17 نوفمبر، 2024 7:29 م
Search
Close this search box.

جنان صليو، وترانيم ناي جنوبي‎

جنان صليو، وترانيم ناي جنوبي‎

انطلقتُ الى العاصمة الحبيبة  بغداد، والتي اعشق اسمها وانفاسها، ذلك المكان الذي تهيم فيه روحي فتنطلق عبر اثير خيالاتها، فترسم الوجود من العدم، والورود من الحجارة، وترمي بكراهة اليأس وتصدر عبير الامل.
رحلتي كانت لتمثيل ذلك الناي الجنوبي المحطم، وتلك القيثارة الصماء، وانامل لا تقوى على حمل حبة رمل، من اعتاب اور، وبصر معتم لا يستطيع إبصار كلكامش، وفكر مرهق اكهلته السنين، حتى بات لا يقوى على فك احجيته!، وجبين غائب عن انظار الجمال، ووشاح امي المنطبق مع الليل في اشجانه وآلامه.
رحت قاطعا المسافة تلك، وانا احمل بين جنبي توصيات والدي، وناقوس الكرامة المثقل بالصراخ، وشبيبة موطني الذين زفوا الى دار السلام، بغير سلام!.
خطواتي الاولى في المكان المخصص للضيافة، كانت تمتزج مع نظراتي البلهاء، والتي تبحث عن اللاشيء، هناك وبعد فترة معدة للقيلولة، زاحمتها وجوه الاحبة فأقصتها، انطلقنا الى مكان المحاور لبدأ ورشة العمل، للتخطيط والتنظيم، واثناء تلك الخطوط المتعرجة من مكحول الى الفاو، كانت نظراتي تراقب المحور الاخر اذ تجلس به هي؟.
القاء التحية لأبداء مقترح لوريد موطني، كان الفاتح للنظر في عيناها، فأجابت بابتسامة القبول، شعرها الملقى على كتفيها رسم لي لوحة تشوبها التساؤلات، لكن الطرفة التي القتها كانت اجابة عن جميع تساؤلاتي، “هل التقينا مسبقا؟” تساؤل منها لا اعرف الاجابة عنه، فمن يلج القلب بدون استأذان يكون مألوفاً منذ سالف الازمان.
ما اسمك؟ “جنان يوخنا” مع جمل تبعثرت امام ذاكرتي فلم تستطع التقاطها، اذ رحت سارحا بتلك الدرر التي تلقيها تلك المرأة الستينية، والتي تدرس الانثروبولوجيا، فراحت تؤمن بالإنسانية، والجمال، وتقبل الاخر، والحوار، فراق لي ما انشدت، وجاريتها فراق لها ما تخبطت فيه! “من اين انت؟” أنا من حضارة السومريين وارضهم، ذي قار، وأنت؟ “أنا من الآشوريين وأصلهم”، مسيحية الديانة، عراقية الهوى، انتمائية لهذا الوطن الذي أؤمن به.
عقرب الساعة لم يكن منصفا، فحديثها عن التقارب الديني، الممزوج بالطرفة والحقيقة، وتجولها في اركان الحضارة والتاريخ، وتوقفها أمام آثار البلاد، تدعوك للتأمل طويلا، في ذلك الحافز المثير والذي تبذله للمساهمة بالحفاظ عليه، وإيقاد شموع الامل أمام ابصار المكونات العراقية، والتي تنادي باسمهم، ميل الساعة قطع الوقت  لأول الخطوات لرحيلها.
في اليوم التالي، وانا متوجها الى مكان يدعى ضيافة رئاسة الوزراء! ما سمعت صراخ تلك الام التي رأيتها تقف على جثمان ولدها؟ وما رأيت انامل ذلك الطفل وهو متلمسا شفاه والده؟ وما رأيت المسيح يصلب! ولا شعرت بآلامه، لم اجد حروف محمد؟ وما سمعت احزانه! بحثت في الاروقة عن الفقراء؟ فما وجدت اميرهم! تعثرت على سلالم الدخول ولم اجد معبدهم! خطوت بخطوات مثقلة بالأنين، ووطن مضرج بدماء السنين، ورحت باحثا عن شخص أبّيٌ أمين؟.
أنعقد المؤتمر بحضور رئيس الوزراء، وتُليت عليه مطالب مدننا، وصدحت حنجرة صديقي، بما قدمته من مقترحات، فزادني شرفا لإيصال صوت مدينتي.
خرجنا فجلست الى جانبي في طريق العودة، والذي تمنيت ان يطول، كي ارتوي مما تجود به افكارها، وهي منكسرة على واقع مرير تريد تغييره ولو تطلب حياتها، استقلالها لنفس السيارة، ذكرني بالليلة الماضية والتي رفضت فيها الجلوس مع اصحاب الشهادات”VIP”، لكي تتبادل اطراف الحديث مع الاخر، وهو سر انسانيتها.
خرجت متسائلا من المؤتمر، هل سَتُحقق الدولة امنياتنا ام لا؟ لكن تساؤلي اصابه الضياع مرة اخرى، وتاه في دهاليز فكره، اذ رأيت تلك المرأة تقف محدثةً ضابط الشرطة “استبدلوا العلم فأنه قديم، وممزق”!.

أحدث المقالات