انها مسألة وقت ليس الا، فالكل يتابع بعضه في مسيرة الفناء المرسوم في القضاء المحتوم، لأن الموت بوصفه الحقيقة الثابتة التي لا نقاش حولها، لا بد ان يحط رحاله في كل الأجساد، لتذوي وتتلاشى في اجال متفرقة، لكن القتلة استعجلوا فناء جسدك، لكبح جماح الثورة التي زرعتها في نفوس مريديك، ظنا منهم انهم يقوضون هذه الظاهرة التي اختطت لنفسها مسيرة لن تحيد عنها، ظنا منهم انهم يوقفون هذا المد الجماهيري المتصاعد المتسلح بمبادئ، وأسس، وقواعد حفرها في ضمائرهم قائد المسيرة، شهيد المحراب (قد).
لقد عمدوا إلى كسر قارورة عطر الفكر، فانتشر عبقه في الأرجاء تتنسمه الأجيال بتواترها، ذلك العطر الرسالي الذي يفوح عبقه، فتستنشقه الأرواح قبل الأنوف.
لقد استباحوا دما، فصار منارا يستنهض الهمم، ويستجلي الافكار الناصعة لتسير بأمان في نهر رسم مجراه لهم بدقة، لتجدهم ماضين في طريق النهوض، التغيير، والتوحد، سائرين لا تثنيهم مصاعب.
استباحوا دما رسم معالم الكرامة، والنصر، والإباء، والثبات على المبادئ، انه دم علم الدنيا السعي نحو كرم الشهادة، ليكون نبراسا، ودليلا في طريق الفداء من اجل الحق.
دم وهب الأحياء عزما واصرارا على الاستمرار، والمواصلة، وتحدي الصعاب، والقدرة على نكران الذات، وتجاوز النفس، والترفع عن صغائر الأمور، وانتزاع حب الدنيا من النفوس، واسترخاص الحياة من اجل مبادئ تستحق التضحية من دونها، والاستشهاد من أجلها.
استعجلوا فناء جسدك، ليحمل الرجال فكر الشهادة عنوانا لرسالتهم، فيسمو، وينتشر، ويخلد، ليحمل الرجال المسؤوليات الكبيرة لقيادة البلد والمجتمع، التي رسمها الشهيد بدقة، وخطط لها بعقله وفكره، ورسم مبادءها بسلوكه وتفانيه وصبره وجهاده، دافع عنها بدمه وروحه، فدفع دمه، ونثار جسده ثمنا لرأيه وعقيدته.
لقد عمدوا ان تكون جسدا في الثرى فصرت فكرا في الذرى.