23 ديسمبر، 2024 2:35 ص

جشعهم دمر بلدانهم … العراق وسوريا شاهداً

جشعهم دمر بلدانهم … العراق وسوريا شاهداً

مع كل ما يملكه حكام ورؤساء وسلاطين الدول العربية والإسلامية من أموال وأرصدة ومقتنيات ثمينة هذا بالإضافة إلى الجاه والمنصب والمكانة والواجهة الإعلامية إلا أن ذلك كله لم يقف حائلاً دون جشعهم أو ملاء أفواههم المفتوحة دائماً لكسب الأموال بأي طريقة كانت سواء بقهر الشعوب والهيمنة على ثروات الأوطان أو من خلال الولاء لدول أخرى أو من خلال عمليات السلب والنهب المنظمة وغير المنظمة من خلال الفساد الإداري أو من خلال حركات أو منظمات غير رسمية لها ارتباط بالحكام تقوم بما يريد تحت عنوان عصابات خارجة عن القانون أو ما شابه ذلك حتى يكون هو بصورة بعيدة عن الشبهة المهم بالأمر هو أن يحصل الحاكم على الأموال, وبالتالي تكون النتيجة هي تدمير بلدانهم وخرابها وتعرضها للغزو والاحتلال الصريح أو المبطن بسبب ما يصيب تلك البلدان من حالة فوضى وهرج ومرج .
ومن شواهد ذلك الأمر هو ظهور تنظيم داعش الإرهابي, فمن المعلوم إن من ضمن الأسباب الرئيسية لوجود هذا التنظيم الإرهابي هو الفساد والإفساد والظلم والإجرام لدى الحكام وسوء تخطيطهم وسقم العلاج لديهم, فعوضاً من أن يسد الحكام رمق شعبه فإنه يقوم بتجويعه مع ممارسة الظلم والاضطهاد بحق أبناء بلده, وبالتالي تكون هناك فوضى تصل لمرحلة حمل السلاح والثورة وبالتالي تدخل هذه الدولة الاستعمارية أو تلك الدولة الإستكبارية لاحتلال هذا البلد تحت عنوان مكافحة الإرهاب, فتقع المصيبة الكبرى ويكون الخراب أكبر وأكثر والسبب بذلك هو الجشع والطمع لدى الحكام.
وهذا ليس بأمر جديد بل له جذور قديمة وهناك العديد من الشواهد عليه ومن أوضحها هو جشع حكام ومماليك الدولة الإسلامية في العصر العباسي المتأخر الذي أدى إلى سقوط بغداد وتعرضها لغزو المغول, حيث يذكر ابن الأثير في كتابه ” الكامل في التاريخ ” ج 10 ص 336 السبب الحقيقي الذي دفع بالمغول لغزو الدولة الإسلامية وإسقاط عاصمتها بغداد حيث يقول ((ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَة” 617هـ” [ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا فَعَلُوهُ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ نَوْعٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكِ، وَمَسَاكِنُهُمْ جِبَالُ طَمْغَاجَ مِنْ نَحْوِ الصِّينِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ, وَكَانَ السَّبَبُ فِي ظُهُورِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمْ، وَيُسَمَّى بِجِنْكِزْخَانْ، كَانَ قَدْ فَارَقَ بِلَادَهُ وَسَارَ إِلَى نَوَاحِي تُرْكِسْتَانَ، وَسَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ التُّجَّارِ وَالْأَتْرَاكِ، وَمَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النُّقْرَةِ(النُّقْرَةُ: سبيكة الذهب او الفضة، القطعة المذابةُ من الذَّهب أَو الفِضَّة) وَالْقُنْدُزِ وَغَيْرِهِمَا، إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى لِيَشْتَرُوا لَهُ ثِيَابًا لِلْكُسْوَةِ، فَوَصَلُوا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ بِلَادِ التُّرْكِ تُسَمَّى أَوَتُرَارَ، وَهِيَ آخِرُ وِلَايَةِ خُوَارَزْم شَاهْ، وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ هُنَاكَ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنَ التَّتَرِ أَرْسَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهُ يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِمْ وَيَذْكُرُ لَهُ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خُوَارَزْم شَاهْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَإِنْفَاذِهِ إِلَيْهِ، فَقَتْلَهُمْ، وَسَيَّرَ مَا مَعَهُمْ، وَكَانَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ فَرَّقَهُ عَلَى تُجَّارِ بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْدَ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ . ))…
وهنا نقتبس تعليقاً لأبرع محقق في التاريخ في عصرنا هذا حول تلك الحادثة :-
” لاحظ كم المسافة وذهب إليهم يتحرش بهم ويسلب منهم، ليس من أجل الإسلام وإنما من أجل السلب والنهب !!!.. لاحظ: غدر وسلب ونهب وقتل، هذه هي أخلاق التوحش والإجرام!! والله العالم بحجم الكوارث التي وقعت على الإسلام والمسلمين وبلدانهم بسبب هذه الغدرة الشنيعة !!” …
فهذا هو منهج الحكام والسلاطين والمماليك والأمراء والخلفاء الذين لا هم لهم سوا إشباع رغباتهم ونزواتهم وملئ جيوبهم وكروشهم فتكون النتيجة هي خراب البلاد وقتل العباد وهتك الحرمات والمقدسات وامتهان الكرامات وتدمير الإنسانية على يد الغزاة والمحتلين وبأبشع الصور وسبب ذلك كله هو جشع وطمع الحكام والسلاطين في كل وقت وعصر وزمان ومن الأدلة الحية على ذلك العراق وسوريا .