دعى السيد رئيس الوزراء نوري المالكي قبل أيام قليلة لاستحداث هيئة جديدة تحت مسمى ( هيئة الإبداع )‘ داعياً إلى دعم المبدعين وتبني أفكارهم وتطوير عملهم ورفع قدراتهم نحو خلق أجواء تساعد على التطور والتقدم والازدهار .
لحد الآن والكلام فوق المعقول وكلنا نشد على يد رئيس الوزراء وندعمه ‘ وأنا أول من يؤازر الرجل رغم اختلافي معه وأول من يدعوا له بالتوفيق والسداد والمغفرة من عند الله عز وجل إن كان صادقاً وخالص النية في عمله لوجه الله والعراق وأهله‘ وحيث لا قدرة لي على دعم توجه رئيس الوزراء هذا بأي شي سوى بلساني ومن بعده اضعف الإيمان ‘وأعتقد إن ذلك يكفيه في المرحلة الحالية إن كان صادقاً كما ذكرت.
عملية الإبداع لا تأتي إلا من خطوات يتبعها الإنسان ليكون على أول الطريق ‘ والكثير من المبدعين لم يصلوا إلى بداية هذا الطريق وقضوا على أعتابه دون أن يحصلوا على هذه الصفة (والسالفة طويلة) ‘ والإبداع يحتاج إلى استقرار ومن ثم الهدوء ومن بعدها الاتزان والتركيز ثم الإمكانيات ( المادية والنفسية والاجتماعية )‘ ناهيك عن توفير البيئة المناسبة لهذا الوصف ‘ ومنها بل أهمها البيت الملائم الذي يعيش فيه الشخص الذي يروم أن يحمل صفة الإبداع أو نقول يبدأ الطريق نحو الانخراط في طابور المبدعين.
بداية وقبل أن نخوض في الفكر الذي يوصل إلى عملية الإبداع أو الابتكار أو الفكر الخلاق المبدع ‘ هل تتوفر هذه السبل حالياً في جمهورية السيد أبو إسراء الثانية لحد الآن‘ هذا إذا استثنينا عنصر الأمن والأمان وهو أهم من الحياة نفسها ‘ بالإضافة إلى الأمل في غد مشرق يؤمن للأجيال عيش رغيد هانئ غير مقلق ولا يحمل من الخوف هاجس.
تعالوا نناقش ما جاء من عوامل أعلاه تهيئ سبل الإبداع :
الاستقرار – فهل شهدتم أن هناك عراقي مستقر صغير كان أم كبير سوى السيد بهاء الأعرجي الذي يقول على أحدى الفضائيات انه كان يمارس هواية ركوب (الجتسكي) منذ سنة 1993 ‘ ما يعني أن الرجل مستقر و ( راهي) حسب كلام أهل الخليج يعني (عنده فلوس)‘ أي على رأي (علوو) ( مسيطر ووردة).
الهدوء – وهذه لا أعتقد أن أحد يختلف فيها فقد امتاز العراق بالهدوء التام منذ عقود ولحد الآن.
الاتزان والتركيز – وارى أن كل من شارك في العملية السياسية الحالية متزن ومنضبط ‘ والدليل ( تصريحات الدباغ وقاسم عطا) ‘ ودرجة تركيز الشباب العراقي عالية جدا بضوء تصريحات الأخوين السابقين والحكومة العتيدة حتى لم يعودوا يرغبون في شيء من شدة التركيز.
الإمكانيات ( بمختلف أشكالها وأنواعها ‘ مادية ونفسية واجتماعية )- وهذه لا تعليق عليها ‘ فقد زادت حكومة السيد الجعفري الرواتب ولا حجة لأحد بعد ذلك هذا مادياً ‘ ونفسياً لاتأثير على عقلية المواطن من جراء التعذيب والتفخيخ والقتل والتهجير وكواتم الصوت ‘ (وكل نفس ذائقة الموت) والحمد لله‘ أما اجتماعيا فحدث ولا حرج فقد أرسى الأخوان ماشاء الله بعد مجيئهم مع الإحتلال ومن بعده ( حتى لايزعل علينا أبو إسراء) فقد دخل بعد الإحتلال ولم يأتي مع الجلبي قواعد وأسس السلوك الاجتماعي الرصين ‘ فكان منها أن يقدم أحد نواب الرئيس على سرقة أحد مصارف بغداد ويقتل حراسه ويتستر على المجرمين هذه واحدة‘ والثانية أن نعوض القاتل ومن ذبح أهلنا ونوفر (باتفاقية) الحماية له ‘ ( والأطكع) أن نقرأ سورة الفاتحة على أرواح جيف المحتل في أمريكا ونترحم عليهم‘ لا وبعد أن نهدي( ذو الفقار) إلى يهودي وهو الذي أقام صاحبه به أسس الإسلام‘ طبعاً فلولاهم لما جلس السيد رئيس الوزراء وغيره على كرسي الوزارة وفعلوا مافعلوا‘ أنها منظومة الأخلاق الجديدة.
