قراءة في قصائد :
1- شجرة غريبة – للشاعرة : فاطمة محمود سعدالله – تونس .
2- عميق هذا الشتاء – للشاعر : رياض الفتلاوي – العراق .
3- دافئ بالاشواق شتائي – للشاعر : نصيف علي وهيب – العراق .
4- لوحات شتائية – للشاعرة : جميلة مزرعاني – لبنان .
5- صوف – للشاعر : فاضل ضامد – العراق .
6- هواجش شتائية – للشاعر : علاء الدليمي .
7- صقيع – للشاعرة : سمية جمعة – سوريا .
8- الشتاء لا يرحل – للشاعر : بشير مقران – المغرب .
9- دمعة من زجاج – للشاعرة : نجاح المصري زهران – فلسطين .
10- قلب أنصع من ثلج كانون – للشاعرة : سامية خليفة – لبنان .
11- شتاء فوضوي – للشاعرة : احلام البياتي – العراق
12- ذاتُ وَدْقَين – للشاعر : كامل عبدالحسين الكعبي – العراق .
يقول ( كولنز ): أنّ الادب العام يظهر التجريديين التعبيريين بأنهم بدائيون بوهيميون ومهاجرون فائقوا الذكاء هجروا مجتمعا ماديّا لا عاطفيا .
ويقول ( كاتدنسكي ) : من بين جميع الفنون فانّ التجريديّة أصعبها , انها تتطلب أن تكون رسّاماً جيداً وعالي الحساسية والادراك بالالوان والتراكيب , وان تكون شاعراً حقيقياً , والشرط الاخير اساسي .
يخطئ مَنْ يظن بان القصيدة السرديّة التعبيريّة هي عبارة عن قصة أو حكاية شعرية , ويخطئ ايضا مَنْ يظنّ بانّ القصيدة التجريدية هي قصيدة رمزية , أو هي قصيدة هذيانات وتداعيات تنبعث من اللاوعي .
نحن نستخدم اللغة من اجل إيصال معنى معين وواضح ومفهوم الى المتلقي , فهي تعتبر ( اللغة ) أداة توصيلية , ولكننا في القصيدة التجريديّة نقوم بتجريدها من هذه الخاصية , لنقوم بشحنها بزخم شعوري عنيف وأحساس عميق وبطاقات تعبيريّة وعمق فكري والنفوذ في الوعي , ففيها لا نرى الشخوص والأشكال , فنحن لا نرى سوى المشاعر والأحاسيس المنقولة لنا عبر هذه اللغة , أنّها تبتعد كثيرا عن خاصيتها التوصيلية ومنطقيتها , أنّ اللغة هنا تكون أشبه ما يكون بالألوان التي تزيّن وتلوّن اللوحة , المقاطع النصّية هنا عبارة عن كتل شعورية حسّية , فكلما يزداد تجريد اللغة كلّما قلّت التوصيلية فيها , مما يؤدي الى حدوث التجريد التامّ , فتكون المفردة عبارة عن وحدة جمالية شعوريّة حسّية تتخلّى عن خاصية التوصيل المعرفي . التجريديّة هي الشعور العميق والنفوذ الى جوهر الأشياء . في قراءتنا هذه نحن اليوم نقف أمام لوحات تجريديّ, بالغة الجمال ودقيقة التعبير عن موضوع واحد وهو ( الشتاء ) , فكلّ شاعر حالول ان يجعل من قصيدته لوحة زاهية التجريد , جميع هذه القصائد وكما سنرى لاحقاً انبعثت الحاجة في نفس شعرائها الى توصيل معنى خاص بموضع ( الشتاء ) , ولجأ الى ان ينقل الينا هذا الكمّ الهائل من الشعور العنيف والأحاسيس الملونّ’ , فأخذ الشاعر يوزّع هذه الاحاسيس والمشاعر بنسب معينة ومدروسة ضمن نسيجه الشعري , مما يجعل المتلقي يقف أمام لوحة زاهية بهذه المشاعر والاحاسيس . فمثلا في قصيدة / شجرة غريبة – للشاعرة : فاطمة محمود سعدالله – تونس / نجد بأنّ الشاعرة اهتمت بجوهر الاشياء , وابتعدت عن التوصيلية والسطحية أو الحكاية , وقد أصرّت الشاعرة على السعي لتجريد اللغة الى أقصى حدّ ممكن , وبثّ الكثير من الاحاسيس والمشاعر فيها , فهي قصيدة اللامعني ولكنها تحتفظ بالرمزية المبتكرة والتحليق أكثر والعمق والجمالية الفنية , فالمتلقي لا يرى سوى المشاعر ويتلمس الاحاسيس , فالقصيدة عبارة عن قصيدة تعبيريّة تجريديّة تنبعث من أعماق الذات الشاعرة , وتصوّر لنا مشاعرها وأحاسيسها عن طريق مفرداتها , فنقرأ هذا الوهج البديع / الريح مثقلة تبحث عن مستقر , الشجرة العارية حائرة تسال كيف وصلت هنا وحدها . ؟ , اين رفاقها العصافير كانت أوركسترا حضورهم تزودها بالدفء , كم خففت عنها أهازيجها ثقل الوحدة . ! , العصافير جثث مجمدة تثقل صمت المساء وتملأ الاجواء بالصقيع , الوحدة قاسية والغربة أقسى في فصل الشتاء . نجد هنا أغلب المفردات محمّلة زخف شعوري وتجريدية عالية , فهذه القصيدة تنقل لنا ثقل شعوري أحساسي بعيدا عن نقل معنى معين , جميع فقراتها النصيّة تتجه نحو موضوع واحد وهو / الشتاء / , فجعل منها أداة نقل لهذه الشماعر التي تمور في أعماق ذاتها الشاعرة . أن هذه القصيدة ما هي الا عبارة عن لغة المرآيا , تتحدث عن موضوع واحد ولكن بفقرات نصيّة متعددة , فجاءت وكأنّها لوحة فسيفسائية زاهية .
القصيدة :
شجرة غريبة – للشاعرة : فاطمة محمود سعدالله – تونس .
الريح مثقلة بالثلوج تبحث عن مستقر. الشجرة العارية حائرة تسأل كيف وصلت هنا وحدها؟ أين رفاقها العصافير كانت أوركسترا حضورهم تزودها بالدفء والسكينة. كم خففت عنها أهازيجها ثقل الوحدة ! العصافير جثث متجمدة تثقل صمت المساء وتملأ الأجواء بالصقيع. الوحدة قاسية والغربة أقسى في فصل الشتاء. ريح ثلجية تجتاح نسغ الشجر والبشر و حتى عيون الحجر صارت دامعة. تتجمد الابتهالات في الحناجر فلا صوت يرجع صدى الأدعية لا وهج يذيب حنين الأعشاش لساكنيها. النوافذ عارية كما أغصان الشجرة العجوز. الستائر ممزقة ولا توت يستر العظام المرتعدة كما وريقات كانت الريح تعبث بها دون رحمة. ربما تلتقي الفصول وتلغى المسافات فتشرق الشمس من جديد. ربما.
أما قصيدة : عميق هذا الشتاء – للشاعر: رياض الفتلاوي– العراق .
فلقد جاءت منبعثة من أعماق الذات الشاعرة لتجد لها طريقا واحدا فقط وهو أعماق المتلقي , نفذت بعذوبة تستثير مكامن الروح وتبعث فيها نشوة جمالية , تحرّك حواس المتلقي على استقبال هذا العمق الشعوري الذي تزخر فيه , وتعمل على تلبية ذائقة المتلقي في تلمّس مواطن الجمال والابداع , وتجعل العقل يتأمّل هذا العمق , وتحرّك الخيال اللامحدود لديه , فهنا نجد بأنّ الوعي والشعور الحسّي أصبحا يمثلان العين الثالثة لدى المتلقي في قبول أو رفض القصيدة التجريديّة . فالشاعر يقول في قصيدته هذه / عميق هذا الشتاء بقدر أوجاعي حين تنزف في أعماق وحشتي وتسقط جميع الاوراق حتى المعلقة على جدران الامل ريثما تمطر الاحلام ولن تسقط حبات البرد على زجاج الحياة الرمادية ربما الشتاء يزفّ عرساً من مسرحية قديمة ../ , لقد حاول الشاعر هنا ان يترجم انفعالاته النفسية معتمدا على شكل كُتل شعورية حسّية حين ألغى خاصيّة اللغة في توصيل معنى معين وواضح ومفهوم , واعتمد الى تجريد لغته الشعرية من خاصيتها المفهومية , وحالما تحرّرت اللغة من هذه الخاصية المعرفية , نجدها وقد لبست ثوبا جديدا بعدما استبدلها بانظمة حسّية شعوريّة , وتحرّر من نقل اية فكرة واضحة من خلال قصيدته هذه وجنح الى جعل هذه القصيدة إيحائية تداعب مخيلة المتلقي , وتستفزّه , فنحن هنا أمام اللافكرة وعدم الالتزام بالمعنى المتعارف عليه , وانما نحن أمام آفاق وفضاءات شاسعة العمق والمشاعر الملوّنة والتي تتناغم فيما بينها وتتماسك داخل النسيج الشعري المحكم .
