ولد في بغداد عام 1863 وهو كردي ينتسب الى امراء السليمانية البابان .. والده مفتي بغداد محمد فيضي الزهاوي .. وشهرته بالزهاوي هي لان جده هاجر الى (زهاو) من مدن كرمنشاه الايرانية وسكنها عدة سنين وتزوج بسيدة زهاوية هناك ..
اصيب جميل الزهاوي بداء النخاع الشوكي في الخامسة والعشرين من عمره فلازمه المرض طوال حياته .. قال الشعر بالعربية والفارسية وهو صبي … عين في شبابه عضوا لمجلس المعارف في بغداد ثم مدجيرا لمطبعة الولاية ثم عضوا لمحكمة الاستئناف .
سافر في اوائل كهولته الى الاستانه فأنعم عليه السلطان برتبة رفيعة ووسام مجيدي من الدرجة الثالثة .. ثم سجنه وسفره الى بغداد ثم عاد الى الاستانة وعين استاذا للفلسفة الاسلامية في الجامعة الملكية واستاذا للاداب العربية في دار الفنون .. عزله والي بغداد (ناظم باشا) من وظيفته ثم اعاده والي بغداد (جمال باشا) الى وظيفته ثانية ثم انتخب نائبا عن المنتفق ثم عن بغداد فذهب الى الاستانة كثيرا وحضر جلسات البرلمان العثماني وخطب فيه مرات كثيرة .. لم يترك بغداد ابان الحرب العالمية الاولى .. عين عضوا لمجلس المعارف ثم رئيسا للجنة تعريب القوانين العثمانية .. عزله الملك فيصل من جميع وظائفه وقطع عنه جميع رواتبه ورفض ان يكون شاعر الملك مقابل راتب ضخم .قال يوما عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرئ) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية.لم يشترك الزهاوي في ثورة العشرين . زلت قدمه وهو يتمشى في داره فكسرت عظمات من قدمه اليسرى فلزم بيته وقضى وقته بالمطالعة والتأليف حتى وافاه الاجل في بغداد يوم 24 / 2 / 1936 .
له العديد من الكتابات والتأليفات منها (الكائنات) وهو كتيب صغير في الفلسفة ، وكتاب (المجمل مما رأى) كتاب يبحث في الافلاك والمد والجزر والجذب والرفع والمكان والزمان و..الخ ، (الجاذبية وتعليلها ) كتاب في النثر ، (رباعيات الخيام) ترجمها عن الفارسية ، وكذلك (ديوان الزهاوي) ديوان شعر وله عدة طبعات .. ومن دواوينه (الكلم المنظوم ، الذرات ، نزعات الشيطان ، اللباب ، الاوشال ، الثمالة ، وغيرها ) .
نظم الزهاوي شعره في موضوعات شتى ، تناول فيها كل شيء تقريبا في السياسة والاجتماع والعلم والفلسفة ومناصرة المرأة ، فضلا عن الطابع التفكيري والجمود التقريري الذي يسلكه في صفوف المفكرين المصلحين .
قال من قصيدة عنوانها (ايام بغداد)
أتعود بعد تصرم ونفاد … ايام بغداد الى بغداد
ايام بغداد التي في مرها … كانت عوادي الدهر غير عوادي
ودافع عن حقوق الفلاح وينعى على الاعنياء حرصهم وتمسكهم بالمال .. وقال في قصيدة عنوانها (سادة ورعاع) ..
ان من كدّوا يزرعون البقاعا … اشبعوا غيرهم وباتوا جياعا
ربح المالكون الارض غصبا … ومضى كدّ المزارعين ضياعا
وفي قصيدة اخرى عنوانها (الاكواخ والقصور) من الرباعيات يدعو الى العدل وانصاف الفلاح ..
