18 ديسمبر، 2024 4:15 م

جرح الدماغ الطفيف في ظل طقوس عاشوراء

جرح الدماغ الطفيف في ظل طقوس عاشوراء

مقدمة
لاشك ان الحديث عن طقوس عاشوراء قد يثير غضب البعض، و يعتبر التطرق اليها تدخلاً في الحريات الشخصية للفرد في مجتمع  بدأ يقدس حرية الكلام و الرأي. كذلك هناك من يتصور بان التطرق الى طقوس دينية و انتقادها نوع من انواع التمييز العنصري او بعبارة أدق تصرف طائفي. غير ان التطرق الى مضاعفات صحية من جراء ممارسة طقوس اجتماعية كانت او دينية واجب على أي انسان بان يصرح به من اجل فائدة المجتمع. أن الغرض من هذا المقال المختصر و المتواضع هي الاشارة الى ظاهرة علمية لها علاقة ببعض طقوس عاشوراء و لا علاقة له بشرعية الاحتفال بهذه الايام المقدسة في التقويم الاسلامي.
طقوس عاشوراء
   لا أحد ينكر ان الاستماع الى القراءات في ليالي عاشوراء أمر شخصي بحث ربما يستعمله الفرد لأطلاق العنان لمشاعر حزن مكبوتة لا يصرح بها أمام الناس. كذلك الامر في ضرب الصدور باليد فلا يضر أحداً و هو فعل ليس بغير المألوف في التعبير عن الحزن. لكن الامر غير ذلك في جلد الظهر بالزنجيل  وجرح فروة الرأس بالقامة (ألتطبير)، فكلاهما يحتاج الى تعليق من نوع آخر.
أن جلد الظهر بالزنجيل هي ظاهرة عالمية منذ القرن الثالث عشر  بدأت تمارسها بعض الفرق الكاثوليكية للتعبير عن حزنها في يوم الجمعة العظيمة. تحير الناس في أمر هؤلاء و تحملهم الالم، و سارعت الكنيسة الكاثوليكية الى تكفيرهم. رغم تكفير الكنيسة لهذه المجموعات فان ظاهرة الجلد هذه لم تختفي و لم يتخلى هؤلاء من تمسكهم بالعقيدة الكاثوليكية الى يومنا هذا 1. تتشابه هذه المواكب في تنظيمها كل الشبه بالمواكب الحسينية التي تتضمن جلد الظهر بالزنجيل، مما يقود الكثير الى الاستنتاج بان هذه الطقوس انتقلت الى المذهب الشيعي الاسلامي عبر اختلاط الحضارات، و هي ليست من اكتشاف رجال الدين او الدولة الصفوية كما يتصور البعض.
بدأ الناس بالتفنن في استعمال أشد الزناجيل قسوة و البعض تحتوي على شفرات حادة تؤدي الى جرح البشرة و النزيف، و هناك الكثير ممن يفقد وعيه من جراء النزف او الالم أو كلاهما. أما قطع فروة الرأس بالسيف او القامة في يوم العاشر من محرم فهو أشد الامور رهبة  و لا اظن ان له مثيل في طقوس  عالمية أخرى . حتى المرضى المصابين باضطرابات الشخصية الذين يتعمدون الحاق الاذى بالجسد لا ترى أحدهم يقطع فروة راسه و يتركز الفعل دوماً على الاطراف العليا و السفلى في أغلب الحالات. هناك أجماع عام ان قطع فروة الرأس   يؤدي الى نزيف دموي يصاحبه او ينتج عنه  اضطرابات في الوعي قد تكون أثارها خطيرة. بالطبع ان النزيف اذا كان ذات نسبة معينة قد يؤدي بحد ذاته قد يودي الى تدمير جزء من الخلايا المخية و بالتالي فقدان الوظائف العصبية لتلك الخلايا الى الابد. و لكن الكثير من هؤلاء او معظمهم أن تجنبوا تدمير خلايا المخ  بنسبة ذات مغزى  فهم على اقل تقدير  ليس باستطاعتهم تجنب ما يدعى بجرح الدماغ الطفيف.
جرح الدماغ الطفيف
هذه ظاهرة صحية مرضية، ربما الجميع على المام بها وتدعى جرح الدماغ الطفيف 2Mild Brain Injury. قد يحدث هذا الجرح جراء فقدان او أضطرب في الوعي  لمدة لا تتجاوز الساعة الواحدة و في معظم الاحيان ما هي الا بضعة ثواني أو دقائق. يؤدي هذا الاضطراب الناتج عن اختلال في تجهيز الخلايا المخية بالدم و الاوكسجين الى تدمير بعض محاور الخلايا المخية axontomy.
يتم تعريف هذه الحالة كما يلي:
ألمصاب بجرح الدماغ الطفيف هو انسان تعرض الى حدث تسبب في انقطاع مرحلي في الوظائف الفسيولوجية للدماغ كما هو واضح في واحد من أدناه:
1 اية فترة من فقدان الوعي.
2 أي فقدان للذاكرة قبل أو بعد الحدث مباشرة.
3 أي تغيير في حالة الوعي للمصاب مثل الاحساس بالدوار.
4 علامات عصبية عارضة او دائمة تعكس فقدان وظيفة دماغية.
تنتج من جراء تدمير محاور الخلايا المخية  أعراض نفسية أو عصبية قصيرة الامد  و في البعض القليل طويلة الامد. هناك أربعة مجموعات من الاعراض القصيرة الامد:
1 أغراض فكرية من ضعف في التركيز و اضطرابات في الذاكرة.
2 أعراض جسدية مثل الصداع  و الالم في العضلات.
3أعراض عاطفية مثل التوتر العصبي و القلق.
4 أعراض أدراك حسي مثل كثرة التحسس للضوء و والصوت و الطنين في الاذن.
ان هذه الاعراض تشبه الى حد كبير الأعراض التي يشكي منها انسان مصاب بداء ما بعد الهزة الدماغية Post-Concussive Disorder. أن الداء الاخير له اسباب متعددة معظمها من جراء حوادث اصابة للراس. تتميز هذه الأعراض بان ألكثير منها تتحسن خلال 3 أشهر، و معظمها خلال ستة أشهر، و قلما تستمر اكثر من سنة أو سنتين. غير أن هناك أكثر من دراسة أثبتت بان الاعراض قد تصبح مزمنة.  ان مضاعفات جرح الد ماغ الطفيف القصيرة الامد، تشابه اعراض ما بعد الهزة الى جد كبير و لكن المضاعفات الطويلة الامد من الصعب أثباتها من جراء مراجعة البحوث العلمية المتوفرة.  رغم ذلك فان الحديث عن التفاعلات القصيرة الامد هو ما بين 3 -24 شهراً.
و لكن ليس هناك اختلاف في الراي بان جرح الدماغ الطفيف يؤدي الى زيادة احتمال الاصابة بالأمراض النفسية و الذهنية عل مختلف أنواعها في المستقبل البعيد مثل القلق، الكآبة و انفصام الشخصية أو الشيزوفرانيا، و اضطراب الثناقطبي.  يتراوح احتمال الاصابة بين فرد و أخر ولكنه على أقل تقدير ثلاثة اضعاف احتمال اصابة فرد لم يتعرض الى جرح دماغ طفيف.
كذلك هنالك ظاهرة  من الصعب تشخيصها طبياً و تتطلب دراسة سريرية دقيقة و هي ظاهرة تغير الشخصية العضوي Organic Personality Change. يصاحب جرح الدماغ الطفيف تغير تدريجي و بطيء في الشخصية  و على فترة طويلة مما يصعب انكشاف الحدث الذي قد يكون السبب الاول و الاخير في تغيير الشخصية. هنالك العديد من التغيرات الممكن حدوثها و منها:
1 شخصية غير مبالية
2 شخصية عدوانية
3 شخصية غير مستقرة عاطفياً
4 شخصية جنونية
الكثير من هؤلاء لا يقبل بان شخصيته قد تغبرت و يلقي اللوم على من حوله و يحملهم سبب تصرفاته. بالطبع تصبح حياة من يعيش معه جحيماً بكل معنى الكلمة.

