18 ديسمبر، 2024 7:47 م

جمع المتناقضات وخطر الازدواجية

جمع المتناقضات وخطر الازدواجية

تعرف الشخصية الإنسانية منذ بداياتها على انها ” كيان جامع لمتناقضات سايكولوجية وأخرى أيديولوجية يتحكم بها العقل بطريقة متوازنة تكون فيما بعد السمة الخاصة للفرد المعني ”

الباحثون في هذا الموضوع انقسموا ومنذ القدم الى فرق وجماعات عدة تبنى كل منهم فكرة او نظرية بعضها كان إيجابيا فيما يتعلق ” بجمع المتناقضات ” والأخر كان سلبيا بينما تبنى قسم منهم الاعتدال في تفسير هذه الحالة الإنسانية الفريدة .

وحتى لا نكون منحازين الى أي من المدارس التي تبنت تفسيرات مغايرة وبعضها متعصبة أرتأينا ان نأخذ الجانب المنطقي في التعاطي مع موضوع نراه بمنظورنا يحمل بين طياته جوانب مشرقة وفريدة مع وجود جوانب ظلامية تقود صاحبها الى الهلاك المجتمعي في حال لم يتم السيطرة عليها وكبح جماحها بالطريقة التي لا تسمح لها بالسطوة على العقل واساسياته التي تعد منهجا للإنسان المعني .

ووفقا لما تقدم من مقدمة فأننا بصدد الحديث عن جانبين في الشخصية الإنسانية احدهما يمثل الاختلاف في السمات ذاتها أي ظهور سمة ثم تغيرها الى أوجه يناقض احدها الاخر أحيانا ، بينما يمثل الجانب الاخر وجود سمات متناقضة فيما بينها وبشكل تام وحتى نكون واضحين بشكل ادق سنتحدث عن الجانبين كل على حده .

ان التغير الحاصل في السمة ذاتها ناجم في معظم الظروف عن المتغيرات التي ترافق حياة الشخص اي بمعنى ان الظروف المحيطة بالانسان تفرض احيانا معطيات تمهد الى تغير في السمة الاصيلة ما يكسبها طباعا مغايرة لطبيعتها الفطرية وهذه الظروف عادة ما تكون مرافقة لمسيرة الحياة مع تغير المراحل الزمنية ، وحتى نكون واضحين اكثر لا بأس من ضرب امثلة لايصال او ايضاح المعنى ، اي على سبيل المثال ان مرور الشخص بظروف حياتية قاسية قد يضيف صفة من الصلابة الى سمة الطيبة لو كان الشخص طيبا وان العكس صحيح فلو كانت الظروف المحيطة مريحة الى حد ما سيكون الشخص اكثر هدوءا ما من شأنه كسر صلابته الاصيلة ، كما ان تعلق الانسان بشخص اخر او احساسه بقرب شخص منه سيشعره بنوع من انواع التعلق بذلك الانسان وبالتالي فأن سمة القسوة لو كانت هي السائدة ربما ستتغير ظرفيا الى سمة محبة للحياة لينة قابلة للتضحية في سبيل انسان اخر وهكذا ، ولعل الصورة باتت واضحة بهذا الصدد ..

ان التغير في ذات السمة يعتبر من ميزات الانسان التي اعطاها الله تعالى لاعطاء هذا المخلوق مساحة من المقارنة والاختيار بين حالتين متناقضتين تختلفان جذريا وبالتالي اعطاءه فرصة لتغيير السمات السلبية وجعلها افضل وصولا للحالة المثالية التي يريدها الخالق جل وعلا ان يكون عليها العبد .

اما الجانب الاخر من المتناقضات والذي نوهنا عنه فيما تقدم يتعلق بتناقض السمات مع بعضها البعض ، اي بمعنى الايمان بالله والمعصية ، حب الاستقرار مع ممارسة حياة غير مسؤولة ، حب الابناء مع تركهم برعاية الاخرين ، الالتزام الاخلاقي في التعامل المجتمعي وممارسة جوانب تخالف ذلك الالتزام في ذات الوقت الى اخره من المتناقضات المجتمعة في ذات الشخصية والتي تنذر بخطر كبير على الانسان يهدد باستقراره السايكولوجي في مراحل متقدمة وحالة من عدم الاستقرار .

ان اسباب هذه المتناقضات نراها ناجمة عن حالة من الحرمان والكبت النفسي جراء غياب ممارسات مجتمعية يحتاجها الانسان وبالتالي خلق حالة من الصراع بين ما يؤمن به الفرد من اساسيات ومبادئ وبين احتياجات يراها ضرورية وهو محروم منها في الوقت ذاته ، هذا الصراع يكون ملازما لحياته حيث يعيش ذلك الانسان انفصاما محدودا في شخصيته التي تنقسم في هذه الحالة الى شخصيتين احدها اصيلة قائمة على اساسيات العقل المتبناة والاخرى مكتسبة قائمة على تأثيرات دنيوية كانت اقوى من التمسك المبدأي للشخص فأخترقت سماته وباتت مصاحبة لشخصه للاسباب سالفة الذكر .

ان هذا التناقض يختلف عن التناقض الموجود في السمة ذاتها والذي تحدثنا عنه في الجانب التناقضي الاول وبشكل جذري فبقدر ما يمثل النموذج الاول حالة من الايجابية في حياة الانسان وسببا لتطوره ، فأن النموذج الثاني يحمل بين طياته خطورة متناهية تهدد بإنهيار ذلك الشخص وبنيته النفسية ما يمهد في مرحل متقدمة الى فقدان جميع الجوانب الايجابية بسبب سطوة الشخصية الدخيلة وسيطرتها على تصرفاته .

وبإعتبارنا باحثين في الجوانب الانسانية نرى ان الواجب يحتم علينا تحذير الناس من هذا الخطر المحدق الذي يهدد استقرار حياتهم ملخصين في الوقت ذاته سبل مواجهة هذا الخطر بأمرين اساسيين ، الاول هو العمل على ضبط الايقاع الاجتماعي لشخصيتنا اي بمعنى عدم الابتعاد عن الاسس التي نعتبرها رئيسية في تعاملنا الحياتي سواء مع الناس او في العمل او الدراسة او الجوانب الاخلاقية المختلفة ، اما الثاني فيتمثل بمواجهة السمات الدخيلة المناقضة لصفات الذات العليا عند الاحساس بتمكنها منا ، على ان تكون تلك المواجهة مبكرة وقبل ان يصعب علينا لاحقا التعامل مع الموقف ، وهذا يتطلب مراقبة مستمرة لتصرفاتنا واليات تعاملنا المجتمعي في القطاعات المختلفة ، ولعل المعركة التي تحدثنا عنها ما هي الى معركة الذات مع محتل يريد سلبها الى طريق مغاير تماما عن الخط الذي وجدت الانسانية لاجله ..