23 ديسمبر، 2024 10:11 ص

جمهورية الاقليات في العراق الجديد

جمهورية الاقليات في العراق الجديد

قد تكون او لاتكون فكرة شرطي الخليج او المنطقة مقبولة اخلاقيا,الا انها كما يبدوا كانت لعبة مقبولة نسبيا لاستقرار الدول والطوائف والاقليات المتجانسة بحذر فيما بينها,فكان شاه ايران المخلوع بالثورة الاسلامية الايرانية, الحارس الامين للامبريالية العالمية ومصالحها في منطقة الخليج العربي-الفارسي,واليوم يتصارع جاهدا السلطان الصغير اردوغان للعب نفس الدور,وشتان بين الموروث الفارسي الحضاري,وبين ورثة امبراطورية السلاطين العثمانيين,والطريف انهم لايبنون سلطانهم وامبراطورياتهم ,ولايحدون سيوفهم او يرفعون اسلحتهم الا في ارض العرب.

ليست قلة الخبرة والكفاءة وحدها هي التي جعلت من السياسيين العراقيين الشيعة ينخرطون في لعبة الاقليات والتشجيع عليها,انما هناك ادوارا ثقافية وبيئية كثيرة ومتشعبة ساهمت في ان تكون ادارة الامور بالمقلوب,ترى ان الكتل الشيعية البرلمانية المهمة او حتى بعض الشخصيات الحكومية المعروفة تتسابق في الحديث والترويج لمظلومية الاقليات جنبا الى جنب مع مظلومية الاغلبية الاجتماعية التي تعرضت للقمع الدموي في عهد نظام البعث البائد(والتي ردها السيد السيستاني بقوله ان نظام صدام ليس طائفيا انما دكتاتوريا),كل هذه التصرفات المحملة على براءة النيات وسلامة المقاصد اصبحت ثقافة اجتماعية خطيرة,لانها ترسخ مبدأ التفرقة والتمييز بين مكونات المجتمع العراقي(عربي شيعي وسني,كردي سني وفيلي شيعي,تركماني سني وشيعي,المسيح والصابئة والشبك والايزيديين, الخ.),

لن تكون قاعدة متينة لبناء دولة المواطن او المواطنة, وكأننا في غابة من المكونات المنفصلة والمعزولة في صناديق جغرافية مشتتة,وهذه تعد في الجانب الحضاري الاخر لبقية دول العالم مكسبا ثريا ,وجزأ حيويا من البناء الاجتماعي الحديث(امريكا-كندا-بريطانيا-فرنسا-استراليا,الخ.),

ومن هنا نرى انعكاس الطموحات الكردية الانفصالية العنيفة اخذت طريقها الى العملية السياسية بقوة بعد عام 2003,حيث قدم العراقيون العرب الشيعة والسنة الكثير من التنازلات بغية ابقاء العراق بلدا موحدا,بعد ان فرضت فقرة غريبة
غير مسبوقة في تاريخ الديمقرطيات والانظمة الحديثة في حملة الاستفتاء على الدستور,هي ان يكون الحق لثلاث محافظات ان تنقض الاستفتاء الشعبي على الدستور,وهي هدية مجزية قدمها الشعب العراقي على مضض الى الاحزاب الكردية النافذة في المحافظات الشمالية,من اجل ان تكون الموفقة على الدستور موافقة طوعية واختيارية ,وبلا شروط مسبقة قد تفرضها المكونات الاخرى,

ولكن ما ان بدأت العملية السياسية وتسلم التحالف الكردستاني مناصبه السيادية في الحكومة الاتحادية,واعطي امتيازات اكبر حتى من امتيازات الاغلبية الجماهيرية للمكون الشيعي,حتى بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني (وبقية الاحزاب القومية المتطرفة) بفتح ابواب المشاكل,بالاتجاه وحيدا منفردا بعيدا عن السياسة الرسمية للحكومة الاتحادية,وفتحت خطوط تأمرية خطيرة مع تركيا العثمانية ,ومع بعض الخونة المتأمرين على العراق من بقايا البعث البائد ,والدواعش العراقيين والاجانب,ثم جاءت مؤامرة الموصل لتكشف للشعب الحقائق وترفع كل الاقنعة السوداء,التي كنا نسميها الشراكة والتوافق الوطني,فتحركت بعض العصابات الكردية الانفصالية لتحاصر الجيش العراقي من الخلف, وتطعنه بالظهر,تاركة مصير العالقين بينهم وبين الارهابيين القادمين من خارج الحدود يمارسون ابشع الجرائم البربرية بحق الجنود المنسحبين من مدينة الموصل,وكذلك ترك القرى التركمانية الشيعية دون حماية ,مع ان قوات البيشمركة القريبة منها تعد بعشرات الالاف ولديها مختلف انواع الاسلحة,والغريب ان داعش لم يخترق مناطق اقليم كردستان,وكأنه على وفاق واتفاق مسبق معهم,او لعلها ترجع لاسباب طائفية قذرة.