القصيدة :
عميق هذا الشتاء – للشاعر: رياض الفتلاوي– العراق .
عميق هذا الشتاء بقدر أوجاعي حين تنزف في أعماق وحشتي وتسقط جميع الأوراق حتى المعلقة على جدران الامل ريثما تمطر الاحلام ولن تسقط حبات البرد على زجاج الحياة الرمادية ربما الشتاء يزف عرسا من مسرحية قديمة كل المصفقين يحملون جواز من بقايا طين سومر وضحكة تملأ النهرين ماء حتى النخيل يعلم بأن الشتاء أحمق لا يعزف موسيقى البراءة لتلك الطفلة التي أحرقت اعواد الكبريت فهل دربك طويل كتلك الحروب الغامضة ام برودة حروفك تكتب التاريخ اسود ام كثلجك الذي يغطي عقول المتخمين ربما تشرق شمسنا الغائبة خلف السحاب ولن يبق بعد ذلك الانتظار هي قناديل الشتاء الدافئة ستحملها يوما كف العدل…..
أما قصيدة : دافئ بالاشواق شتائي – للشاعر : نصيف علي وهيب – العراق .
نجد بأن الشاعر حاول أن يجرّد كلّ شيء حوله عن الواقعية , ويعيد صياغته بطريقة مختلفة عمّا هو متعارف عليه , فهو قد نبذ الموضوع المحدّد المعالم , وحذف هذا الموضوع من قصيدته , لا لشيء سوى تعظيم طاقات المشاعر والاحاسيس المجرّدة , مما جعلها تنبثق بعفوية وعذوبة , فهو يقول / العيون تلملم الوانها , تحتفظ باللون الشفيف من الجبل هناك , ندفة الثلج تحسد لسعة البرد هنا , معنا الليل وفير بالاحلام , والكلمات تتلألأ نجوما , قرة عين الصباح ندى , تهملهُ عيني حباً لقصيدة / , أن الشاعر قد عشق القصيدة السردية التعبيرية , واستطاع تطويع وتجريد لغته هنا , وجعل من كلماتها مجسّات اشعاع تبنعث من خلالها العواطف الجيّاشة وكأنها الوميض الذي يبدد الظلام , فقد استطاع النفوذ الى عمق وجوهر الاشياء بشعور تجريدي , تخلّت قصيدته عن توصيل المعنى المحدد , واعتمدت على الثقل الشعوري والعمق الفكري والنفوذ عميقا الى جوهر الاشياء .
القصيدة :
دافئ بالاشواق شتائي – للشاعر : نصيف علي وهيب – العراق .
العيون تُلملمُ الوانها، تحتفظُ باللونِ الشفيف من الجبلِ هناك، ندفةُ الثلجِ تحسدُ لسعةَ البردِ هنا، معنا الليلُ وفيرٌ بالأحلام، والكلماتٌ تتلألأ نجوما، قرةُ عين الصباح ندى، تهمِلُهُ عيني حباً لقصيدة.
أما في قصيدة : لوحات شتائية – للشاعرة:جميلة مزرعاني – لبنان .
