تحل هذه الأيام الذكرى الـ108 لمعركة جناق قلعة الشهيرة التي تحييها تركيا في 18 مارس/آذار من كل عام، تخليداً لانتصار الجيش العثماني في واحدة من أكثر معارك التاريخ دمويةً، على القوات المعتدية من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا، التي جرّدت إبّان الحرب العالمية الأولى ما يُعرف بـ”حملة غاليبولي” بهدف الاستيلاء على إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية حينها. نقول للغرب مجددًا من جناق قلعة، وبعد مرور 108 أعوام، إننا ندرك مشاعركم ونواياكم وحقدكم وكراهيتكم للمسلمون.وكل من لديه طموحات في احتلال ذرة من تراب الوطن بأنكم لن تتمكنوا من جعل إسطنبول القسطنطينية لان أجدادكم جاؤوا الى جناق قلعة ورأوا أننا هنا باقون، وبعدها عاد بعضهم على قدميه مذلولا خاسرا والبعض الآخر عاد داخل التوابيت.. نقول لكم فإذا كنتم تريديون المجيء الينا بالنيّة نفسها فإنّنا لمنتظرونكم..
ثقوا تمامًا أننا سنودّعكم مثلما فعلنا مع أجدادكم في معركة جناق قلعة.
جناق قلعة هي مدينة تركية تقع على مضيق الدردنيل المحوري بين البحر الابيض المتوسط والبحر الأسود كان مضيق الدردنيل، وهو الخاصرة البحرية للعاصمة إسطنبول.
معركة “جناق قلعة” التي انتصر فيها الجيش العثماني على قوات الحلفاء في هذه المعركة امتزجت دماء العرب والأتراك معا، في مشهد تاريخي ما يزال محفورا في ذاكرة الأجيال على مر التاريخ. له رمزية خاصة عند المسلمين جميعا وعند العرب خاصة، فهذه المعركة جمعت جميع الشعوب الإسلامية في جيش واحد كما وتحت مظلة دولة واحدة، وقاتل إلى جانبهم الأبناء الأوفياء من غير الطوائف الذين نعموا بالحياة الكريم في ظل الدولة الإسلامية”.وتعد هذه المعركة بقيت ذكرى رائعة في نفوس المسلمين، وأصبحت من بين الذكريات التي يتباهى بها لليوم أبناء الجنود العرب الذين كانوا جنودا مقاتلين في هذه المعركة، التي انتصر فيها آخر جيش إسلامي على تحالف دولي صليبي”.
معركة جناق قلعة تميزت لدى العرب بمشاركة أحد أهم قادة الدولة العثمانية في بداية الحرب وهو الصدر الأعظم للدولة العثمانية الشهيد سعيد حليم باشا المصري رحمه الل، وقد عرف من أبطال “معركة جناق” قلعة الأمير فهد بن فرحان الأطرش ابن مدينة السويداء السورية، والذي كان مدير ناحية “ديمرجي” غربي تركيا، والذي أبلى بلاء حسنا في هذه المعركة وقضى بقية حياته في المنفى بسبب وفائه للدولة العثمانية و ملاحقة الإنجليز له لرفضه التعاون معهم”.كما عرف من أبطال هذه المعركة عدد من أبناء إدلب وعفرين ومعرة النعمان، اشتهر منهم رشيد إيبو وحسن كريم آغا من عفرين، و نجيب عويد ويوسف السعدون من حارم، ومن جبل الزاوية حسون رحبي زاده كذلك الجندي الحلبي، مصطفى بن محمد الذي أرّخ الكتاب الاتراك مآثره البطولية.
تعتبر معركة جناق قلعة أولى الانتصارات الشهيرة لمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك قائد الفرقة التاسعة عشرة احتياط، الذي قاد المرحلة الحاسمة والنهائية من تلك المواجهة المعروفة باسم «أنتفارتلار» إذ أطلقت عليه الصحف التركية آنذاك لقب «بطل الدردنيل» و»حامي إسطنبول» وأقيم له تمثال كبير قرب تلة شونك بيري، التي شهدت آخر فصول المعركة.