استنتاجات
1 أن ممارسة جلد الظهر و قطع فروة الرأس خاصة في طقوس عاشوراء قد يؤدي الى مضاعفات طبية خطيرة. رغم كل الاحتياطات التي قد تتوفر لهؤلاء الافراد فان ألكثير منهم أو ربما معظمهم قد يصاب بجرح الدماغ الطفيف .
2 تتحمل الدائرة السياسية المنتخبة من الشعب العراقي مسؤولية  فرض القيود اللازمة للحد من الغلو في الشعائر التي تؤدي الى الحاق الاذى بالنفس البشرية. هنالك أدلة علمية لا جدال فيها بان النزيف الحاصل من جراء ممارسة ضرب الظهر بالزنجيل و جرح الراس بالقامة يؤدي الى جرح الدماغ الطفيف في احسن الاحوال.  بالطبع لا يستبعد ان البعض منهم قد يصاب بجرح دماغ خطير ذات مضاعفات اسوا بكثير مما تتطرقت اليه أعلاه. يؤدي جرح الدماغ الطفيف بدوره الى مضاعفات طبية للجهاز العصبي قصيرة المدى على اقل تقدير. غير ان هناك أكثر من دليل بان جرح الدماغ الطفيف يؤدي الي الى زيادة نسبة الاصابة بالامراض النفسية العصابية و الذهنية، و تغيرات دائمة في شخصية المصاب على المدى البعيد. على ضوء ذلك لا بد للإدارة السياسية بتحمل المسؤولية و منع ممارسة أي طقوس تلحق الاذى بالإنسان.
3أن القاء عاتق تغيير هذه الطقوس على المؤسسة الدينية لا جدوى فيه و الكثير منهم يتحرج من جرح مشاعر رعيته او بالأحرى جرح مشاعر ه هو بالذات.
سداد جواد التميمي
استشاري الامراض النفسية و العصبية

ملاحظات:
1 يمكن للقارئ الكريم البحث رفي شتى المواقع تحت كلمة Self Flagellation.
2 تم الانتباه الى هذه الحالة المرضية في الستينات و تم و ضع اشارات لتشخيصها منذ عام 1974. تثير الكثير من الدجل في الوسائط الحكومية الغربية و بالذات حول تعرض بعض الجنود الى اصابات أثناء حرب الخليج و تعويضهم مادياً.