فنحن فعلا نقف على مشارف لوحات تجريديّة أجادت الشاعرة في رسمها بكلماتها من خلال تجريد لغتها عن المعنى , ومنطقيتها , معتمدة على ما تجود به اللغة من ثُقل شعوري واحساسي عميقين , ومن تعبيرية إنبعثت من أعماق ذاتها الشاعرة , ان قصيدتها هذه ما هي الا عبارة عن لوحات مجرّدة من المعنى , وعوالم تضجّ بالجمال والشعور والاحساس , ان هذه العوالم العميقة في ذات الشاعرة قد عصفت عصفاً في تلك العوالم , فألهمتها هذا التجريد الجميل والبوح العميق , أن الشاعرة قد انكفأت على ذاتها البعيدة واستحضرت منها هذا المزيج النقيّ من الخيال الخصب , فحرّكت بذلك وعي المتلقي وشعوره الحسّي . فهاهي تقول في لوحتها – قصيدتها التجريدية هذه / الشتاء مناسك المطر يُحيي ذكرى تقويمه السنوي , في طقوس مذهلة تتأرحج حباله الملاّة تتراخى بوحي الهطول فتحتسيه الثرى بنهم العطش , موج الغمام الحبلى تسير الهوينا بانتظار صاعقة اُسقط حملها الثقيل بردا وسلاما ودائع خير وذخائر بركات / ,وكأن الشاعرة هنا مارست مهنة الرسم , فهي بارعة في ذلك عن طريق الكلمات لا عن طريق الالوان , رسم المشاعر والاحاسيس بعدما امتلكت احساسا فائقا بالكلمات وعمق معانيها , فهي على وعي وادراك بعمقها ( الكلمات ) الشعوري والفكري , مما جعل هذه اللغة تنفذ عميقا في وعي المتلقي , وتبتعد بعيدا جدا عن جفاف اللغة وخوائها المعرفي والشعوري والادراكي .
القصيدة :
لوحات شتائية – للشاعرة : جميلة مزرعاني – لبنان .
الشتاء مناسك المطر يُحيي ذكرى تقويمه السنوي ، في طقوس مذهلة تتأرجح حباله المدلّاة تتراخى بوحي الهطول فتحتسيه الثرى بنهم العطشى ، موج الغمائم الحبلى تسير الهوينا بانتظار صاعقة تُسقط حملها الثقيل بردًا وسلامًا ودائع خير وذخائر بركات ، يا للسعات البرد المتنمّرة تأخذ بثأرها من الأجساد سلاح حادّ يعاند الدّفء يقف حائلًا في وجه مواقد تتأجّج نيرانها تكابد لسعه وئيدًا مضنيًا كيف لا وهي تنذر نفسها لتحرير أحلام الفجر من مخابئ الزمهرير القارس على وقع زغاريد أنّات تتولّد من رحم جمار أنهكها اللهيب وفي الخارج أصداء عواصف كاسرة تعربد على هواها تطيح بالجمال تمارس ضوضاءها لتطحن كبرياء مفاتن الطبيعة ، ناهيك وشاح أبيض يطرّز نصوعه ثوب الدنايا ، يُلبِس القامات الشامخة أردية الطهر والعفاف لتشارك في عرس النقاء ، كم تشبهها القلوب النقية العامرة بالمحبّة وهي باتت تتوق لوردة حمراء حجبها الشتاء عن الظهور على مسرح الحياة ،
اما قصيدة : صوف – للشاعر : فاضل ضامد – العراق .
هنا نجد بأنّ الشاعر كان رسّاناً بارعاً بالكلمات , فهو يمتلك إحساساً فائقاً بهذه الكلمات وبعمق معانيها , وعلى ادراك ووعي بعمقها الشعوري والفكري , فهو يقول / الدفء مكبٌ للظمأ والبرد اشتياقُ للنعاس غفوةٌ واحدةٌ وتصلي أغنية الجحيم . لا سنابل للقطاف غير إبر الثلج والاقدام حافية من الوعود تظنّ أنّها ارتدت أحذية الامل , الصوف خطٌ أحمر على أجسادنا تظاهرت أغنام الساعة ودقّ وقت العواء بعيداً على سفح الثلج ../ , نجد هنا بأنّ هذه التراكيب اللغوية في نسيج الشاعر الشعري تنفذ عميقاً في وعي المتلقي , وتبتعد بعيداً جداً عن جفاء اللغة وخوائها المعرفي والشعوري والادراكي , فقد استطاع الشاعر أن يجسّد بلغته الشعرية هذه العميق البعيد , وينقل الينا الاحاسيس والمشاعر بعدما جرّد لغته من وظيفتها في نقل المعنى , وأعاد صياغتها برؤية جمالية تتجلّى فيها الوان متعددة من المشاعر والاحاسيس .
القصيدة :
صوف – للشاعر : فاضل ضامد – العراق .
