تسود هذه الأيام حملة نوعية من حملات التسقيط المتبادلة ما بين نواب في قائمتي دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي، رئيس وزراء حكومة «الشراكة الوطنية»، والقائمة العراقية التي حملت في مشروعها الانتخابي اسم العراق الجديد العلماني الديموقراطية، فأضحى الخلاف السياسي أكبر من كلا التسميتين، وانتهى الأمر الى التغامز بالألقاب الفسوق، ولكن بوتائر متصاعدة تكشف بان من انتخبهم اهل العراق ليسوا بأكثر من مجرد متسكعين على أبواب مقاهي اوروبا الشرقية او العواصم العراقية وهم ينتظرون أموال المخابرات تدفع لهم حتى يشتموا العراق من تحت ذقن النظام البائد، ولعلي هنا أتذكر تصريحات مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية، حين اعتبرت في تصريحات لها أمام الكثير من يتبوأون اليوم مناصب رفيعة، بأن مقتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب العقوبات الدولية ثمن مقبول لبقاء صدام حسين في عرشه!!.
وارتفعت عقيرة من يمارس ذات الأفعال الشنيعة من تبادل الاتهامات غير مبال بعشرات الضحايا الذين تسفك دماؤهم على محراب هذه الخلافات من جمهور ناخبيهم، حتى استخدم النجيفي بعقلية الإقطاعي الذي يحكم أرضه، مفردة «جعير» لوصف تصريحات نواب دولة القانون التي وصفته بأقذع الأوصاف على خلفية مطالبته من على منبر قناة «الجزيرة» الإعلامي لزعيم دولة القانون ورئيس الحكومة نوري المالكي بتقديم استقالته، حتى انبرى له من وصفهم بيان آخر ولكن هذه المرة من القائمة العراقية لنقد تصريحات من وصفهم بـ«السن المالكي» من نواب دولة القانون.
المشكلة البنيوية في كل ما تقدم، ان أغلب قيادات العراق الجديد مازالت تعامل بعقلية المعارضة واجتماع لندن لقياداتها عام 2002 الذي أرادت منه الإدارة الأمريكية نوعا من توحيد مواقفهم باتجاه تصعيد إعلامي لتوظيفهم في إسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس وسط بغداد، حتى ظهر وفقاً لتصريحات أمريكية أيضاً ألف صدام وصدام، كل منهم يتعامل مع الآخرين بعقلية الإقصاء والتهميش وفقاً لنظرية الأبيض والأسود، وبهذا صح تحليل المفكر العراقي والنائب الحالي حسن العلوي حين انتظر الشعب العراقي «فرسان المعارضة» بأخلاقهم المتحضرة، للخلاص من ظلامة صدام حسين ونظامه فإذا هم أشد منه وطأة عليهم.
والقول إن الديموقراطية العراقية الناشئة في عراق اليوم افضل من دكتاتورية صدام فيه الكثير من الصحة نظريا، لكنه الكثير من الافتراء «الديموقراطي» عملياً، لأن الثقافة السائدة في التعامل اليومي المباشر، تؤكد تعامل الشعب كطبقات مذهبية او طائفية، فالأكراد لهم المقدمة في اقليمهم، والعربي يدخل لأراضيه وكأنه قادم من دولة اخرى، والشيعي لا يمكنه المشاركة في مناقصة تطرح في الأنبار، والعكس صحيح، وهذا التباين المناطقي في الموارد الاقتصادية، حول الأزمة برمتها الى العاصمة بغداد، وحينما تشتد الأزمات السياسية يتفاعل الواقع الأمني معها وتوظف القاعدة وتنظيماتها الأخطبوطية هذه الخلافات لقتل العراقيين، فيما يتمسك الساسة على عروش مقاعد مجلس النواب بهذه اللعبة السمجة لتبادل الاتهامات من دون اي حلول واقعية لها.
مشكلة هذا الهبوط في التعامل المؤدب بين الفرقاء العراقيين، تؤكد صحة الاستنتاج بأن من يوافق على بيع ذمته للغير مقابل دراهم معدودة في زمن غربة المعارضة، فإنه اليوم لن يقدر على الاتيان بأخلاقيات الفرسان الذين انتظرهم العراقيون طويلاً.. مما يجبر الكثير منهم على المقارنة ما بين خطب صدام حسين الرنانة التي كانت تتسيد وسائل الإعلام من دون منازع، في وقت تسود فيه اليوم هذه الألفاظ السمجة التي لا تدلل على اي وعي سياسي بضرورة الانتقال من خانة المعارضة الى موقع رجال دولة.