البيئة المناسبة – وهل بعد هذا الحديث كله أفضل من هذه البيئة.
البيت الملائم – (وشبيها المزابل) التي تأوي شرائح واسعة من مواطني النجف وغيرها ‘ تعرضهم الفضائيات يومياً وكأنهم في بلد أخر غير العراق دون أن يرف للمبدعين جفن جراء ما يعاني الناس‘بداية طريق الإبداع خطوة نحو الله في كل شيء‘ فهل ترعون الله في أعمالكم .
لقد غاب عن السيد رئيس الوزراء في حديثه عن الإبداع وهو يقصد أن يحول الأنظار إلى غير ما تفكر فيه الناس أو أن يغيروا ما يعيشونه من مأساة يومية في ظل جمهوريته المأساوية الثانية ‘ والتي فاقت فيها حدود الفشل كل حدود الأرض واستقر الإبداع العراقي اليوم متربعاً على قوائم الفساد العالمي ‘ بعد إن كان العراق مصدراً مشعاً في الأمة وما حولها صحياً وتعليما وقدرات حتى بات العالم كله ضده ‘ نتيجة أن وصل إلى درجة من الإبداع كرست تعداد العلماء ليحتل الرقم 5000 عالم أو يزيد أو ينقص بقليل وفي مختلف العلوم والفنون‘ وبعد أن جاء عهد الجمهوريات الكونية التي نعيشها اليوم شهد العراق موجة من الإبداع أفرغته من محتواه وفر عنه أهله من العلماء الذين خرجوا من موجة القتل والتصفيات التي قادتها مليشيات السيد رئيس الوزراء وحزبه الإسلامي العتيد ‘ ورفاق دربه في الإبداع من المجالس والهياكل والتكتلات وغيرها ممن وصفهم السيد علاوي ووصف نفسه حين فسر دور الجميع الذين رافقوا المحتل عند دخوله البلاد ومن تبعه بعد ذلك للسيد سليم الإمامي حين سأله عن دورهم بعد احتلال البلد ومساعدتهم للمحتل فأجابه : (نحن لسنا أكثر من كلاب نشم للأمريكان طريق دخولهم )‘ وعلاوي والإمامي حيان يرزقان ليومنا هذا .
ولكي نفسر دعوة السيد رئيس الوزراء القاضية بالإبداع ورعاية المبدعين ‘ والذي كما أعتاد دائماً أن يرمي بالكرة في ملعب البعث ‘ فقد ارجع اختفاء المبدعين من الساحة العراقية بقتلهم وإقصاءهم من قبل نظام البعث السابق ‘ وهذه مغالطة مردودة على أبو إسراء كون الجميع يعلم أن عمليات القتل التي طالت العلماء والأساتذة حدثت في عهد زميله المبدع الشفاف الجعفري ‘ ثم جاء دولته بجمهوريته الأولى والثانية ليستمر بعمليات القتل والإقصاء والتهجير والتشريد والفصل والاجتثاث ‘ وأخرها حملات الاعتقال الأخيرة وإقصاء الأساتذة بحجة البعث والانقلاب‘ حتى خلا الدار من كل ما يمكن أن ينفع الناس‘ وكانت حال العراق كالزبد يذهب جفاء.
لقد أسست جمهورية أبو إسراء الثانية على مبادئ عدة منها: الفساد ‘ القتل ‘ التشريد ‘ الإقصاء‘ المحسوبية‘ المحاصصة ‘ الطائفية ‘ التهميش‘ الاعتقالات‘ وفقد الأمن والأمان في ربوعها كما فقد التخطيط ‘ وكرست صيغ البطالة وانتشرت السجون بشقيها السرية والعلنية ‘ وفاقت مناظر القتل والدم والانتقام على غيرها من مناظر التعليم والاستقرار والتطور‘وهذه كلها طاردة للإبداع وطاردة للمبدعين‘بل طاردة لكل ذي عقل على من سواه.
الإبداع في مغزاه أخيراً ( مخافة الله) وهي رأس الحكمة ‘ وهذه لا أتصور أن أحداً يمتلكها في جمهورية أبو إسراء الثانية ‘ فلا إبداع ولا هيئة ‘ ولا عزاء للمبدعين.