متأثرا بأوركسترا لندن السمفونية، أوان دراسته (سانتيرس) العلوم العسكرية، في بريطانيا، ما يؤكد رشاقة تفكيره غير المترهل بقساوة العسكر المدججين بسلاح فظ لحاورة الحياة.
جمعة رمضانية مباركة، إنتهزها مناوئو الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، لإسقاطه بقيادة المشير عبد السلام عارف، حاصروا تاريخ الدولة مكانا وزمانا، داخل وزارة الدفاع، في مثل هذا اليوم من شهر رمضان، العام 1963.
فقد كان عازما على إعلان الانتخابات الرئاسة، بعد ايام، ليطرح نفسه مرشحا، او لا.. موطدا علاقة حميمة مع الشعب العراقي، الذي عده أمير الفقراء، ومنقذهم.
أدرك نظراؤه، انه يستحوذ على حب الناخبين، والمنافسة محسومة لصالحه سلفا؛ نتيجة ما قدم من طيبة ووطنية مخلصة وتواضع لله والناس وعلماء الدين والدنيا، بروح حضارية وثابة، من أعراض نتائجها تأسيس الفرقة الوطنية السمفونية، بقرار رسمي صريح، بعد ان كانت توارب دون ذلك، منذ نهاية الاربعينيات.
متأثرا بأوركسترا لندن السمفونية، أوان دراسته (سانتيرس) العلوم العسكرية، في بريطانيا، ما يؤكد رشاقة تفكيره غير المترهل بقساوة الهعسكر المدججين بفظاظة السلاح، في محاورة الحياة.
قاسم دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، من إجماع العراق، على إتخاذه بطلا قوميا.. ورئيسا مدى الحياة، فالمنجزات التي حققها صناعيا وزراعيا وإجتماعيا وعلميا وخدميا وطبيا، تفوق طاقة السنوات الخمس التي تبوأ خلالها رئاسة الوزراء، في ظل مجلس سيادة، ينتظم إيقاع الدولة، وليس ديكتاتورا كما يصف أعداؤه.. إنه رجل من نوع الذي أشارت إليه حكمة الامام الحسن بن علي.. عليهما السلام: “قائل فاعل”.
لذا أحبه الناس؛ لأن الفقراء لا يبغون أكثر من حاكم رحوم! وكانوا سيعيدون إنتخابه.. مرات ومرات حتى لو لم يرشح؛ ما أحبط نظراءه؛ فبادروا للإنقضاض على مقاليد الدولة، يقلبون العربة؛ كي يسقطوا اللجام من يد السائس.
البناؤون الاحرار
أنظم الى تنظيم الضباط الأحرار، حال تأسيسه من قبل رفعت الحاج سري، في غور الاردن، أثناء تواجد الجيش العراقي على الحدود الاسرائيلية، وحكم العراق من خلال إنقلاب 14 تموز 1958، على الملكية، محيلا الدولة، من الشرعية الدستورية، الى الشرعية الثورية.
سماه المقربون منه “الزعيم الاوحد” وإنتشر لقبا تداوله الاعلام، وهلل له الشعب، وإستغله جمال عبد الناصر ضده، ضمن حملته التي خلخلت الدول العربية كافة.
حكم قاسم أربع سنوات وستة أشهر وخمسة عشر يوماً، أعدم بعدها من دون تحقيق، مجرد محكمة صورية عاجلة، نصبت في إستديو الموسيقى، بدار الإذاعة، صباح اليوم التالي على الانقلاب، أي الجمعة 9 شباط 1963، وهو صائم…
قاطع الجنرال العجوز المتقاعد، حينها، أحمد حسن البكر، المحكمة التي لم تستغرق دقائق، بإطلاقة في الرأس، واجهها الزعيم بشجاعة نكلت بقاتليه، متفاجئين بتطفل البكر، الذي يشغل ذيل قائمة الإنقلابيين.
سيرة عسكرية
برغم رهافة إحساسه، وزهده بالسلطة، وإحترامه العلماء ورجال الدين والأدباء والأكاديميين والفنانين، ورعايته العباقرة والفقراء، الا ان قاسما، حكم بصولجان عسكري يشير به الى الآفة، فيجف الزرع ولا تموت، شافعا شفع الانفلات المتسامح، مع أعداء الدولة واعدائه الشخصيين، بتإكائه على فئات تنظيرية معدمة، ليست ذات عمق فاعل أو مؤثر في صيرورة الاحداث.
وفعلا عندما حوصر في وزارة الدفاع، إنبثقت جيوب مبتسرة لفك الحصار عنه، في (الثورة) و(الكاظمية) وئدت بجهد هامشي، قبل ان تتبلور ماثلة الوجود؛ إذ فر البسطاء أمام سرفة الدبابتين العاطلتين اللتين توجهتا الى المدينتين!
وُلد في محلة “المهدية” برصافة بغداد في الدار المرقمة 12-159، يوم 21 تشرين الثاني 1914.الإبن الرابع، بين خمسة أبناء للنجار جاسم محمد البكر من عشيرة (زبيد) وزوجته كيفية من عشيرة تميم، هم ذكران وأنثيين: حامد.. تاجر حبوب وعبداللطيف.. نائب ضابط وأمينة.. زوجة ياسين محمد صالح القيسي.. رئيس كتاب محكمة الكاظمية ونجية.. زوجة إبن عمته اللواء عبد الجبار جواد.
تخرج في الإعدادية.. الفرع الادبي، وعمل معلما العام 1931، وإلتحق بالكلية العسكرية يوم 15 أيلول 1932، وفي العام 1941 تخرج في كلية الأركان.
مقاومة شعبية
بان قربه من الشيوعيين، منذ السنة الأولى من حكمه، وتغيرت الحال في العام 1959، إذ ظهرت للعيان بوادر محاولاته لكبح جماح تياراتهم متسلطين على مراكز القرار، ضاغطين عليه من أجل تبني إجراءات أكثر ماركسيةً؛ فرد على محاولتهم الرامية الى تهميش الحكومة، بالحد من سلطتهم في المناصب الحكومية وقوات الشرطة وسحب السلاح من ميليشيا الحزب التي عرفت بـ (المقاومة الشعبية).