الدفءُ مكبٌ للظمأ والبردُ اشتياقٌ للنعاسِ غفوةٌ واحدةٌ وتصلي أغنيةَ الجحيمِ . لا سنابلَ للقطافِ غيّرَ إبرِ الثلجِ والاقدامُ حافيةٌ من الوعودِ تظنُ أنّها ارتدتْ أحذيةَ الأمل، الصوفُ خطٌ أحمر على أجسادنا تظاهرتْ أغنامُ الساعة ودقَ وقتُ العواء بعيداً على سفحِ الثلجِ يصّرُ الذئبُ أنْ يهاجم وأنا أركضُ نحو القيظِ ضاعَ مني مجذافُ العودة البردُ يشتدُ على العظمِ وأنا أوزعُ هزاتِ اللحمِ، لا يتحرك هذا البدن من غيّر دفءٍ شتاؤنا مسمارٌ في الصدر حتى ننزل تحت الصفرِ يسيلُ المقياسُ من رؤوسنا علقماً، الا أننا نصمدُ ونصمدُ حتى يشتدُ بنا الفرج..
أما في قصيدة : هواجش شتائية – للشاعر : علاء الدليمي .
وكما قلنا أنّ ما يميّز الكتابة التجريدية هو تقليلها الأعتماد على توصيلية الكلمات ومنطقيتها , أنّها تعتمد على ثقل الكلمات الشعوري وزخمها الأحساسي وطاقتها التعبيرية , وأنّ اللغة التجريدية تصل الى المتلقي قبل ان تصل اليه المعاني , فيدرك المتلقي النظام الشعوري والأحساسي قبل التوصيلة . فأننا أمام هواجس تبحث عن الدفء في روح قلقة وفؤاد تجمّعت فيه كلّ هذه الهواجس التي كانت غافية عميقاً , فجعل منها مصابيح تضيء العزلة , والمارقون يحاولون سرقة دفء الوطن , فهو يقول / أبحثُ عن شعلة دفء وسط صقيع الوحدة , الطبيعة وحدها تروّض فقد الروح , لن أخلع وقار الفؤاد فما بياض الثلج الا وقار الشتاء , ما أجمل الخطوط حين تجتمع في ساحة الحبّ / .
القصيدة :
هواجش شتائية – للشاعر : علاء الدليمي .
ـ
ابحث عن شعلة دفء وسط صقيع الوحدة، الطبيعة وحدها تروض فقد الروح، لن أخلع وقار الفؤاد فما بياض الثلج إلا وقار الشتاء! ما أجمل الخطوط حين تجتمع في ساحة الحب.
٢ ـ
المدينة غافية بين ظلام الليل قد غادرها الشعراء فما من مصابيح تضيء المسارح، المنصة تشكو العزلة قد تسلقها متشاعر غريب الأطوار جعل الرقص باكورة اعماله!
٣ ـ
لصوص الشتاء تراود المسرح، تطوف بثياب القانون لتنزع أرث الثقافة! لا أحد يسلب الوطن دفئه، الأيام حبلى سـتلد النور فيذوب الثلج.
اما في قصيدة : صقيع – للشاعرة : سمية جمعة – سوريا .
فنحن نستشعر بهذا الصقيع والزخم الشعوري العنيف قبل ان نتلمّس المعنى , حينما جعلت من لغتها الشعرية هذه تتخلّى عن منطقيتها في التوصيلية , وشحنتها بطاقات شعورية , فهي تقول / تهتزّ شجيرات العمر , تلتحف بمعطف الشوق , ثلج الشرايين يشتهي الانعتاق من سجن الوحدة , ينحني النخيل راكعاً للارض , يلامس تربة الروح …/ , فلغة القصيدة هنا تعتمد على نقل الاحساس والشعور , فتتجلّى المشاعر الدفينة والاحساس دون خاصيتها التوصيلية والمحاكاة والمعنى , أن المفردات هنا لا تحكي عن معانٍ , وانما تحكي عن ثقل شعوري وعاطفي واحساسي , انها مفردات ملوّنة بالشعور وليس التوصيل . اننا نستأنس بهذا الكمّ من الاحاسيس والمشاعر رغم انها لا تبوح لنا عن معنى معين , فنجدها قريبة منا لانها تلامس ارواحنا وتبث فيها نشوة جمال نبحث عنها دائما .
القصيدة : صقيع – للشاعرة : سمية جمعة – سوريا .
تهتز شجيرات العمر ، تلتحف بمعطف الشوق، ثلج الشرايين يشتهي الانعتاق من سجن الوحدة، ينحني النخيل راكعا للأرض ،يلامس تربة الروح ،يذوب خجلا من سر يحمله، بوح العصافير تنقله الريح فلا يصل، آهات تشق عباب البحار تخترق ححب الافئدة ، باردة ليالي الشتاء حتى يدثرها دفء الوطن.