جمعوا من ساكني الاكواخ اموالا وتورا … واتوا في جانب الاكواخ يبنون القصورا
اجعل البأساء مقياسا لسراء الحياة … وانظر الاكواخ في جنب القصور الشاهقات
للزهاوي ملحمة شعرية طويلة تقع في (435) بيتا بقافية واحدة عنوانها (ثورة في الجحيم) ونشرها عام 1929 فأثارت ضجة لما جملت من اراء ثورية ضد التقاليد والطقوس الدينية .. قال في مطلعها : –
بعد ان مت واحتواني الحفير … جائني منكر وجاء نكير
ثم يصف الصراط ..
لم يربني امر الصراط مقاما … فوق واد من الجحيم يفور
فاذا صح انه كغرار ال … سيف او شعرة فكيف العبور
لا تخل ان عبر جسر دقيق … ذرعه آلاف السنين يسير
وقال في سؤال منكر ونكير عن السفور والحجاب وبها يبين الزهاوي عن آرائه الحقيقية ومطالبته بسفورها ومعارضته الحجاب :
قال هل في السفور نفع يرجى … قلت خير من الحجاب السفور
انما في الحجاب شل لشعب … وخفاء وفي السفور ظهور
كيف يسمو الى الحضارة شعب … منه نصف من نصفه مستور
ثم يوصف اخذه الى الجحيم والعذاب الذي فيه
أخرَجانيَ منها وشدَّا وثاقي …بنسوع كما يُشد البعيرُ
ثم قاما فدلَّيانيْ ثلاثاً … في صميم الجحيم وهي تفورُ
وأخيراً في جوفهاقذفا بي … مثلما يُقذَفُ المتاعُ الحقيرُ
لست أسطيعُ وصفَ ما أنا قد قاسيتُ منها فإنه لعسيرُ
ربي إصْرف عني العذابَفإني … إن أكن خاطئاً فأنتَ الغفورُ
لقد كانت ملحمة شعرية سعى فيها الى التحرر من التقاليد الاجتماعية والعادات الموروثة وكان مسلحا قوي الايمان ، حيث اجاب على اسئلة منكر ونكير ..
قل ما دينك الذي كنت في الدنيا … عليه وانت شيخ كبير
قلت كان الاسلام ديني فيها … وهو دين بالاحترام جدير
قال من ذا الذي عبدت فقلت … الله ربي وهو السميع البصير
الذي ادمى ادمى قلب الزهاوي في اواخر حياته تنامي نفوذ الرصافي ، وشاعت المنافسة بين الزهاوي والرصافي من جانب والزهاوي والعقاد من جهة اخرى .. فقد هاجمه العقاد ونفى عنه الفلسفة والشاعرية معا ، فكان صراعا ادبيا عنيفا .
لقد كان الزهاوي عالما كبيرا وقيلسوفا حكيما .. وذلك نتيجة بحثه وتفكيره الشخصي حيث لم يكن يتلقى علومه في جامعات معروفه ولا مدارس منظمة اذ شغف بالابحاث العلمية وتعمق في دراسة الفلسفة ونفذ الى ما وراء المادة والطبيعة .
كان الزهاوي شخصية فذة متعددة النواحي ، شعره حر طليق لا يتقيد بالاسلوب القديم ضاربا الخيالات الوهمية ونزاعا الى التجديد .. كان شاعرا مجددا رقيق الحس مفتوح القلب متقد العاطفة ثائر القلب .. فهو كالبحتري ديباجة زكالمعري تفكيرا ومع ذلك كله فلم يعترف بسمو مكانته بل كان يرى ان له سقطات وبعض الاسفاف رغم جودة شعره .. قال من قصيدة له ..
يا شعر أَنتَ سماء … أطير فيها بفكري
طوراً أَسف وطوراً … أعلو كتَحليق نسر
إن لم تصور شعوري … فلست يا شعر شعري
من بعد موتي بحين … سيعلم القوم قدري
فقد وقفت حَياتي … لهم وأَفنيت عمري
[email protected]