نقولها بصراحة والشعب والقانون والقضاء والدستور العراقي يؤيد مانقول كما نعتقد,لانه النهج السياسي الطبيعي ,

لم نتنازل للاقليات في الدستور العراقي,ونمنح منصب رئاسة دولة عربية محورية في الوطن العربي لاول مرة في تاريخ الاقليات في منطقة الشرق الاوسط على الاقل,لمواطن وسياسي كردي منتخب بالتوافق,ونسلم الوزارات السيادية بمافيها وزارة الخارجية بسفاراتها وقناصلها, من اجل ان يخرج علينا السيد البرزاني ببدعة اسمها حق تقرير المصير,وكأننا نعيش في دول الاتحاد السوفيتي او اليوغسلافي السابق,العراق بلد متداخلة جغرافيته ومناطقه ومدنه وقراه,وحياة ارض هذا البلد بمياه دجلة والفرات,فكيف يمكن ان يقبل الشعب بأن نقطع او ان نقسم الحضارة والتاريخ والارض المشتركة المتداخلة بين مكونات الشعب الواحد,

ولعل دروس جمهورية مهاباد الفاشلة عام 1946,والتي قضت عليها اتفاقية الجزائر بين شاه ايران وبعث العراق عام 1975,والتي سلم بموجبه العراق الجانب الثاني لشط العرب الى الجانب الايراني,لم يستفد منها السيد البرزاني وبعص الانفصاليين من الاخوة الاكراد,

بينما نجد ان حنكة وعقلانية وخبرة السيد جلال الطالباني كانت متواجدة حتى بين انصاره وجماهيره,حيث كان يؤكد لجماهيره اكثر من مرة بان الدولة الكردية ستولد ميتة,بحكم موقعها الجغرافي المحاط باربعة اسوار حديدية لايمكن اختراقها(حدود الدول المتاخمة لمناطق المكون الكردي,ايران العراق تركيا سوريا),لكن مانجده على الارض من تشجيع تركي خبيث بعد اكتشاف حقول نفطية جديدة في مناطق الاقليم,نرى بأنه لايختلف كثيرا عن مؤامرة الاستدراج السابقة للسياسيين الكرد نحو اعلان الاستقلال,

وبمجرد ان نوجه سؤال بسيط للسيد البرزاني صاحب شطحات الاستقلال,كيف يمكن لدولتكم ان تعيش بعد الاستقلال,

هل بالاتفاقيات الثنائية المجحفة بحق الشعب العراقي ومواطني الاقليم مع الجانب التركي,
بأن يصبح السلطان الخرف اميرا وسيدا على نفط الاقليم حتى يفتح لكم ابواب ومنافذ العالم الخارجي,ليبقى ملوحا لكم بعصا الاستبداد والتبعية التركية التي ستكون مسلطة على رقابكم في كل مرة,

الدولة الكردية ان كان لها ان تولد فليس بالزحف جنوبا نحو الاراضي العربية العراقية ,وانما بالاندفاع شمالا نحو تركيا وبقية الدول المحاذية لاقليم كردستان,ولا عن طريق اشعال الفتن والاضطرابات والخلافات السياسية والاثنية او العرقية,واستغلال الازمات والاعتداءات الارهابية,انما عبر القنوات الدولية السليمة,

انا شخصيا اتمنى ان تحل قضية الشعب الكردي بعيدا عن ارض العراق,من خلال تبني الدول الاربع (التي تتواجد على اراضيها الاقليات الكردية)مؤتمرا دوليا كبيرا تقوم تلك الدول بالتنازل عن بعض من اراضيها من اجل قيام دولة كردية موحدة,وليس دويلات مشاكسة هنا وهناك,

ومن الطبيعي ان لايكون انعقاد هكذا مؤتمر في مثل تلك الظروف الامنية والارهابية الغير مستقرة في المنطقة قريبا,وانما بعد ان تحقق الاقليات الكردية المتواجدة في بقية الدول المعنية بالشأن الكردي,جزءأ يسيرا من المكاسب التي حصل عليها الاخوة الكرد في العراق,

اما ان يعيش المواطن الكردي بحرية في العراق وينشأ الاقضية والقرى والقصبات لمئات او عشرات السنين,ومن ثم يدعي انها مناطق متنازع عليها ويستولي عليها في جنح ظلام المؤامرة,فهذا امر مرفوض,وخارج عن الروح الوطنية والاخلاقية فضلا عن انه خارج على القانون والنظام والدستور.

العراق ليس بلدا طارئا او حديثا,العراق بلد المكونات والاعراق والثقافات والبيئات الاجتماعية المختلفة,ولم يعرف التاريخ ان شعوبا واقواما معزولة كانت تفصل بين الدولتين الاموية والعباسية في الشام وبغداد,بل كانت حاضرة بقوة كل حلقات التواصل بين كل المكونات الاجتماعية المتأخية والمندمجة مع المكون العربي الاكبر في بلاد مابين النهرين,

تزداد فيه كل هذه الوجودات الاصيلة شرفا وكرامة وعزة بتاريخه وحضارته ووحدته,

ومن لايريد ان يستظل بظل الخير هذا ,عليه ان يختار وطنا اخر,يرحل هو ومشاكله واحلامه الخبيثة المستحيلة التحقق مهما كانت الظروف والاحداث والاثمان….