حتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الذين راحوا ضحية العمل الإرهابي الذي استهدف احدى قاعات الحفلات ( وليس ثكنة عسكرية ) في المجمع التجاري كروكوس سيتي ، في ضواحي موسكو ، بلغ 115 قتيلا ، والحصيلة قابلة للارتفاع ، وعدد كبير من الجرحى نصفهم لازالوا في مرحلة خطرة ، ولا يسعنا في هذه اللحظة الا ان نتقدم بالتعازي لروسيا وعوائل المتضررين ، والشفاء العاجل للجرحى ، ونستنكر كل أنواع الإرهاب من أي جهة وفي أي مكان ، لأن ما تم فعله جريمة لا يمكن وصفها الا بأبشع عبارات الاستنكار والادانة ، لتضاف هذه الجريمة ، الى مثيلاتها من الجرائم التي ارتكبت في مسرح “نورد أوست” في موسكو و مدرسة بيسلان ومدينة بودينوفسك ، قبل سنوات عديدة ، وفي أماكن أخرى في العالم .
والملفت في موسكو اليوم ، هو ذلك المشهد ، الذي يسجل فيه الشعب الروسي اسمى شعور بالوطنية ، واصطفافه بطوابير الكبيرة ، امام المستشفيات و المراكز الطبية في المدينة ، رغم سوء الأحوال الجوية والبرد ، وحتى قبل الدعوات للتبرع بالدم لجرحى الحادث ” الاجرامي ” ، الامر الذي دعا رئيسة مؤسسة المتطوعين لمساعدة الأيتام الخيرية إيلينا ألشانسكايا ، الى حث سكان موسكو على عدم التسرع في التبرع بالدم ، لأن المراكز الصحية مزدحمة جدا ، وقوائم الطوابير الالكترونية قد امتلأت حتى الى ما بعد أسبوعين ، وبالإمكان التبرع بعد ثلاثة أسابيع ، ان كانت هناك حاجة ، مشهد يستحق الوقوف له احتراما واجلالا لهذا الشعب العظيم بتاريخه وحضاراته ، وهو رسالة قوية للذين دبروا ونفذوا هذا العمل الاجرامي ومن وراءهم ، بأنهم يد واحدة ، ضد أولئك الذين يحاولون تفتيت بلادهم ، ونشر الذعر والفوضى وزعزعة الاستقرار فيها .
والمراقب لردود الفعل الامريكية منذ اللحظة الأولى ” للعمل الإرهابي ” ، يلحظ وبشكل كبير ذات الارتباك والتخبط في هذا الموقف الفاضح ، ولا يمكن الاستغراب منه ، ففي الوقت الذي اكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، بأنه لم تتوفر لدى واشنطن أي معلومات عن احتمال وقوع حادث في المركز التجاري “كروكوس سيتي” بضواحي موسكو ، الا ان السفارة الأمريكية في موسكو دعت في إنذارها لمواطنيها قبل عيد المرأة 8 مارس، دعت فيه المواطنين الأمريكيين بعدم السفر إلى روسيا، والموجودين على أراضي البلاد بإبداء الحذر وتجنب التجمعات الحاشدة نظرا “لخطر إرهابي عال” أثناء فترة العطلة الأسبوعية !!!.
تصريحات كيري أيضا أوقعت واشنطن في حرج كبير ( ولو انهم لا يخجلون من أعمالهم أصلا ) ، بسبب تناقض تصريحاتها ، ولاستدراك الامر ، قالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي ، كانت لدى الإدارة الأمريكية معلومات بشأن مخطط هجوم إرهابي في موسكو ، يحتمل أن يستهدف تجمعات كبيرة، بما في ذلك الحفلات الموسيقية، وقد تشاركت واشنطن في مارس الجاري بهذه المعلومات مع السلطات الروسية ، وانه لم يتم تحديد المكان ، والغريب وكما كشف الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش ، فإن الأمريكيين والبريطانيين وبعض الدول الأخرى ، قاموا بنفس الخطوة الامريكية في تحذير رعاياهم ، وهذا يعني ، ان النوايا والتخطيط في الغرب ، والتنفيذ من الجارة الغربية لروسيا .
كما أن تصريحات البيت الأبيض، بأنه لا يرى أي مؤشر على تورط أوكرانيا أو الأوكرانيين في الهجوم الإرهابي في موسكو ، يؤكد ضلوع كييف في الحادث ، خصوصا وان المشتبه بهم في تنفيذ الهجوم ” الإرهابي ” ،قد القي القبض عليهم وهم يهربون إلى أراضي أوكرانيا عبر مناطق الغابات على طول خط السكة الحديد، والسؤال وكما طرحته المتحدثة باسم الخارجية الروسية هو ، على أي أساس يستنتج المسؤولون في واشنطن أي استنتاجات حول براءة أي شخص في خضم المأساة؟ فإذا كانت لدى الولايات المتحدة أو كانت لديها معلومات موثوقة في هذا الصدد، فيجب نقلها على الفور إلى الجانب الروسي ، وإذا لم تكن هناك مثل هذه البيانات، فليس للبيت الأبيض الحق في إصدار الغفران لأي شخص ، وسيتم تحديد هوية جميع المتورطين، كما صرحت القيادة الروسية، من قبل الجهات المختصة.
