كلّ ما جرى، ويجري، في العراق يدخل ضمن دائرة المفاجآت المخطط لها بعناية.
فمَنْ كان يتصوّر أنّ العراق سيقع فريسة للاحتلال المتعدّد الجنسيّات، وأنّ الأمور ستنقلب فيه بين ليلة وضحاها، وتكون البلاد في حالة فوضى عارمة؟
ومفاجآت العراق بعد العام 2003 لا تنحصر بميدان واحد فقط، فهي مفاجآت سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة ورياضيّة وغير ذلك، وهي بحاجة لمئات المقالات لحصرها وتوثيقها!
وسبق لموقع “ويكيليكس” نهاية العام 2010 أن نشر نحو نصف مليون وثيقة عن أوضاع العراق منذ العام 2003، والتي تناولت جرائم (فرق الموت) بالتفصيل الدقيق!
وما زالت فرق الموت حتّى الساعة تعبث بأرواح العراقيّين وأموالهم وحرّيّاتهم، ولا أحد يجرؤ على إيقافها، أو حتّى الإشارة إليها لأنّهم القوّة الفاعلة القادرة على الضرب بيد مَنْ حديد لكلّ مَنْ يقف في وجهها!
وبمناسبة مرور عام على اغتيال الخبير الأمنيّ هشام الهاشمي، وعجز الحكومة عن الإمساك بعصابات الموت التي اغتالته، والمئات من الناشطين رغم وعودها بالكشف عنهم، قال قيس الخزعلي زعيم مليشيا عصائب أهل الحقّ يوم الثلاثاء الماضي إنّ: الجهة التي اغتالت الهاشمي لا يُمكن كشفها!
ولا ندري ماذا يعني بهذا التصريح، هل هو، أو الحكومة، يعرفون مَنْ هؤلاء القتلة؟
والمفاجآت في العراق عمليّة وقوليّة، والقوليّة لا تقلّ خطورة عن العمليّة، وهي تتمثّل في التصريحات الغريبة لزعماء الفصائل الولائيّة، التي تدّعي أنّها ضدّ أمريكا، وهم الذين وقفوا معها، وشجّعوها بروايات باطلة ومفبركة على غزوها، فكيف يستقيم تعاونهم السابق مع مفهوم (المقاومة) التي يدّعونها اليوم؟
ومن هنا هدّد زعيم مليشيا كتائب “سيّد الشهداء”، أبو آلاء الولائيّ، بتنفيذ عمليّة نوعيّة للانتقام من الأمريكيّين، من الجوّ والبرّ والبحر، وفي أيّ مكان!
ولا أريد أن أذكر هنا التفجيرات الإجراميّة المفاجئة التي حصدت مئات آلاف الأبرياء في هجمات يوميّة في عموم المدن، لأنّها، وكما يبدو، صارت من الماضي، وأنّ تلك الدماء لم يعد لها قيمة تذكر لأنّ غالبيّة السياسيّين منشغلون الآن في كيفيّة الحفاظ على مكتسباتهم السياسيّة، وكأنّ مَنْ قتلوا ليسوا من العراقيّين، أو أنّ قتلهم جزء من الضريبة التي يجب على الشعوب المغلوبة على أمرها أن تدفعها!
وضمن مسلسل المفاجآت قال زعيم التيّار الصدريّ، مقتدى الصدر، يوم الأحد الماضي إنّ اغتياله، أو استشهاده بات قريباً!
وهذه ليست المرّة الأولى التي يحذّر فيها الصدر من اغتياله، ولكنّ الفرق هذه المرّة أنّه أكّد قرب هذه الواقعة!
ويمكن النظر لتصريحات الصدر الناريّة والمفاجئة من زاويتين: الأولى: أنّها تهديدات وهميّة ومقصودة، ولغايات انتخابيّة وتحفيزيّة! والثانية: أنّ هذه التهديدات حقيقية و(تحذيريّة)!
وفي كلتا الحالتين فإنّها تقع ضمن خطّة الصدر للظفر برئاسة الحكومة المقبلة، وهي نوع من البروباغندا المدروسة لهزّ الشارع الشيعيّ للتعاطف مع تيّاره في مرحلة تنامي العمل لإقناع الجماهير للمشاركة في الانتخابات البرلمانيّة القادمة؟
ثمّ مَنْ هي القوى التي يمكن أن تتورّط في قتل الصدر، وما هي تداعيات هذه الخطوة؟
اغتيال الصدر، إن حدث، هو شرارة الفوضى العارمة والمتوقّعة، وسنكون حينها أمام موجة جديدة من جرائم القتل والترويع والتهجير والانتقام!
مفاجآت العراق في كلّ حدب وصوب، والغريب أنّ بعض المخرّبين في البصرة أحرقوا قبل أربعة أيّام محطّة للكهرباء، في خطوة تتناغم مع ضرب مجاميع تخريبيّة أخرى لأبراج الكهرباء في كركوك وبغداد والأنبار وديالى وغيرها، وكأنّنا أمام إرهاب متناسق يمكن أن نسمّيه (إرهاب الكهرباء)!
فوضى الكهرباء دفعت رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لتصريح مدهش حيث قال: هنالك شيء غير طبيعيّ في قطاع الكهرباء، ونُحقق هل الخلل فنيّ أم سياسيّ؟ وأنّ كلّ خطوة لحلّ مشكلة الكهرباء تتطلّب سنوات!
وصدقاً لا ندري كيف نعلّق على كلام الكاظمي، فإن كانت الحكومة لا تدري، فمَنْ الذي يدري؟
وإذا كان القطاع الكهربائيّ الذي كان يمتاز بمنظومة قائمة ومتطوّرة قبل العام 2003 يحتاج لحلّ كلّ مشكلة من مشاكله لسنوات، فلا ندري متى، وكيف ستُبنى الدولة العراقيّة؟
وهكذا يستمرّ دوران عجلة المفاجآت المهلكة، والعجيبة في العراق، وأظنّ أنّ الأيّام المئة القادمة حبلى بمفاجآت تراجيديّة ومأساويّة، ربّما، لا تخطر على بال الكثيرين، ولكنّنا نأمل أنّ وقوعها سيكون بداية النهاية لعصر المفاجآت القاتلة والضارّة بالعراق والعراقيّين!
@dr_jasemj67