لست من المتحمسين لأعمال عادل إمام في السنوات الأخيرة , فالرجل بدأ “يهجر” ويكرر, لكن الذي جعلني أتابع مسلسله الجديد الذي عاد به للتلفزيون بعد غياب دام ثلاثين سنة “فرقة ناجي عطا الله ” هو علمي بمشاركة عدد من الفنانين العراقيين كبهجت الجبوري وباسم قهار وسلام زهرة ومهدي الحسيني وهدى هادي وراسم منصور وأردت أن أشاهد حضور الفنان العراقي في الدراما العربية , كما أن مشاركة هذا العدد من الفنانين العراقيين يؤكد أن مساحة واسعة لشخصيات عراقية في أحداث المسلسل , ولابد من متابعة ذلك , وحين وجدت أن أحداث المسلسل تدور بين القاهرة وتل أبيب ومحورها سرقة بنك ,تساءلت :كيف سيدخل الفنانون العراقيون على الأحداث؟ وقلت :ربما سيؤدون شخصيات يهودية عراقية , ولم يصدق ظني , وحين انتقلت الأحداث الى سوريا , قلت :ستدخل الشخصيات العراقية في الأحداث قريبا من خلال وجود سياسيين ورجال أعمال عراقيين على أرض سوريا وتابعت , ولم يظهر أي وجود لأية شخصية عراقية , فواصلت متابعتي وأصبح ليس أمامي سوى أن أتابع , وفجأة , قرر “ناجي عطا الله “السفر الى العراق , ليعود الى القاهرة , فاستغربت وقلت :ماذا يريد ناجي عطا الله من العراق الجريح غير أن ينبش قبور الصراعات والحروب والأزمات ؟
وصدق حدسي !
فبعد مشاهدتي للحلقات التي تدور أحداثها داخل العراق من المسلسل قفز الى ذهني عنوان كتاب للدكتور زكي مبارك هو”جناية أحمد أمين على الأدب العربي” وضم مقالاته التي رد بها على الكاتب أحمد امين ودارت في أواخر الثلاثينيات حول فهم الأخير لقضايا عدة في الأدب العربي , ورأيت أن “عادل امام ” تجنى كثيرا على الشخصية العراقية من خلال إشارات لامعنى لها بقصد الإضحاك الذي لا يضحك , في محاولة فاشلة منه للسباحة في بحر مجد غابر, ولست هنا بصدد الحديث عن المسلسل الذي طبّل له عادل امام وزمّر كثيرا ومعه فرقة من الإعلاميين الذين اعتادوا أن يسبحوا بحمد “الزعيم” , وحين عرض جاء تطبيقا للمثل القائل “تمخض الجبل فولد فأرا” وهذا واضح من ركة السيناريو وخلو البناء الدرامي من الأرضية المنطقية التي لابد منها لأجل الإقناع وكثرة الأخطاء الفنية حتى صار المشاهد أمام فيلم بوليسي كارتوني لايقنع حتى الأطفال بخاصة في مشاهد سرقة البنك!! لكنني بصدد التطرق الى جزئية لفتت نظري وأنظار الجمهور الذي تابعه , وهي السخرية من الوضع المرير الذي يعيشه العراقيون ليزيد مرارة حياتهم وليعيد تأجج مشاعر الكراهية والصراعات الطائفية ,وليكرس ما تبثه بعض وسائل الإعلام المسيسة , والدراما أسمى من ذلك ,الا إذا كانت هناك أهداف أخرى , فمنذ دخول ناجي عطاالله وفرقته بغداد من خلال استدارة تخلو من المنطق الذي ينبغي أن يحكم العمل الفني ومسلسل النيل , من العراقيين مستمر , فالفوضى ,كما صورها , تحكم مفاصل الحياة العراقية , والإنفجارات تبدأ منذ لحظة دخوله مع فرقته الحدود العراقية , وحتى البيت الذي آواه مع فرقته يفتقر الى مكان إضافي مناسب للتبول , مع ازدياد عدد الساكنين , فيتطوع أحد أعضاء فرقته “الأشاوس” لإنشاء “مبولة” بينما يقف أفراد البيت ,كبارا وصغارا, ينتظرون دورهم للتبول بعد أن يفرغ من عمله وكأن العراقيين كسالى وقفوا ينتظرون “المنقذ” ليحل لهم هذه المشكلة !!