وهنا لابد من الالتفات الى ، أهمية ردود الفعل ، فمنذ اللحظات الأولى للإعلان عن الجريمة ” البشعة ” ، تهافت الجميع ليست فقط في الدول العربية والإسلامية والعالمية الصديقة لروسيا ، ولكن أيضا حتى تلك الدول التي تقف موقف العداء العلني لروسيا مثل فرنسا وبليجكا وغيرها من الدول ، والأمين العام للأمم المتحدة ، الذي بدل تعازيه لتتناسب مع واقع الحدث ، والذي استحق شكر روسيا على ذلك ، يراها فيها المراقبون ، انها لم تكن تعزية غربية تشاطر روسيا حزنها ، ولكن كونها جريمة ” بشعة ” ، ومحاولة امتصاص ردة الفعل الروسي وغضبه ، لأنه اذا ما امتلك روسيا كل خيوط الجريمة ، وان بان البعض منها ، وكلها تدور حول أوكرانيا ، فإن الرد بالتأكيد سيكون قوي ” ومزلزل ” ، بسبب الضغط الشعبي الروسي على قيادته للقصاص من المذنبين أي منهم كان .
ان الحديث عن تبني ” داعش ” لهذه الجريمة ، والترويج لها بهذا الشكل الإعلامي الكبير ، لأبعاد الشكوك حول المتهم الرئيس في الجريم ( أوكرانيا ) ، فإنه يدين الولايات المتحدة بشكل خاص ، فإن هذه الدولة الاجرامية ، لها و “داعش ” سجل كبير في الاجرام ، في العراق وسوريا وليبيا ، وان من أسس هذه الجماعة الإرهابية هي نفسها الولايات المتحدة باعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ، وهي من تمولها ، وهي التي توجهها في الاتجاهات التي تريدها ، فلماذا في هذا الوقت ظهرت ” داعش ” في موسكو؟ سؤال بات يطرح بشكل كبير ، وجوابه ، هو ان الانتصارات الروسية في ساحات المعركة ، وفوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية ، بشكل قياسي ، أسباب كافية ، لتحرك الإدارة الامريكية ذيولها ، ولن تتوانى عن تنفيذ أبشع الجرائم ، انتقاما لفشلها الكبير في سياستها المعادية لروسيا .
ولا يختلف اثنان ، من أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في مركز “كروكس سيتي هول” بضواحي موسكو، هو جزء من حرب تخوضها أجهزة المخابرات الغربية ضد روسيا منذ سنوات ، والسنوات الماضية كشفت كيف يدعم الغرب الإرهابيين في القوقاز في التسعينيات ، والانقلاب في أوكرانيا عام 2014، وتعطيل اتفاقيات مينسك وقتل المدنيين في نوفوروسيا، وتأجيج الروسفوبيا ، ودعم النازية الجديدة، والآن كروكوس ، كل ذلك حلقات في سلسلة الحرب ضد روسيا ، والمستفيد من كل ذلك، واحد ، والشيء الرئيسي من وجهة نظر زاخاروفا ، هو أن السلطات الأمريكية لا تنسى كيف ربطت بيئتها الإعلامية والسياسية بين الإرهابيين ، الذين أطلقوا النار على الناس في قاعة مدينة كروكوس ، وبين منظمة داعش الإرهابية المحظورة ، وان روسيا تعرف جيدا في أي بلد خطط هؤلاء ” الأوغاد” الدمويون للاختباء من الاضطهاد – أوكرانيا ، خصوصا وان نفس الدولة ، تحولت على أيدي الأنظمة الليبرالية الغربية لمدة عشر سنوات ، إلى مركز انتشار الإرهاب في أوروبا، متجاوزة حتى كوسوفو في جنون المتطرفين.
ونقول لكم بأمانة كنا احد المتوقعين بإنساب هذا العمل الاجرامي ، للجماعات الإرهابية ” داعش” ، لكن وقائع الحادث تشير الى انه ، لم تكن هناك تصريحات سياسية ولا مطالب ابتزاز ولا محاولات لأخذ رهائن ، وهذه ليست الطريقة التي يتصرف بها الإرهابيون الكلاسيكيون ، وهو أشبه بسلوك القتلة المأجورين ، أو القسوة الحيوانية التي يمارسها غير البشر، والتي أعمتها كراهية كل شيء روسي ، وهذا أمر مألوف بالفعل عند وحدة الخدمات الخاصة الأوكرانية التي تقف وراء الهجوم الإرهابي ، حيث لا يتطلب الأمر أي تحضير جدي لإطلاق النار على حشد غير مسلح ، المهم هنا هو موقع الهجوم الإرهابي المدروس بعناية وشكله ، الإعدام والحرق العمد كغطاء للهروب ، وان كل ما في الأمر أن كييف، في كراهيتها لكل شيء روسي، انحدرت إلى مستوى جهنمي جديد.
واليوم، وعلى الرغم من ان كل المعلومات لم تؤكدها السلطات الروسية بشكل رسمي ، ستبقى في إطار التخمين والتحليل ، فقد تعالت في روسيا أصوات، تؤكد أن هذا الهجوم الإرهابي لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، ويستوجب التضامن مع روسيا ، لأنه عندما يتقرر مصير البلاد ومصير روسيا وشعبها، فمن المستحيل محاربة الإرهاب ومقاومته ، وفقا لقوانين زمن السلم ، ومن المستحيل بنفس القدر صد عدوان الغرب الجماعي على روسيا ، وبادئ ذي بدء، وكما أوضح بيان جمعية المحاربين الروس ، ينطبق هذا على الإرهابيين والمخربين وقادتهم ، والمتواطئين معهم، الذين تشكل أفعالهم تهديدا لحياة الناس ، وأمن البلاد أو التي أدت بالفعل إلى حدوث عواقب وخيمة .