22 ديسمبر، 2024 6:08 م

جسد منجرف علی شواطيء الشعر

جسد منجرف علی شواطيء الشعر

گوران مریواني و الشعر الکردي المعاصر
في دیوانە «شيء ما منفرد» (١) یشبە گوران مریواني جسدا ملیئا بالجروح جرفە نهر السیاسة والغربة المتلاطم ورماە علی شاطیء الشعر، حیث ینتمي اصلا، فینهض متکئا علی عصا الشعر ویحاول مداواة جروح الجسد ببلسم الشعر وازالة ندب الروح والتطهر بماءە العذب.
ولد گوران مریواني في السلیمانیة، طفلا خامسا من تسعة أولاد، لاسرة کانت الکتب والمجلات والموسیقی جزءا من هواء البیت ومن زاد الاسرة الیومي، فنشأ قارئا نهما لکل ماهو مطبوع، وان کان یقرأ برویة ویختار بعنایة. یبدأ الکتابة في سن مبکرة، وکغیرە من ابناء جیلە الذي تزامن یفاعتە وشبابە مع بدایة السبعینات من القرن الفائت ینجر الی السیاسة، فیمر بکامل الدورة المألوفة لحیاة مجایلیە من مضایقات و مطاردات و اعتقال ثم الغربة و اللجوء «لمن ساعدە الحظ منهم» ولم یعدم او یحرق في اتون الحروب العبثية.
ولکن في تجربة گوران مریواني هناک فصل مختلف واعمق اثرا من ملاحقات السلطات التي کانت ترید القبض علیە وتقیید حرکتە جسدیا، وذلک الفصل هو عن معاناتە مع رفاق السیاسة والذین عملوا علی تقیید روحە وابداعە والذین حاولوا اجبارە علی ان یکون ابداعە متناسقا ومتوائما مع التوجهات الایدلوجیة علی طریقة سریر بروکروست في الاسطورة الیونانیة القدیمة ، وان لم یفعل، فان ما یکتبە عدیم الجدوی وربما یفید العدو الطبقي اکثر مما یفید متطلبات النضال من اجل تحریر کل البشر! کل هذا یؤدي بگوران مریواني الی حرق کل القصائد التي کان قد جمعها في دیوانین سبقا دیوانە الحالي، والذي یخرج الان بعد صمت شبە تام لما یقارب ثلاثة عقود .
الغربة تلقي بظلالها علی تجربة گوران مریواني الشعریة وعلی روحە وتشکل احدی العلامات الفارقة في مسیرتە الشعریة، ولکن الغربة نفسها اتاحت لە الانفتاح علی لغات و آداب شعوب اخری فاغنت شعرە وساعدتە في التعافي من المومیاءات الایدیولوجیة والتعاویذ الحزبیة، وکل هذا یسطرە الشاعر في المقدمة الطویلة لدیوانە الحالي والتي تشغل مایزید عن ١٠٠ صفحة من الدیوان! و بهذا فالمقدمة تشبە خلیطا من: السیرة الذاتیة للشاعر، وبیانا شعریا شخصیا یوضح فیە نظرتە الحالیة للشعر والابداع عموما والتأثیر المدمر للسیاسة علی المبدعین، حین ینبري لتقییم نتاجاتهم سیاسیون انصاف متعلمین وحفظة النصوص الایدیولوجیة وکأنها نازلة من السما لا يأتیها باطل من بین یدیها ولا من خلفها. و في جانب منها، تشبە المقدمة حدیث من یرید ان یبوح لطبیب نفسي بکوامن نفسە علە یجد تشخیصا لما یعذب روحە ویضيء الظلمة التي کادت ان تغمر روحە، نوعا من مناجاة الذات لتتسامی بالشعر و للشعر.
فیما یلي ترجمتي لبعض قصائد دیوانە، بهدف التعریف ولیس بوهم التغطية الشاملة لکامل طیفە الشعري.

الرحیل

متعب أنا،
التحف السماء
و اتوسد الارض،
ثم انام.
فجأة یوقظني احدهم :
«هنا سریري وهذا فراشي»
فاسلک طریق الرحیل مرة اخری
باحثا عن سماء وارض ابهی بکثیر


هذە المرة

هذە المرة،
فیما لواضطررنا للرحیل،
سأنتقل الی نجمة.
فقد سأمت من ارضنا هذە،
ومن حارتنا،
لا یحبذ احد فیها عبق الورود،
و لا احد یهوی هدیل الحمام،
لا یرفع احدهم رأسە الی السماء
ولا یهیم احد ببهاء النجوم.
هذە المرة
اذا اضطررنا للرحیل
سأغادر الی نجمة
ولو رافقتني،
فلن اعود الى
اية مدينة او حارة ابدا.

طفل و حديقة

في حديقة جسدي،
كوني منتميا للحدائق اكثر من انتمائي للبشر،
يسكن طفل صغير ،
اصغر سنا من عمر الحديقة،
خالي القلب من شيئ،
غير الوفاء
والعشق و الجمال،
فلا الحديقة تذبل في يوم من الأيام،
ولا الطفل يكف عن الغناء

حديقتنا

١
اشجار هذه الحديقة اقتعلت ايضا
و غرسوا البنادق مکانها،
نجوم هذه السماء المضيئة سملت اعینها
وزرعوا القذائف في مواضعها،
والانهار صدوا انسيابها
ومزقوا ثيابها.

٢
حدائقنا تثمر فاكهة الموت
سمانا تمطر القذائف
وانهارنا تموت عارية

٣
وتحت تلك السماء العمياء
وعلى ضفة ذلك النهر العاري
ربما يقتلونني
ثم يقتلونک.

٤

فسماؤنا
تنبت اغصانا من البارود
وحدائقنا تثمر فاكهة سوداء

الانيس
قدح من الشاي الياباني الاخضر
وقطعة من الليمون،
سماء لازوردية
و بحر ممتدامامي بصمت و هدوء،
اليفا، كقطة من زمن الطفولة،
يمسح مع كل مويجة حزنا من احزاني
ويصب في قلبي، مع كل رشرشة، رعشة فرح،
كأني امسد على جسد قطة من طفولتي،
بينما هي ترمقني بنظراتها كأنيس وحيد.

(١) في مقال قيم للسید نزار جاف في میدل ایست اونلاین ترجم الکاتب عنوان الدیوان ب« شيء وحید» و لکنني فضلت« شيء ما منفرد» فالشاعر في تصوري یسعی لیس فقط الی الوحدة و الانعزال لشعرە وانما یصبو ایضا الی نوع من الفرادة و التفرد في التعبیر والی التسامي عن المألوف الممجوج‬