بلا شك ان اعضاء هيئة المحكمة الاتحادية هم بشر كباقي البشر يحكمون بما تمليهِ عليهم قناعاتهم و ترجيحاتهم المسندة الى اسس علمية، و الاختلاف بين الفقهاء امر وارد و طبيعي جدا سواء كان الفقه فقه قضاء او شريعة او اجتماع او فلسفة، و كغيرهم من الفقهاء، قد يحصل الاختلاف في وجهات النضر بين اعضاء هيئة المحكمة حيال القضايا الفنية التي تنظر بها المحكمة، لذلك التخوين و الطعن في نزاهة و مصداقية هيئة المحكمة و المستشارين و القضاء بصورة عامة امر غير مقبول لكون قرارات المحكمة تصدر بالتصويت ( بالاتفاق او بالاكثرية) اي ان القرارات تخضع للاختلاف منذ ولادتها (داخل هيئة المحكمة) ما يعزز فكرة ان الاختلاف في استنباط بعض التفاسير الدستورية يخض لوجهات نظر مختلفة بِدءاً من هيئة المحكمة نفسها ثم المختصين و النخب.
اليوم صدر قرار المحكمة الدستورية العليا حول الإستفسار الذي تقدم به رئيس الجمهورية برهم صالح حول تفسير المادة ٧٠ من الدستور العراقي، و كان مضمون القرار هو اعتماد نصاب الثلثين لإنعقاد الجلسة و لفوز مرشح الرئاسة من الجولة الاولى (وفقا للمادة ٧٠/اولاً من الدستور)، و يبدو ان المحكمة الاتحادية بتفسيرها هذا اعتمت على الراي القائل ان اعتماد نصف+١ كنصاب لجلسة انتخاب الرئيس وفق المادة ٧٠/اولاً يعتبر غير منطقي لان شرط فوز الرئيس في الجولة الاولى يحتاج لحصول احد المرشحين على اصوات ثلثي أعضاء المجلس، فإذا لم يحصل نصاب الثلثين فإن المضي بإجراءات الجولة الاولى لإنتخابات رئيس الجمهورية يعتبر غير مجدي ابتداءاً، لذلك صدر القرار بضرورة حضور ثلثي أعضاء المجلس لعقد الجلسة و المضي بإجراءات التصويت.
لكن هنالك امر اود ان اضعه امام القارئ الكريم ، اذ ان انعقاد الجلسة سواء كان بالأغلبية المطلقة او باغلبية الثلثين لا يعني استمرار النصاب طيلة فترة انعقاد الجلسة، فلو فرضنا اعتماد ثلثي أعضاء المجلس كنصاب لانعقاد الجلسة ، ففي الحقيقة هذا النصاب لا يمكن ضبطه خلال فترة سير الجلسة و حتى خلال فترة المضي بإجراءات التصويت لمرشحي الرئاسة، ففي الواقع كثير من النواب قد يتسربون اثناء انعقاد الجلسة اي بعد اخذ النصاب و بالنتيجة قد لا يكون هنالك ٢٢٠ نائب حاضر خلال فترة التصويت و هكذا المراد من تحقق شرط الثلثين للمضي بإجراءات الجولة الاولى في المادة ٧٠/اولا قد لا يتحقق، ايضاً، قد يرتفع عدد الحضور النيابي الى اكثر من ثلثي أعضاء المجلس في حال قرر نواب اخرين الالتحاق بالجلسة، و الامر ذاته قد يحصل اذا اعتمدنا الاغلبية المطلقة (النصف+١) كنصاب لبدء الجلسة ، أيضا قد يرتفع عدد الحضور النيابي الى الثلثين بعد عقد الجلسة و قد ينخفض ايضا الى دون النصاب، و بالنتيجة، منطقياً لا تأثير للنصاب على تحقق شرط انتخاب الرئيس من الجولة الاولى و هو الثلثين.
من جهة اخرى، ان المادة ٢٥ من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على “يعد وجود النصاب لازما عند التصويت ولا يشترط لصحة استمرار الاجتماع” اي ان من الممكن عقد جلسة انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة لكن البدء بإجراءات التصويت لمرشحي الرئاسة قد يحتاج الى التحقق من نصاب الجلسة.