23 ديسمبر، 2024 8:45 ص

واقفا، امام باب بيتي القصديري في القطع الأول من الليل، متآملاَ نجوم الله في السماء المعتمة، عندما سمعت أصوات غريبة لم تآلفها مسامعي. تملكني الاندهاش والخوف معا. كان بيتي واحد من مجموعة من بيوت الصفيح التى تحيط بها، بساتين النخيل، من جميع الجهات. يطل قسم من هذه البيوت على نهر عريض كما هو الحال لباب بيتي الذي ينفتح بمسافة مترين أو أقل أو أكثر قليلا، على كتف النهر. قاع النهر عميق جدا. حين نظرت في العتمة إليه، لم أر المياه فيه. هناك على مقربة مني جسر خشبي، يربط الضفتين.الذي زاد من دهشتي، صوت أخر، يبث من أعماق النهر ويصعد غريباً وموحشاً الى زنديه. قلت لنفسي ربما هو لأنسان، يغرق في مياه النهر أو ربما فقد بوصلة الطريق في العتمة التى تهيمن على النهر وضفتيه وهو على ظهر زورق نهري،ينادي في الظلام، بصوت غريب النبر، عل، هناك، على كتفيَ النهر، من يسمعه ويدله على درب النجاة في قعر نهر،عميق الغور. كنت رغم الظلمة، أبصر وراء كتف النهر في الضفة المقابلة،غابة النخيل التى بدت لي ككتلة من العتمة السامقة، تعانق سماء تضيئها مصابيح الله. هناك بين فجوات النخيل، تتبارق مصابيح أنارة كبيرة، تضيء القصور الفخمة في قلب الغابة. تعرفت عليها من وهج الانوار الساطعة التى تنيرها رغم دمس الليل. أزدادت الاصوات قربا مني، كانت نبرة الاصوات حادة وعنيفة. قلت لنفسي ربما هي أصوات بشر في حالة خلاف او أي شيء من هذا القبيل. وصلوا الى حافة النهر، قادمين من وسط الغابة، من القصور الفخمة كما رأيتهم من تحت أنوار القصور. تجمعوا عند رأس الجسر الخشبي، كانوا مجاميع، أخذوا يتدافعون، كل مجموعة تدفع الاخرى كي تزيحها عن الجسر الخشبي، ليتسنى لها العبور قبل الاخرى، لتصل الى بساتين النخيل قبل غيرها،للإ ستحواذ عليها أو على القسم الاكبر منها. تعالت اصواتهم عندما بدأوا العراك بالكلام والتهديدات، من أجل حيازة ممر الجسر كله، حتى يعبروا أولا، قبل غيرهم من المجاميع الاخرى، ويسيطروا عليه لاحقا. استمرت معركة الجسربلا توقف، حتى تعالت اصواتهم، اشد عنفا وحدة من تللك التى سمعتها قبل حين. الصوت المبثوث من اعماق النهر، توقف تماما، مما اثار استغرابي: اين ذهب صاحب الصوت؟ في اللحظة التى سألتني فيها،رأيت تمساح كبير، تمساح عملاق، حتى أن فمه المفتوح على سعته، وهي سعة مكنته أن يضع أحد فكيه على جرف ويضع الفك الاخر على الجرف الثاني، ووراءه عدد غير محدود من تماسيح أصغر كثيرا منه، لكن اشداقها مع ذلك،على الضفتين. الذي أدخل رعب التوجس في نفسي والذي جعلني ارتجف ألما وأنتظارا لما سوف يقوم به التمساح وجماعته من التماسيح الصغار؛ التمساح العملاق، ظل يراقب معركة الأقوال التى تواصلت بين المجاميع. لم يطل بي الانتظار فقد سمعت صوتا، صارخا ومرعبا. من أين هذا الصراخ؟ هل من المعقول أن هذا التمساح هو صاحب هذا الصوت الصارخ في الارجاء: توقفوا، قسموا الجسر الى عدة مسارات، على قدر عددكم..فززتني أصوات أنفجارات.. عندما فركت عيوني من ثقل النوم ورهبة الحلم، نظرت الى التلفاز الذي كان يبث فلما تسجيليا عن الغزو الامريكي للعراق..كنت قد فتحته على أخر ما فيه من صوت، لمتابعة الأخبار على قناة (الحرة). لكن النوم أخذني وتركته مفتوحا..مددت يدي وأنا جالساً على الكرسي المتهريء، لأطفيء التلفاز الذي يبعد عني بمسافة أقل من متر..