يكفكف زائروا سيد الشهداء عليه السلام دموعهم ويمضون بعد تجديد عهد الاربعين مع المعشوق الى اهليهم واوطانهم وفي قلوبهم فرحة الانجاز بالوصول ،اجزم ان مشاهد مغادرتهم كربلاء صعبة وفور ركوبهم العجلات التي تقلهم يتجلجل الحب وتبدأ دورة الاشتياق بل وتشتعل جذوة الهيام ،تخيلوا المشهد وتفصيلاته فهو مشهد جدير بالتأمل ظاهره الدموع وفي باطنه ما يكشف عن اثر عميق يهز الوجدان .
في زيارة الاربعين لوحات جمال وكمال ، حروف عاجزة عن ايصال المعاني واياد بيضاء خلفها نوايا نقية ودروس متراكمة تحكي قصص اقوام ارتبط سلوكهم بالحسين عليه السلام ، لم يكن ذلك الشاب الذي عبر الحدود حاملا والده الطاعن بالسن بعيدا عن ساحة كربلاء ،وجميل تأثيرها العميق ،فالبر جميل بذاته ومكنوناته ، وصاحب الذكرى الجميل بأوصافه وصفاته هو المقياس فلم نعجب وكل جميل يتشبه الحسين ويتقمص مواقفه .
جمال الاربعين من جمال صاحبها وجميل التخلق بما ضحى من اجله ،وهو دين الله وقيم الخير والصلاح ، قد حقق هذا الفتى الزائر الغاية بطريقة ما ،ربما بتواجده ضمن لوحة الاربعين وتحمله مشقة السفر الطويل مع اب كبير طاعن ،او بقصده القربى وقصد البر وقصد المواساة ومقاصد اخرى محورها القرب والرضا والتمسك والتأسي .
حين نتحدث عن مقاييس الجمال فلابد ان يحضر الحسين عليه السلام بجماله المطلق ، نحاول الاقتراب وادراك الفتح ، حتى بمشهد استشهاده عليه السلام كان جميلا متفانيا فمن يتجرد من الدنيا واغراضها سيمتلك قطعا شجاعة مخاطبة سيوف الاعداء المارقين ” ان لم يستقم دين محمد الا بقتلي فيا سيوف خذيني” خلدت من رجل يذوب في الله ولا يتزحزح بمواقفه ، الجمال هنا هو جمال الموقف ،فقساوة الموت في ظرف كهذا تكشف عظم المغزى كما يكشف نبل الهدف وسموه ان الموت جميل بل مستساغ جدا حين يرتدي ثوب الخلود والابدية ، هو إدراك واع ،واصرار على استكمال الغاية ، ادرك عليه السلام كل ذلك الجمال الموحي بالطهارة الروحية التى ارتفعت بنفسه الزكية من العالم المادة إلى عالم الحقائق الروحية التى تعلو على الحس, مشهد ملهم لمن يدرك ابعاده و يصل الى حقيقته ،هو الشوق الدائم لله والعزوف عن محسوسات زائلة فوحد الجمال ووصل للحقيقة القصوى,اذا كإن الجمال هو الخير فمن الخير يستمد العقل جماله، ومن العقل تستمد النفس جمالها، وفي النوايا جمال أيضا مستمد من نفس مدركة تحول كل ما يدور حولها الى فعل وقصد جميل فكان الحسين جميلا وحدث الاربعين أيات جمال ،وكل عمل حسن نراه خلالها جميل وسندركه بحدود قدرة كل منا على تذوق الجمال ، يقول ذاك الزنيم المتجبر مخاطبا العقيلة زينب عليها السلام
– كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟!
ترد العقيلة بثبات وشجاعة
– مارأيت الا جميلا ..
هولاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ..
هل فهمنا الدرس ؟!
نعم فالله جميل جميل و يحب الجمال ..
احب الله من احب حسينا ..