أما قصيدة : الشتاء لا يرحل – للشاعر : بشير مقران – المغرب .
لقد ادرك الشاعر في قصيدته هذه الادراك القوي بالبُعد الاحساسي والشعوري للكلمات والمعاني , فأقتنص اللحظة الشعورية العميقة والقوّية , اننا امام فضاءات شاسعة ألغى منها الشاعر صفة التوصيلية وجرّد اللغة أقصى ما يمكن من التجريد , فيقول الشاعر / ساحرك الرماد لأستوقف دفء الحائط المتكئ على مسافة واحدة من شوقي لشمس تتسلل من ذاكرة آخر ربيع , يحيلني هذا الشتاء المتيبّس على عبق قهوة تشظّت على شفاهنا الجائعة وزرقة اقدام قضمها بشراهة برد الطفولة ألوانها لا تشبه الابتسامة بل تميل الى لون المدخنة القابعة في سماء قرية هجرتنا ../ , أنّ الشاعر هنا لايقدم لنا تفسيرات ولا صور معينة واضحة الملامح والاشكال , وانا يبثّ فينا صوراً تجرّدت من كل هذا , صوراً مفرداتها تتشكّل على شكل مشاعر واحاسيس , كُتل شعورية مجرّدة موحية بالدلالات التي تحرّك اعماقنا .
القصيدة : الشتاء لا يرحل – للشاعر : بشير مقران – المغرب .
سأحرك الرماد لأستوقف دفئ الحائط المتكئ على مسافة واحدة من شوقي لشمس تتسلل من ذاكرة آخر ربيع، يحيلني هذا الشتاء المتيبس على عبق قهوة تشظت على شفاهنا الجائعة و زرقة اقدام قضمها بشراهة برد الطفولة ألوانها لا تشبه الابتسامة بل تميل إلى لون المدخنة القابعة في سماء قرية هجرتنا و اختبأت في دموع جيران لم نودعهم ورحلنا على عجل تكابد خطواتنا لألا تموت في حفر طريق لا ينتهي وسماء ذلك الصبح لم تكن فوق رؤوسنا لبسناها عباءات خيوطها من وهم الضباب وغصص تخدش حياء كبريائنا و نحن نلقي آخر النظرات على شتاء قاتل لا يشبه طيبة تلك الأرض البعيدة و الدافئة حد الحرقة.
كلما حل الشتاء ينضج الجرح و يموت ذلك الطفل الذي كنته في ١٩٧٥…
أما قصيدة : دمعة من زجاج – للشاعرة : نجاح المصري زهران – فلسطين .
فلقد قامت اشاعرة هنا على توزيع الاحاسيس والمشاعر في نسيجها الشعوري , وقامت بتجريد الواقع وإعادة صياغته بالمشاعر الحسّية التي تداعب هواجس المتلقي وتثيره , بعيدا عن منطقية الموضوع داخل القصيدة , فالقصيدة لا تولي للموضع أيّ اهتمام بقدر اهتمامها بتحريك المشاعر الدفينة وأستنفارها , فلا صورة واضحة الملامح تنقلها الينا قصيدة الشاعرة , بقدر ما تنقل الينا المشاعر المجرّدة , فهي تقول / لمّ تستلقِ تلك الثياب على السرير فقد كانت ترتجف من لسعات البرد , مبللة حتى النخاع , تجرجر نفسها الى دفء نسي نفسه في حضن نار نزفتها عناكب الثلج لتحرق دم الوعي في كائنات استبدّ بها فزع الشتاء بهذا الليل المسكون بعواصف تنتزع الطريق من سواقي الغيث .. / , اننا امام امواج تتلاطم من المشاعر والاحاسيس , تنقلها الينا القصيدة , وقد خلقت علاقة مباشرة ما بينها وبين المتلقي حين جعلته يعيش اجواءها ويتنفس عبير مشاعرها , قصيدة لم تقدّم تفسير معين لحالة معينة , وانما كتل تتحرّك وتتفاعل فيما بينها من المشاعر والاحاسيس والعوطف .
القصيدة :
دمعة من زجاج – للشاعرة : نجاح المصري زهران – فلسطين .
