18 ديسمبر، 2024 10:01 م

جغرافية الزمن وإدارة الفشل: الانسداد السياسي واخطاء التأسيس !!

جغرافية الزمن وإدارة الفشل: الانسداد السياسي واخطاء التأسيس !!

منذ سنوات تناقش اطروحة الدولة الحضارية الحديثة في العراق في مختلف وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وظهرت خلالها الكثير من التشخيص لما وصفه الأستاذ محمد عبد الجبار الشبوط بعبارة ” أخطاء التأسيس” السؤال المركزي في العملية السياسية هل امراء عوائل مفاسد المحاصصة يتفقون على منهج دستوري لعراق واحد وطن الجميع ام لا ؟؟
عراق واحد ام لا ؟
ما يلاحظ اليوم من إشكاليات منهجية في عمل الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية انما يؤكد بما لا يقبل مجالا للشك ان عراق ما بعد 2003 لم يكن البديل المنتظر والمناسب لتجاوز مرحلة وصفت بالدكتاتورية والحروب العبثية ، بل ان الكثير من المقارنات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي او عبر نشر مختلف المقالات والتحليلات لم تتجاوز الحالة الشعبوية لتحديد الجهات التي سببت هذا الانسداد السياسي، هل ثمة خجل اعلامي من الاعتراف بالأخطاء امام الشعب ام ان ما ظهر من اعترافات موثقة تلفازيا لشخصيات قيادية تعترف بالفشل سرعان ما تم تجاوزها خلال دورة الراي العام الانتخابية لإعادة صناعة الأخطاء ذاتها في مفاسد المحاصصة ..؟؟
الزمن والمستقبل
نعم ، الإجابة الواضحة على هذا السؤال تمثل الاختلاف الفاضح في جغرافية الزمن ما بين إدارة مفاسد المحاصصة التي انتجت الانسداد السياسي وما يتجسد في سلوك حزبي متعدد الأطراف ما زال يعتمد جاهلية إدارة الفشل عبر واليات تتعامل مع إدارة السلطة مجرد ممتلكات شخصية لعوائل أحزاب هذه المفاسد، حتى بات الحديث المتكرر عن الإصلاح بوابه لفضائح متبادلة، مرة عن من ذاك الذي وافق على تخفيض قيمة الدينار العراقي وسط أمواج اتهامات متضاربة من دون قدرة أي طرف من هذه الأطراف المطالبة بالكشف عن محاضر اجتماعات القاعة الدستورية لرؤساء الكتل البرلمانية ومن ثم محاضر اجتماعات اللجنة المالية في قصر الضيافة الحكومي مع وزير المالية وفريقه الاقتصادي !!
كذلك تتجسد الاجابة في تغانم السلطة بدلا من بناء الدولة، وكلما يجري الحديث عن الإصلاح ما زال يتعثر في الالتزامات المطلوب من الأحزاب العراقية لتصحيح مسارات منهجها السياسي، فالأمر ليس مجرد كلمات تطلق كسهام بلا اهداف عدا تضليل الراي العام، ومن يعترف بالفشل عليه اعلان تقاعده الحزبي والخروج من العملية السياسية برمتها.
ما بعد سايكس بيكو
أي مراجعة بسيطة للأدبيات السياسية التي صدرت عن هذه الأحزاب تجدها تعتبر عراق ما بعد سايكس – بيكو “خطيئة تاريخية ” وان حقوق المكونات عاشت مظلومية متعددة الاتجاهات، فالكرد أساس هذا التفكير لعدم وضوح منهج الشراكة المطلوب العمل به في دولة اتحادية، واي متابعة متواضعة لمواقع التواصل الاجتماعي وحصر التعليقات عن قرار المحكمة الاتحادية الأخيرعن حق كل العراقيين بثروة النفط والغاز تؤكد بما لا يقبل الشك وجود هذا التباين في الفهم المنهجي لتفكير هذه الاحزاب وجمهورها حول اليات تداول السلطة ، فحين تدور العجلة البرلمانية كل أربعة سنوات لتشكيل حكومة جديدة تبدأ نقطة الصفر في العلاقات بين ” المنتصرين” في السجال الانتخابي والوصول الى مقاعد مجلس النواب ولا يتمكن مجلس النواب من الاتيان بتلك الحلول لتطبيقات مفهوم الشراكة الفيدرالية كما اتفقت عليه هذه الأحزاب وقت المعارضة برعاية إقليمية ودولية وهكذا تم دفع صخرة الاختلافات نحو الامام طيلة حوالي عقدين لم يكن الخاسر الوحيد فيها غير المواطن الذي افتقد لكل مقومات المعيشة الكريمة حسب منطوق الدستور لاحترام حقوق الانسان ، فيما الكثير من مفكري هذه الأحزاب يبشر بعراق جديد ومنهج الإصلاح !!
اتفاقات ولكن؟
الامر الثاني في الإجابة على السؤال، متغيرات المواقف فما يتفق عليه مثلا في اجتماعات صلاح الدين عام 2010 لتشكيل الحكومة الثانية ما بعد قرار المحكمة الاتحادية عن الكتلة الأكبر التي تكلف بتشكيل الحكومة، عاد اليوم بوجه اخر في قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة عن الأغلبية السياسية في انتخاب رئيس الجمهورية وبطلان قانون النفط والغاز لإقليم كردستان ، وربما هناك من يحاول ان يتقدم للمحكمة الاتحادية عن ثنائية التمجيد بالسلالة العائلية كما فعل وزير المالية الدكتور علي علاوي في رده على طلب الاستدعاء وهو خطاب لا يتعدى من وجهة نظر البعض اكثر من كونه رد على سجال في فصل عشائري منه الى الرد المؤسساتي ، مقابل نموذج تحويل التغريدات الى حالة لإدارة الدولة من خلال الأغلبية المتوفرة في مجلس النواب والتي لم يتضح حتى الان اذا كانت ستشكل حكومة الأغلبية الوطنية ام لا.
