23 ديسمبر، 2024 6:34 ص

يخطيء من يظن ان الاصطفافات السياسية الاخيرة انتجت كتلا عابرة للطوائف../ لانها وببساطة لعبة شكلية مؤقتة مرهونة بتشكيل الكتلة الاكبر .. ولانها نتاج استحقاق مؤجل للحرب على داعش .. لهذا فان هذه الاستحقاقات تختلف جوهريا عن الدورات الانتخابية السابقة / انها وليدة حروب وامتلاك اسلحة ثقيلة واستعراضات عسكرية في وضح النهار ومجابهات ومناكفات واستعلاء غير مسبوق على حرمة مؤوسسات الدولة وفروعها .
ان الاستحقاق الانتخابي لاينتج حكومة عابرة للطوائف.. ولو كان صحيحا لتخلصت الطائفة الواحدة من الصراع على السلطة ومن الانقسامات والتشرذم الذي نشهده في هذه الايام .. و ان كل ما رفع من شعارات / فضاء وطني / وحكومة خدمية  / تندرج ضمن مفهوم الاستهلاك الاعلامي .. و لم تكن نتيجة قناعات وطنية راسخة طالما ان الفساد لايزال يعشعش في العقول .
ان استغلال حرب الارهاب على داعش مقابل مكاسب انتخابية سياسية يبدد مفهوم العقيدة العسكرية وشرف الدفاع عن الوطن .. واذا كان( قادة الفتح ) و الحشد الشعبي يتدافعون اليوم من اجل الحصول على غنيمة رئاسة الوزراء .. فالأحق بها قادة الجيش العراقي والشرطة الاتحادية الذين سطروا ملاحم بطولية اذهلت العالم .

في كتابه المهم ( الميديوقراطس ) يشرح الفيلسوف الكندي الان دونو نظرية حكم التفاهة قائلا :
( ان الحرب على الارهاب ادت خدمة لنظام التافهين .. لانها جعلت الشعوب تستسلم لارادة مجموعات او حتى اشخاص وكانهم يملكون عناية فوقية .. وبدلا من ان تكون الحرب فرصة لتستعيد الشعوب قرارها الوطني تستحوذ جماعات تافهة على نتائج الحرب وتديرها لمصالحها الخاصة …)
ونتيجة لذلك يتم توظيف ما يطلق عليه الفيلسوف الان دونو ( الخبير ) اي عليم اللسان وطليقه والذي اتخذ من العلم حرفة يتعزز ويتعظم بها / ويدعو الناس الى الله وهو ابعدهم اليه .. ويستقبح فعل غيره ويفعل ما هو اقبح منه..
واصبحت وظيفة الخبير
اهم واكبر من وظيفة المثقف وتدنى دور الثقافة الى حدود بعيدة .
ويستعرض / الان دونو تاريخ وجذور حكم التفاهة بمجيء مجموعة من المستشارين والوزراء التكنوقراط الذين صاحبوا رئيسة الوزراء / مدام تاتشر و من الذين باعوا عقلهم للسلطة ولهم القابلية للتعليب .. بدلا من التفكير العميق.

وفي مكان اخر / كان الفيلسوف الفرنسي / اوليفيه روا منهمكا بكتابه المهم ( الجهل المقدس ) الذي اثار جدلا كبيرا في الاوساط الثقافية في فرنسا والعالم .. وشرح فيه تاريخ تحطم الروابط التاريخية التقليدية القائمة بين غيبيات الدين وتجليات الثقافة .. وامكانية تسويق الخطاب الديني من دون الحاجة الى معرفة الثقافة التي انتجته .. وبؤشر الفيلسوف اوليفيه روا على امر غاية في الاهمية مختصرا الطريق بفهم التحولات السوسيولوجية ../ لانها المفتاح لفهم ما يحدث في الازمنة القديمة والحديثة .

ان غياب او تغييب القيم الثقافية والتنازل عنها لصالح الشعوذة والجهالة / يعني غياب الايمان الحقيقي والراسخ بمستقبل الانسان الكوني .. وبذلك يصبح اتباع الاحزاب والرموز الدينية وكانهم يعيشون كمافبات منظمة خطرة و جاهلة لاوظيفة لها سوى تقديس الجهل وتدمير الثقافة وطرد الكفاءات وتصفية الخصوم وسط بيئة سياسية فاسدة ودولة لا هوية لها .
ان من من الاثار المدمرة للانفصال بين ما هو ديني وما هو ثقافي .. جهل المتدينين بكل شيء يمت بصلة الى الثقافة ..و تراهم يجادلون على غير هدى ولا دراية في الدين لانهم لايفقهون منه شيئا سوى ما يتردد شفاهيا .
المحزن / .. ان العراق يعيش اليوم وسط هذا الكم المخيف والهائل من الرعاع والجهلة الذين يتحكمون بارواح العراقيين ويهددون مستقبلهم .. ولايمكن ان نختزل نهاية الوضع الماساوي بفوز هذه الكتلة او تلك .. او اندلاع المظاهرات في البصرة او في السماوة .. او بنفوذ ايراني معلن له اتباعه على الارض وهم مدججون بالسلاح في الداخل .. ولا حتى بهيمنة امريكية مستترة تسيطر على مفاصل السياسة والمال العراقي في الخارج .. بل بهذا التشظي المجتمعي وهذا الانفلات الاخلاقي الخطير وسط غياب هيبة الدولة .. والافتقار الى قادة وطنيين لا يفكرون باستحقاقات حزبية ولا فئوية او طائفية .. وانما باستحقاقات وطن تم ذبحه من الوريد الى الوريد .. بسكاكين افليمية ودولية ..

*أكاديمي وباحث