لم تستلقي تلك الثياب على السرير فقد كانت ترتجف من لسعات البرد ، مبللة حتى النخاع، تجرجر نفسها الى دفء نسي نفسه في حضن نار نزفتها عناكب الثلج لتحرق دم الوعي في كائنات استبد بها فزع الشتاءُ بهذا الليلٌ المسكون بعواصف تتنزع الطريق من سواقي الغيث ،بيوت الحي ّ كوّمة من وجع يتدحرج بأنفاسها برق وأطياف من ضباب، ربما هي صرخات العتمة التي تلوّت على بعد مترات من ذاك الملاك الذي سلم روحه تحت خيمة وانتهى به المطاف دمعة من زجاج وشفتان ذاب عليها قطرات المطر واختفى مع هزيج الصباح .
أما قصيدة : قلب أنصع من ثلج كانون – للشاعرة : سامية خليفة – لبنان .
نرى بوضوح ارتجاف الروح الشفيفة , وهي تبحث عن الدفء في زمن الزمهرير , بعدما عصفت عواصف مشاعر دفينة في أعماقها البعيدة , كرّست الشاعرة قصيدتها لأجل تجلّي المشاعر والعواطف بعيداً عن طرح فكرة معينة أو موضوع تريد الافصاح عنه من خلال القصيدة , خيال جامح سخّرته الشاعرة من أجل تجريد لغتها عن المعنى , لهذا يعتقد الكثير بأنّ القصيدة التجريدية هي قصيدة هذيانات ورموز وطلاسم مغلقة ودون معنى واضح , لكنها ليست كذلك , لأن لغتها تنطلق من العوالم العميقة والشعور العميق , وهذا مهم جدا أن يظهر أثر ذلك في اللغة وتؤثّر في نفس المتلقي , فالشاعرة تقول / تتكورين ياروح مرتجفة , هاكِ الدفء الهارب أمسى على بعد كونٍ أو أكثر من مراميك , تبتعدين عن زمهرير برزت اسنانه يستعيدُّ كي يلوكك فريسة بعدما أعلنت النشرة القطبية تفوقها على كل الاحداث ../ , ان القصيدة هي عبارة عن لوحة ألوانها مشاعر انبعثت من الاعماق ولوّنت نسيجها الشعري بكل هذا التأثير .
القصيدة : قلب أنصع من ثلج كانون – للشاعرة : سامية خليفة – لبنان .
تتكوّرينَ يا روحُ مرتجفةً! هاكِ الدِّفءُ الهاربُ أمسى على بعدِ كونٍ أو أكثرَ من مراميكِ. تبتعدينَ عن زمهريرٍ برزتْ أسنانُه يستعدُّ كي يلوكَكِ فريسةً بعدما أعلنت النشرة القطبية تفوقها على كل الأحداث، تلوذينَ من عواصفَ مجنونةٍ منفوشة الشَّعرِ كساحرةٍ شريرةٍ شمطاءَ تنفثُ الموتَ ومن فيهِها الشّرهِ يسيل رضابُ التهلكة ،عاصفةٌ مدمّرة تقلعُ قماشاتٍ ملقاة على عيدانٍ مهترئة! تقطنينَ جمرةَ الارتقابِ ليكون الارتباكُ لك حضنًا والنجاة استحالة! تشعلينَ موقدَ الخيالِ هل به ستذيبينَ جبالَ الجليدِ؟! أنتِ وحدَكِ العاريةُ والبردُ على أشدِّه تفتحينَ نافذةَ الرَّجاءِ على مصراعيها تتوسّمين الخلاصَ للمشرَّدينَ التائهين في دعاءٍ وقنوتٍ، يا لقلبكِ المُجنّح الأنصَع من ثلجِ كانونَ يجرفُ السّدود يقطع الأصقاع يواسي نجومًا مسجّاةً بين الأخاديدِ وبين الفجاجِ تلامسُ وجوهها أديمَ الأرضِ تسمعُ نبضَ السُّيولِ الجارفةِ، تلتحفُ الأنينَ، أراك تصرخين! إنَّهُ الزمنُ الخاوي الوفاض أعلنَ انتكاساتِه التّترى كل انتكاسةٍ تمسك بيد اختها تتلاصقُ لتشكِّل قطارًا خاليا من العجلاتِ، هنا تحتضرُ البراعمُ بردا كم نادتْ على ظلالِ القصورِ كي تُسعفَها لكن هيهاتِ فالقصور حتى بظلالها لا آذان لها .
اما قصيدة : شتاء فوضوي – للشاعرة : احلام البياتي – العراق .