وكان لابد له منه النيل من العراق والعراقيين الذين تحولوا الى لصوص آثار يأنف من أن يشترك معهم في هذه الجريمة , بدوافع عروبية كما يشير , وجهلة يقتلون العلماء أما الحياة في العراق فهي ميتة تماما والمدارس معطلة وكذلك بقية مؤسسات الدولة وتزوير الشهادات والوثائق قائم على قدم وساق !!
وفي الوقت الذي يؤكد به صاحب البيت”بهجت الجبوري” إنه انسان مسكين ولايحب المشاكل ويطلب منه ,وهو يبكي , بكاء انسان مغلوب على أمره , مغادرة البيت حين يعرف بأمر الأموال التي يحملها معه هو وعصابته , يتلقى “ناجي عطاالله” قرار الطرد بكل أباء وشمم , لكن صاحب البيت العراقي الذي “تمسكن” يتضح إنه داهية يعرف مزوري الشهادات والجوازات والبطاقات الشخصية ويستطيع تهريبه و فرقته مع حقائبهم الكبيرة المليئة بالدولارات الى أربيل ومن أربيل الى اسطنبول , فأي مسكين هذا؟؟
وحين يختطف ولده الصغير “لؤي” من قبل عصابة ينبري “الشهم”ناجي عطا الله عاجلا الى تقديم 100الف دولار عن طيب خاطر الى اللصوص ليطلقوا سراحه ويبقى صاحب البيت ممتنا له !!لهذه الوقفة التي تدل على شهامة رغم أنه طلب منه مغادرة البيت ,بينما لايدفع دية لل”قراصنة”الصوماليين الذين اختطفوه مع فرقته بعد مغادرة الطائرة الأجواء العراقية من أربيل , الى القاهرة , وكأن الاجواء العراقية مستباحة مثل الأرض !
ويبدو إن عادل امام زج حلقات العراق في المسلسل الذي عاد به للتلفزيون بعد ثلاثين سنة , ليشفي غليله من عراق اليوم الذي نتفق كلنا إنه مليء بالعلل والمشاكل, والأزمات , لكن أراد أن يسجل موقف وفاء منه للنظام السابق الذي أكرمه في أكثر من مناسبة , لذا ليس من المستغرب أن يصف اعدام صدام في عيد الأضحى بأنه”اهانة للعرب جميعا” في حديثه مع “ستوري”الذي أداه الفنان باسم قهار ليعيد الحكاية المكرورة سيرها الأولى !
وقد أكثر من ذم التغيير الذي حصل في العراق كونه معادلا للأنظمة الجديدة في المنطقة ولاسيما النظام المصري الجديد الذي افتتح عهده بتقديمه للمحكمة بتهمة الإساءة للأديان في أعماله , وكلنا نعرف قائمة الفنانين السوداء لما يطلق عليهم ب”الفلول” التي احتل عادل امام صدارتها الى جانب عدد من الفنانين المصريين ,لمواقفه السلبية من ثورة يناير ولأنه من الصعب عليه النيل من النظام المصري الجديد وامتداح نظام حسني مبارك المحسوب عليه , لذا جعل نيرانه تتجه للعراق كمعادل لما جرى في مصر
لقد وجدنا في النهاية أنفسنا نتابع المسلسل الذي كتبه يوسف معاطي المؤلف المعتمد لعادل إمام وأخرجه ولده رامي إمام ورأينا أن هذه الإساءات ليست الا حركات بهلوانية من لاعب عجوز له فيها “مآرب أخرى” في ملعب عمقه الحضاري يعود الى آلاف السنين و”يا جبل ماتهزك ريح” .