ونجد انه كان معظم جنود فرقة أتاتورك التاسعة عشرة من العرب، ويقول المورخ البريطاني الذي كان دبلوماسيا لبلاده في إسطنبول خلال الحرب أرمسترونج، إن أتاتورك درّب العرب على القتال فأصبحوا من خيرة المقاتلين، وساهموا كجنود في تحقيق هذا النصر،حيث شارك أهل بلاد الشام، وخصوصًا من محافظات إدلب وحلب واللاذقية، ومن فلسطين ولبنان والعراق والعديد من دول العالم الإسلامي حيث اختلطت دماء أبناء الدول الإسلامية جميعاً، الدماء التركية والعربيةوالكردية والهندية والباكستانية لحماية راية الإسلام، في معركة جناق قلعة، رغم أنّها ليست الحرب الوحيدة التي خاضتها شعوب الإمبراطورية من خارج تركيا، وذلك منذ أنْ أعلن السلطان محمد رشاد مطلع أغسطس/آب 1914، النفير العام خلال الحرب العالمية الأولى، أو ما يعرف في منطقة الشام بالسفر برلك.
معركة جناق قلعة، كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول التي وعد الإنكليز الروس بتسليمها. وقدمت ولاية حلب لوحدها في هذه الحرب أكثر من 6 آلاف شهيد ، كما ذكرهم المؤرخ التركي أنس ديمير في كتابه حول شهداء حلب في هذه المعركة.
بدأت معركة جناق قلعة – أو كما يسميها البريطانيون “حملة غاليبولي” – في العام 1915، حين أرسلت قوات الحلفاء حملةً تضم فرقاً عسكريةً بريطانية وفرنسية ونيوزيلاندية وأسترالية، للسيطرة على مضيق الدردنيل، والانطلاق منه إلى إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية آنذاك وبطلب روسي للزحف إلى الشمال لمساندة روسيا ضد القوات الألمانية لتكبدها خسائر فادحة خلال الحرب وأيضًا لأن المنطقة ذات طابع جغرافي وعسكري واقتصادي. بدأت بانزال بحري واسع على الجبهة في تاريخ 18 مارس 1915، ولكن خاب ظنهم وكان هذا الانزال بمثابة الكارثة الكبيرة بالنسبة لهم.بدأت القوات تصل إلى بعض المناطق في شبه جزيرة جاليبولي حتى إذا اكتمل عددها بدأت هجومها ونزلت بعض قواتها في بعض المناطق، لكن خانها التوفيق في اختيار الأماكن الصالحة، إذ نزلت في أراض تنحدر تدريجيا نحو ساحل البحر، وقد انتهز العثمانيون هذه الفرصة واصطادوا القوات البريطانية والفرنسية المهاجمة وفتحوا النيران فوق رؤسهم ليعلنوا بهذه الخطوة القيامة.
لقد كانت منطقة جناق قلعه من أهم المناطق الجيوبوليتكية، ويمكن من خلالها الوصول إلى مناطق كثيرة مختلفة حول العالم، وخلال الحرب التي استمرت سنة كبيرة كتب الأبطال الأتراك حكايات تكتب بماء الذهب كتبوها بدمائهم، لقد ظن الحلفاء أنه يمكنهم هزيمة الجيش التركي بالجنود الذين احضروهم من مناطق مختلفة من البلدان التي استعمروها، ولكن حين دقت ساعة الصفر لم يجر الأمر كما كان بحسبان الحلفاء، وحين سمع المسلمون الهنود الذين كانوا مخدوعين ويحاربون في صفوف الانجليز الاذان من قلب صفوف الجيش التركي صاروا يرسلون رسائل مكتوبة ملفوفة بأحجار، وحين رد عليهم الجيش التركي بالرسائل فهموا اللعبة، لقد خدعهم الانجليز وقالوا انهم يحاربون الاتراك لان الاتراك يقومون بقتل النصارى والمسيحين، ولكن حين وصل هؤلاء الهنود وقرأوا رسائل الأتراك فهموا اللعبة، وعرفوا انهم هم المهاجمين لا الأتراك، وحين عرف بعض المسلمون المتواجدون في صفوف الانجليز اللعبة قاموا بمحاولة تغيير صفوفهم والانتقال الى صفوف الجيش العثماني.
