23 ديسمبر، 2024 2:52 م

جميلة ووصال محمد شلال/36

جميلة ووصال محمد شلال/36

 {إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
الشهيدتان جميلة ووصال محمد شلال، لذكراهما طعم العلقم، ألم وإفتخارا، تجاوز المجرمون البعثيون الأعراف والشرائع والأخلاق، تنكيلا بإمرأة أرعبت جبنهم المدجج بمتاريس الاسلحة لفتاكة، وأحهزة التعذيب فائقة التقنية.
إرتعبوا أمام جلد وصلابة موقف رفيقة أم عمار.. جميلة محمد شلال، تحولت رعدة الجبناء الى هستيريا مجنونة، وهم يرونها تصمد أمام أجهزة التعذيب.. تقاوم الجريمة وتأبى السقوط في وحل الخيانة .. وهي الأم التي لا تمتلك في هذه الدنيا سوى الوطن والمباديء وطفلة رضيعة .. أخافت وأرعبت هذه الأم النحيلة شوارب رجال الأمن والمخابرات البعثية بكل ما كانوا يمتلكونه من ترسانة الحرب والدمار وأجهزة الشرطة والأمن والعسكر .. ولم يكتفوا بالتعذيب والسجن والحرمان من طفلتها ولم يكتفوا بكابدت في ظلام الزنازين والضرب المبرح؛ فإتخذوا قرارهم بالحكم عليها بالأعدام.
زال قاتلوها وظلت خالدة، فداء الوطن، الذي انتهجت الشيوعية سبيلا للدغاع عنه، ضد طاغوت الديكتاتورية البعثية، التي تكاثفت بشخص المقبور صدام حسين.
بقيت جميلة خالدة ومفخرة للشعب العراقي.. عرفت الشهيدة جميلة محمد شلال، السبعينات ناشطة طلابية ونسائية رائعة ومثال للمرأة الشابة المتحررة، من دون إنفلات.. إنما تقدم على خطواتها بشخصية تأملية، لا تدع للهوج سبيلا يضفي تخبطاته عليها، إنما بوعي حريص.
مناضلة عراقية أبت أن تتراجع عن مبادئها قيد شعرةح بقوة أرعبت الجلادين، وهم ينتهكون وطنا مستباحا، لم يثنها قرار الأعدام، عن المكوث راسخة الجذور في قناعتها، تنتظر التنفيذ، وأعداؤها لظى!
تقدمت مرفوعة الرأس.. شامخة نحو غرفة الأعدام، موصية برعاية طفلتها بعد موتها وهي وصية كانت بنبرات تدمي القلوب وتثير الحقد على المجرمين القتلة، هاتفة: “عاش الشعب العراقي.. عاش الحزب الشيوعي.. الموت للمجرمين الطغاة”.
بقيت السجينات بين البكاء والألم والحماسة والهتاف بحياة الحزب .. وبعدها توجهت أختها الرفيقة وصال محمد شلال وهي تمشط شعرها وتعدل في ثيابها المدماة وتقول هذا هو يوم زفافي .. هذا هو يوم العرس الذي كنت أتمناه لموتي المشرف ومع الرهبة والشد والحماس والألم  في التوجه نحو المصير قالت للسجينات وكأنما تحاول تهدأتهن وتهون الأمر عليهن وتمنحهن دفعة من الصمود: “فلنعشها بكرامة ونموت بشرف”.
… كل ما أريده منكم هو أن تزغردوا وكأنني ذاهبة نحو الزفاف .. قالت هذه الجملة وكأختها جميلة خرجت وصال منتشية ورافعة الرأس وتهتف .. عاش الحزب الشيوعي العراقي وعاش الشعب ويحيا العراق .. ولكن أي من السجينات لم يكن يستطعن وسط هذا الحزن أن تزغرد.