فأن الشاعرة قد أدركت تلك اللحظة الشعورية العميقة في المفردات , وثقلها الاحساسي وما يؤثّر في نفس المتلقي , فرسمت لنا شتاء فوضويا بمشاعر اندفعت بقوّة من الاعماق ولوّنتها دون ان تطرّح موضوع معين , وأولت كلّ اهتمامها بتجريد لغتها , لا لأجل أيصال معنى معين , وانما لتقل الاحساس والشعور , وجعل هذه المشاعر والاحاسيس تتجلّى بوضوح على حساب قصدية المعنى الواضح , فها هي تقول / في غفلة من الصقيع المتهالك , امتدّ عنق مكور بخرقة طفولية امام نافذة الضباب المليئة بذكريات رمادية معدمة غائرة ناعسة مستلقية , ممتدة حتى وجه المرآة اضاع ملمسه وهو يتعثر بالبخار الخارج من فوهة غصن يرتعد ../ , وهكذا تجلّت جمالية اللغة في لغة تعبيرية تجريدية زاخرة بالجمال .
القصيدة : شتاء فوضوي – للشاعرة : احلام البياتي – العراق .
في غفلة من الصقيع المتهالك، امتد عنق مكور بخرقة طفولية أمام نافذة الضباب المليئة بذكريات رمادية معدمة غائرة ناعسة مستلقية، ممتدة حتى وجه المرآة أضاع ملمسه وهو يتعثر بالبخار الخارج من فوهة غصن يرتعد من غول البياض المطلي والغالق جحور مكشوفة للعراء، وحين سطوع الدفء تتراكض الجزيئات خلف بعضها وتتراقص مبتسمة ضاحكة لتقفز من القمم بانسيابية لتحط في أودية ومجارير محتضنة بشوق طال أمده لتزهر الأرض بالمحبة والنماء.
اما قصيدة : ذاتُ وَدْقَين – للشاعر : كامل عبدالحسين الكعبي – العراق .
نجد هنا لا خصوصية للموضوع المراد طرحه من خلال القصيدة , وانما نحن ندخل الى اعماق نفق تتسارع فيه المشاعر والاحاسيس الملوّنة بثقلها الشعوري , اننا امام لوحة زاهية بالمشاعر بدلا عن الألوان , لقد حاول الشاعرالى الوصول الى تعبيرية المكونات الابداعية في نسيجه الشعري , من خلال ادراكه العميق بجوهر الاشياء , فهو يقول / بجبروته تتجلّد المواقد وينطفئ جمر الحدق يأتي مارقا محمّلا بالصرِ باكورة الفصول , العصافير لزمت أعشاشها غطّت زغاباتها تفيض حنانا ويطوّقها الوجع متى تنقشع سحائب الوجد من عيون الرماد دون ان تنكأ أهداب الشمس ../ , ان القصيدة تنساب بهدوء وتتغلغل في اعماق المتلقي بعدما ابنعثت من اعماق الشاعر .
القصيدة : ذاتُ وَدْقَين – للشاعر : كامل عبدالحسين الكعبي – العراق . .
بجبروتهِ تتجلّدُ المواقدُ وينطفئُ جمرُ الحَدَقِ يأتي مارقاً محمّلاً بالصرِّ باكورةُ الفصولِ ، العصافيرُ لزمتْ أعشاشَها غطّتْ زغاباتِها تفيضُ حناناً ويطوّقها الوجعُ متى تنقشعُ سحائِبُ الوجدِ من عيونِ الرمادِ دونَ أنْ تنكأ أهدابَ الشمسِ ؟ تمحو أخاديدَ التياع النيازك عن خدِّ النهارِ وترشفُ قطراتِ الندى من الشفاهِ الذابلةِ هي الأخرى قدْ تجمّدتْ بصقيعِ المدائن الغاطّةِ بسكونٍ عميقٍ تشكو عطشَ السواقي خلفَ دهاليزِ الضبابِ القاتمةِ قدْ فزّزها حَبّ الغمامِ وأردفَها بندفِ الثلجِ العائمِ في هيولي مداراتِ الاحتضارِ قدْ تلبسُ الأرضُ جلدَ ماعزٍ ويرتدي الأثيرُ معطفَ الليلِ العريانِ تبقى النبضاتُ مختنقةً بكماءَ يعبثُ بها صفيرُ الريحِ يتلجلجُ في الفراغِ ولا يردمُ بحيراتِ الاكتئاب .