انتهت هذه المعركة التاريخية بانتصار الجيش العثماني على قوات التحالف بقيادة الامبراطورية البريطانيا وقُتل من جانب التحالف ما يقارب 300 ألف جندي كان عددهم الاجمالي 490 الف جندي واستشهد من الجانب العثماني ما يقارب 250 الف جندي الذي كان عدده الاجمالي 315 الف جندي. إن هذه المعركة وغيرها من المعارك التي خاضتها الدولة العثمانية في تاريخها وتحديدًا اليوم الأخير فيها الذي حسم الأمر هو يوم من أيام الله الذي ينتصر فيه الحق على الباطل وتُرفع فيه رايات العدالة في الأرض، جيوش مجتمعة لم تستطع وتجرؤا على جيش واحد وهم كانوا يفوقون الجيش العثماني بالعدة والعتاد حيث أنَّ معركة “جناق قلعة بدلت الخطط غيّرت التاريخ”.
أن خسارة تلك المعركة كانت ستغير من ملامح التاريخ والجغرافيا حتى اليوم، فسقوط إسطنبول التي كانت المرجعية الدينية في العالم الإسلامي، والعاصمة السياسية والإدارية للدولة العثمانية، يعني هزيمة لمنطقة وتاريخ الحضارة الإسلامية. لذلك رأينا، وفق كتب التاريخ والوثائق، الالتفاف حول السنجق الشريف (راية يعتقد أنها استخدمت من قبل النبي محمد) جمعت متطوعين من جميع الدول الإسلامية وقتذاك.
ومن الأبطال الذين يحتفي الأتراك بهم، جنديٌ اسمه سعيد علي تشابوك، يُعرف شعبياً بـ “العريف سعيد” أو “كوجا سعيد”. تقول الروايات التركية أن للعريف سعيد فضلاً كبيراً في انتصار الجيش العثماني في المعركة، إذ كان يحمل على ظهره قذائف يصل وزنها إلى ما يقارب 276 كيلوغرام، للمدافع التي كانت أطلقت على السفن الحربية البريطانية التي حاولت إقتحام مدينة جناق قلعة وإغراق تلك السفن.في يوم 18 مارس/آذار 1915، بدأت سفنٌ بريطانية محاولة اقتحام مدينة جناق قلعة المطلة على مضيق الدردنيل.
كان العريف سعيد حينها مسؤولاً عن المدفعية في الثكنة المجيدية في غرب المدينة، في معقل روملي في شبه جزيرة غاليبولي الذي أصابه وابل القصف، فتكسرت الرافعة التي تحمل القذائف. فما كان من الجندي، إلا أن حمل قذيفة بوزن 215 كيلوغراماً على ظهره، ووضعها في فوهة المدفع لتتسبب في غرق سفينة فرنسية من أسطول التحالف. وتشير المذكرات إلى أنه طُلِب من الجندي سعيد علي تشابوك، بعد انتهاء المعركة، أن يحمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلوغرام من أجل تصويره، فلم يستطع حملها. وصُنِعَت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال الجندي إنه “إذا خضنا حرباً أخرى، فسأتمكن بالتأكيد من رفعها مجدداً”.
رغم ان جناق قلعه كانت ساحة معركة واحدة من الحرب العالمية الكبيرة، الا انها كلفت كافة الاطراف المنتصرة والخاسرة خسائر كبيرة، لقد كانت معركة جناق قلعه معركة لم تشهد لها مثيل حتى ذلك التاريخ، وقد مات فيها ما يقارب نصف مليون انسان شاب من كافة الأطراف.
هذه المعركة أصبحت ذكرى عطرة ومفخرة لكل من له جد قاتل فيها، ويحتفل بذكراها العديد من العرب الأوفياء للدولة العثمانية، ولا زالت مقابر الشهداء في إسطنبول وجناق قلعة وشانلي أورفا تحتفظ بقبور آلاف الشهداء العرب الذين سقطوا في هذه المعركة، فعندما تزور مقبرة الشهداء في إسطنبول أو غاليبولي ستجد أسماء الشهداء بالإضافة إلى بلداتهم أو مناطقهم اليوم الموجودة في مختلف أنحاء الوطن العربي.
في النهاية نتمنى أن تتحد راية العالم الاسلامي بعد اكثر من مائة عام على ملحمة جناق قلعة التي راح ضحيتها مئات الآلاف.. انتصر العثمانيون بوجود الكثير من القوميات الاسلامية التي حاربت معها على أربعة جيوش غازية فمعركة جناق قلعة تعد رمز لموقفنا المؤيد للأخوة الإسلامية التي مثلها العثمانيون ذات يوم.