا على الصعود الى طائرة (بان أميركان) المتجهة الى أسطنبول.
وتبين فيما بعد أنهما لم يدفعا أيجار البيت ولمدة سنة ، حيث قام صاحب البيت ببيع أثاثها . وعادت جنفييف الى أمريكا و عملت في أشغال عديدة منها تأجير الشقق وبيع المجوهرات في محلات تيفاني وبيع الاواني الخزفية والانتيكا.
يذكرالأستاذ أمين المميز الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية آنذاك، في كتابه (بغداد كما عرفتها) بأن جنفييف لم تكن إلاّ مدعية أفاقة ولم تكن لها صلة يؤبه لها في الأوساط الرسمية العراقية، برغم ظهورها في العديد من الصورمع شخصيات رسمية عراقية مهمة ، منها أمين المميز نفسه.
بعد أنقلاب تموز 1958 ، أخذت مدام آرنولت بنشر تصريحات في الصحف الأمريكية والبريطانية مفادها بأن الملك فيصل الثاني متزوج من أبنتها ، ومن حق أبنتها أن ترث أموال الملك المغدور،
قامت جنفييف برفع دعوى قضائية أمام محكمة نيويورك أدعت فيها أنها كانت كانت قد تزوجت الملك فيصل الثاني في 22 مايس 1957، طبقا للشرع الاسلامي وقد بقي الزواج سرا لاعتبارات سياسية وأجتماعية، وأدعت شهر العسل كان في قصر(عكركوف ) الذي تم إعداده لهذه المناسبة كما أن الملك أهداها أرضا مساحتها 165 إيكر وأنها قد أهدتها الى جامعة الجزويت تقصد جامعة الحكمة فيما بعد لتبنى عليها جامعة تكون أول أثر علمي أميركي في العراق.
في حين أن خالة الملك الأميرة بديعة المقيمة في لندن نفت أن تكون المذكورة زوجة لابن أختها الملك وقالت إنها لم تكن إلا صديقة عادية ، ولكن الأميرة فخر النساء زوجة الأمير زيد بن حسين طارت إلى نيويورك لتشهد بأن جنفييف هي فعلا زوجة لفيصل لتفوز جنفييف بأكثر من ثمانين ألف دولار هي ممتلكات الملك المغدور في لندن ، في حين ذكرت الأميرة بديعة في مذكراتها أن الأميرة فخر النساء قبضت رشوة مقدارها خمسة عشر ألف دولار للإدلاء بشهادة الزور.
وقد كسبت جنفييف القضية بناءا على شهادة الأميرة فخر النساء حيث قضت المحكمة بأن الزواج قد حصل ، وأن جنفييف آرنولت ، هي أرملة الملك فيصل الثاني ، وأنها الوريثة الشرعية ، وتستحق ثلثي ما كان له من أموال في المصارف الاميركية والتي قدرت بـ (91) الف دولار،كما أن من حقها الاحتفاظ بلقب ملكة العراق. وأن الأمير زيد بن حسين أقرب لولي العهد فهو يستحق الثلث المتبقي من التركة.
هذا الحكم أغرى جنفييف أرنولت بتقديم شكوى مماثلة الى محكمة لندن (برويكس هاوس ) في 25 اذار 1962 للحصول على ثروة الملك الشاب هناك ومنها البيت الذي كان مسجلا بأسمه في ضواحي لندن ، لكن محكمة لندن ردت الدعوى وقالت ان جنفييف آرنولت عجزت عن أن تبرز أي دليل مكتوب أو شهود يؤكدون الزواج ، كما أن المعلومات الموثقة تفيد بأن الملك فيصل الثاني توفي وهو غير متزوج وعليه أبلغت المدعية جنفييف آرنولت علنا وكتابة أنها ليست أرملة الملك فيصل الثاني وليس لها الحق فيما يملكه هذا الملك من ثروة في المملكة المتحدة.
في العام 1988 كتب طبيب العائلة المالكة الدكتور كمال السامرائي مقالا عن هذه القصة في مجلة أفاق عربية في عددها الصادر في كانون الثاني 1988 نفى فيه حادثة الزواج كون أن الملك فيصل الثاني كان رجلا متزنا ، مؤدبا بعيدا عن مثل هذه المغامرات العاطفية غير المحسوبة وقد أعتمد الدكتور السامرائي على أضبارة تتألف من قرابة مئة صفحة تعود الى مرافق الملك فيصل الثاني عبيد الله عبد الله المضايفي نصفها تقريبا محاضر جلسات محكمة نيويورك بالولايات المتحدة الاميركية التي نظرت في إدعاء جنفييف ارنولت.
تزوجت جنفييف آرنولت من مواطن أمريكي وكان آخر ظهور علني لها في نيسان عام 1989 بعد خروجها من السجن الذي قضت فيه ثلاث سنوات بتهمة أساءة معاملة ولديها بالتعاون مع عشيق لها وقد اثارت هذه القصة شهية الصحافة الامريكية لنبش تاريخ هذه المرأة الغامضة المحتالة.
————————————————————
المصادر:
– الحاج أمين المميز ، بغداد كما عرفتها ، بغداد ، 1984.
– فائق الشيخ علي ، وريثة العروش ،دار الحكمة ، لندن 2002 ، ص284.
– مجلة آفاق عربية ، كانون الثاني ، 1988.