23 ديسمبر، 2024 12:50 م

جسر الرصافة.. وقيود بيد الشمس

جسر الرصافة.. وقيود بيد الشمس

صلاة متواصلة منذ بزوغ الفجر وحتى حلول الظلام, العبد الساجد لربه لا يميز بين الليل والنهار, فهو يعرف مواعيد الصلاة من خلال أصوات السجانين, و يفطر على أصواتهم أيضا لأنه صائم, ثم يفطر بطعام بسيط, ويعود للصلاة مرة أخرى, فيسجد سجدة من الليل حتى طلوع الفجر, عندما يحين موعد صلاة الصبح فلينهض لأدائها.

صيام وقيام في طامورة من طوامير السجن الظلماء, التي لا ينفذ اليها نور أو هواء ويدان مرفوعتان بالدعاء, قد قيدت بالسلاسل والأغلال, علق فيها كرات حديدية ورغم ثقل الحديد يرفع يده المباركة, ليدعوا ربه ولسانه يلهج بالذكر( ألّلهُمّ إنَّك تعلم أني كنتُ أسألكَ أن تفرغني لعبادتك, وقد فعلتَ ذلك فلك الحمد), أننا في رحاب صاحب الذكرى راهب بني هاشم, حليف السجدة الطويلة باب الحوائج, وسابع الحجج موسى أبن جعفر (عليه السلام).

سُجن العابد الزاهد بتهمة نشر الفضيلة والتقوى, ومحاربة وجوه الرذيلة والقسوة والظلم, شأنه في ذلك شأن الأنبياء والمصلحين والدعاة, ممن ينهضون بأعباء إصلاح المجتمعات البشرية, فيواجهون حرباً لا تخمد نارها ولا يخبوا أوارها, فمهمة سلب النفوس غرائزها وميولها حرب من نوع آخر, لا تختلف عن الحروب في الجبهات فإما أن تهلك الدعوة, أو يهلك صاحبها دونها, أو يظهرها الخالق جل علا, وقد لحق براهب بني هاشم (عليه السلام), نتيجة نهضته الإصلاحية الظلم والاذى, ألى أن أفنى حياته الشريفة من أجل كسر شوكة الطغيان.

أرادوا ن يحجبوا قبس من نور محمد وآله (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم) فوضعوه تحت الأرض, في مطامير لا يعرف فيها الليل من النهار, ألا أن موسى أبن جعفر(عليه السلام), بقي شمس الحق التي لن يُحجب نورها, فأمتد أثره ليصل ألى سجانيه, فلما سجن في بيت السندي بن شاهك، كانت عائلة السندي تطلّ عليه, فترى هذه السيرة التي تحاكي سيرة الأنبياء, فأعتنقت شقيقة السندي فكرة الإمامة, وكان من آثار ذلك أن أصبح حفيد السندي, من أعلام المسلمين في عصره.

تسع رطبات مسمومة وفي رواية أخرى سبعة , قدمت للأمام (عليه السلام),أنتقل بعدها ألى جوار ربه وفاضت روحه الشريفة, بعد معاناة من ألم السم والقيود.

قبة باب الحوائج (عليه السلام) التي تعانق السماء, جواب واضح لمن يتساءل عن جدوى عطاء الدم, فقد أنتصرت ثورة راهب بني هاشم, وأندثر ذكر الطغاة, واذا ما ذكروا كان نصيبهم اللعنات.

جنازة على جسر الرصافة, وصاحب الجسد المسجى مقيد بالأغلال, كأنه شمس محاطة بالقيود, وما أشد العجب حين تقيد الشمس ويسجن النور, سجادة صلاة بقيت خالية وقران فارقه صاحبه, وأناء أفطار غاب عنه الصائم.

السلام عليك يا باب الحوائج, وعلى جسدك النحيل المخضر الذي أثقلته القيود, وغير لونه السم, السلام على أرواح الشهداء التي حلت بفنائك, وهي تهفو أليك من على جسر الأئمة, يشاركهم في هذا الموكب العظيم عثمان العبيدي, الذي أدرج أسمه في قائمة أتباعك, ومحبيك وجاد بنفسه من أجل زوارك.