التيه الحزبي
هذا التيه الحزبي لعدم فهم جغرافية الزمن وتكرار انمذجة إدارة الفشل بإعادة انتاج ذات النموذج من استبداد مجموعة عوائل على مفاسد المحاصصة … ما بين هذا وذاك تصاعد وتائر تجهيل الشعب من خلال حجب المعلومة الصحيحة ، وظهور شخصيات محسوبة على هذه العائلة او تلك في قنوات فضائية انتقلت من مهنية العمل الإعلامي الى فضائحية الاعلام الأصفر فبدلا من اخبار المشاهير من متاهات الكواليس التي كان الجمهور ينتظرها في ستينات القرن الماضي ، بات اليوم في كل دقيقة امام نموذج متجدد من الفضائحية الحزبية ،كل حزب يتهم الاخر بانه ضد الدستور، او ضد مصالح الشعب ناهيك عن تلك المصطلحات التي باتت مادة ممتعة لبرامج ذات اهداف واضحة فقط لتضليل الجمهور واثارة غرائز وعيه الطائفي او المناطقي وليس اثارة الإجابات على تساؤلات مهمة عن عدم شفافية إجراءات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الكشف عن كافة الملفات التي يجرى الحديث عنها مثل نهب ريع النفط عر بنوك مرتبطة ببنوك عربية او تلك الجهات المستفيدة من مزاد العملة ، فالإفصاح الفضائحي يتوقف عند حدود معينة من دون الكشف الكامل عن المعلومة الصحيحة بعد غياب شبه كامل لأجهزة الحكومة وهيئاتها المستقلة سواء هيئة الاعلام والاتصالات او الهيئات الرقابية، لان الصحفي المهني يبقى يبحث عن تلك المعلومة الرسمية من مصادرها، ومكاتب الناطقين باسم الوزارات بمختلف الاختصاصات ليس عندهم غير التبرير فيما المطلوب ان يتم الكشف عن جميع معلومات هذا السجال الدائر اليوم من اجل حقيقية لا يتطرق لها أي طرف من الأطراف تلك هي حقيقة جغرافية الزمن العراقي الى اين يتجه ؟؟
سبق وان سالت شخصية قيادية في تيار سياسي قبل الانتخابات الأخيرة الى اين يتجه العراق … أجاب الحقيقة لا اعرف ننتظر نتائج الانتخابات ونرى !!
سيناريوهات بلا حلول
هكذا هو حال امراء عوائل أحزاب استبداد مفاسد المحاصصة اهدرت الأهم بل الأكثر أهمية المتجسد في الزمن من عمر العراقيين والاجيال المقبلة ، هذا الهدر السلبي الذي جعل العراق يتراجع في اغلب معدلات المعايير الدولية في مقايس التنمية المستدامة مثل الفقر والامية والبطالة وانتشار الأوبئة وتصاعد معدلات التضخم ما دامت عوائلهم تعيش في مختلف دول العالم لا تعلم أي شيء عن عراق اليوم ، هذا النوع من ازدواجية الولاء الوطني، تعيد إدارة الفشل الى أخطاء التأسيس الدستورية وتقف عند نقطة الصفر لإعادة انتاج العملية السياسية باي نموذج مقل في سيناريوهات باتت معرفة اما المضي نحو حكومة توافقية بعنوان الأغلبية الوطنية ، او العودة الى تدوير تغانم السلطة لإرضاء جميع عوائل استبداد مفاسد المحاصصة وذهاب المعترض الى معارضة برلمانية او انتظار نيسان 2023 وانتهاء المعاهدات الدولية التي أسست العراق لعل وعسى ينتج نموذج جديد لعراق غير عراق اليوم بحدوده الجغرافية المعروفة ،وان كنت مع الراي القائل ان تغيير حدود العراق السيادية غير مقبول دوليا وحتى إقليميا ، الا ان ما يمكن ان يحصل ثبوت رؤية النفوذ الإقليمي والدولي على عراق له حدود سيادية ولكن بلا سيادة لحكومة منتخبة شكلا مرفوضة واقعيا عبر توزيع الثروة والسلطة على وكلاء لقوى إقليمية ودولية بشكل علني بلا مواربة لفظية ، عندها سيكون هذا النفوذ الأجنبي في عراق الغد المنظور الضمانة الحقيقية لعدم وقوع البلد في حرب أهلية ، فكل عائلة من عوائل استبداد مفاسد المحاصصة سيكون لها حصتها من كعكة الثروة والسلطة في نموذج اقرب الى لبنان اليوم او الصومال ، اما من يحمل لواء الإصلاح فعليه ان ينظر ليس الى الشرقية او الغربية فقط بل الى الجهات الأربع والاجابة على السؤال المركزي هل القوى المستبدة على المشهد السياسي من الفاو حتى زاخو ومن مندلي حتى الرطبة …. توافق على عراق واحد وطن الجميع ام لا ؟؟؟ يبقى من القول لله في خلقه شؤون !!