أثناء تصفحي لأحد المواقع الألكترونية ، قصدتُ باباً في الموقع ، حمل عنوان : كتابٌ للقراءة . فوجدتُ فيه كتباً منتقاة عُرضت بشكل مركز ، وفي صدارتها الكتب التالية : (أولاد حارتنا) للروائي نجيب محفوظ ، و(الفكر السياسي الاسلامي والاصلاح) للكاتب مهند مبيضين ، و(جمهورية جنونستان) للشاعر نزار قباني . وكان كتابي (موضوعات في الكتابة) ضمن الكتب المعروضة .
واستوقفني عرض كتاب الاستاذ نزار قباني ، إذ جاء فيه : (شهادتي فيما كَتَبَ نزار مجروحة .. لأنني – بشكل أو بآخر – نصف نزار . وكلمة حق تقال هنا : ان جمهورية جنونستان تتمدد وتزحف الى ما بعد لبنان) . وينتهي كاتب العرض مقالته بالقول : .. وتصبحون على وطن .. .
لم أقرأ الكتابَ ، ولكن عنوانَه والعرضَ المنشور ، يعطي فكرة عن المضمون . كما أن الشاعر الراحل نزار قباني عُرف بنقده الشديد لمماراسات الانظمة العربية . كان ليبرالياً ، إلى حدٍّ كبير ، لكن هذا النظام العربي او ذاك ، ألقى أكثر من شبكة لاصطياد هذا الشاعر .
وأتذكر : عام 1977 ، كنتُ في زيارة خاصة للقاهرة . وأثناء تجوالي في شارع بمركز القاهرة ، لعله شارع قصر النيل ، شاهدتُ الشاعر نزار قباني بصحبة زوجته بلقيس الراوي . كنتُ أمشي خلفهما بمسافة . بعضُ أبرز ما في هيئة : بلقيس قامتُها وجديلتها التي تتدلى بشموخ لتصل قريباً من الركبة . ألمْ يقل نزار عن بلقيس :
كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
و .. أطول النخلات في أرض العراق
وأتذكر أيضاً : عام 1980 ، كان الشاعر نزار قباني ، يكتب صفحة اسبوعية في مجلة (الوطن العربي) اللبنانية . وكانت كتاباته متعاطفة مع الوضع القائم ، آنذاك ، في العراق . وفي ذلك العام دُعِيَ لزيارة العراق ، وأقامتْ وزارة الاعلام العراقية دعوة غداء في مطعم (الشموع) على شرفه ، حضرها جميع المسؤولين في الوزارة . وكنتُ ممن حضروا هذه الدعوة.
وليست مصادفة ، أن الشاعر قباني وأنا جلسنا متجاورين . ذلك أن الشاعر خصني بذلك ، أمام استفسار ، إن لم أقلْ إستغراب الحاضرين .
الموضوع لا يدعو للاستغراب ، لأن المؤسسة (الشركة) التي أديرها ، تقوم – ضمن ما تقوم به – بتوزيع كتب الاستاذ نزار ، وكذلك توزيع مجلة (الوطن العربي) التي يكتب فيها .
دار بيننا نقاش حول توزيع كتبه في العراق . سأل إن كانتْ مبيعات مجلة (الوطن العربي) قد ارتفع معدلها ، بعد أن كتب فيها . أجبته باقتضاب . حدثني ، بألم ، عن قيام بعض الناشرين اللبنانيين ، باستنساخ كتبه . وسمّاهم (المزوِّرين) .
آنذاك (عام 1979 ، وما تلاه) ، لم تكن مكتباتنا تعرف (الاستنساخ) لغرض (سرقة) حقوق المؤلفين .
وغادر الشاعرُ العراقَ عائداً الى مقر إقامته في بيروت . وفي (15/12/1981) ، وقعت المأساة المدوية : انفجارٌ هَزَّ مبنى السفارة العراقية في بيروت ، دَمَّر المبنى بكامله ، وقتل أكثر من ستين دبلوماسياً وموظفاً ، بالاضافة لعدد من المراجعين .
ومن ضمن المقتولين ، كانت بلقيس الراوي زوجة الشاعر . ورثاها الشاعر . وبغيابها استقل نزار باخرة الحزن ، وأقفل باب قلبه .. .
ومن قصيدة له يرثي فيها زوجتَه الراحلة :
(( .. بلقيس ياوجعي
ويا وَجَعَ القصيدة
حين تلمسها الأنامل
هل يا ترُى
من بعد شَعْرك سوف ترتفع السنابل
قتلوك يا بلقيس
أية أمة عربية
تلك التي
تغتالُ أصواتَ البلابل .. )) .
ولعل الشاعر يدرك أن ما حدثَ لبلقيس ، جزء من (بركات) جمهورية (جنونستان) ! .
فتشوا عن هذه الجمهورية ، في الأرض المحملة بالحزن ، تجدونها فيما بين (الخليج الثائر) ، و(المحيط الهادر) ؟ ! .. وتصبحون على وطن.