28 ديسمبر، 2024 11:08 م

في ندوة دارت حول الفساد الاداري ، تحدث مدير عام احدى الدوائر باسلوب ساحر عن موضوعة الفساد الاداري ابتداءا من زمن صدام حسين وحتى الآن ..كانت كلماته مشفوعة بادلة دامغة وحقائق جلية نكأت جراح كل الشرفاء في القاعة وضاعفت من مرارة نفوسهم فاغلقت ” الموبايلات” واطبق الصمت ولم يعد يسمع في القاعة الا زفرات بائسة ، ولايرى فيها الاهزات رؤوس مؤيدة ، بينما ظل صوت المدير يطرق بمطارقه القاسية على ذاكرة وعقول الحاضرين ، معبرا عن رغبة دونكيشوتية بتغيير العالم ..كان قد حاول ان يبريء دائرته من تهمة الفساد الاداري وبدا عليه الصدق الوفير في رفضه للفساد ومساعيه الى ازالته سيما وانه لم يكن من بين الذين طالتهم الاصلاحات الاخيرة لعدم وجود نقاط سوداء في تاريخه الاداري ولكن ، هل كان واثقا من خلو دائرته منه ؟ وهل يمكن لأي مدير عام يمتلك الكثير من الشرف والنزاهة ان يوازن اطراف معادلة اختلت منذ زمن حين صار يقف في أحد طرفيها مدير حسابات ” حرامي ” وفي الطرف الآخر مدير ” نزيه” او يحدث العكس تماما ، ومع مرور الايام يلقي مسؤول الحسابات بشباكه المغرية ليصطاد نزاهة المدير العام فيشركه دون ان يدري في عمليات سرقة تكمم فمه …او يقوم المدير العام ” الحرامي ” بتسهيل السبل امام مسؤول الحسابات الشريف ليسرق وعندما تزل قدمه يعرض عليه انقاذه مقابل المشاركة في الغنائم !!
لقد تحدث المدير العام عن هذه المعادلة بصراحة ولم يخف خشيته من عواقب صراحته فعقوبة الصدق في هذه الايام رصاصة او استبعاد من مسؤول اكبر ..لا أكثر!
بقي ان نقول له ان صراحته وصدقه لم يفعلا اكثر من تحريك المياه الراكدة في نفوس الحاضرين فالحل لايزال مفقودا ، واذا ماكان يمكننا اعتبار المحاكم حلا فقد قال صدام حسين عن القانون سابقا انه ليس اكثر من (جرة قلم ) واظنه صار اكثر من ذلك الآن بعد ان تعددت مناشيء ” التوصية “
و” الرشوة ” و” الواسطة” و” التهديدات ” التي تحول القانون الى مجرد خربشة على الورق وليس ” جرة قلم ” فقط …
وفي هذا الزمن الذي ينتفي فيه الصدق ، ويقوم احد المدراء العامين بنقل عدد من موظفي دائرته الى دوائر بعيدة عن منازلهم لمجرد تظاهرهم داخل الدائرة على حالة تقصير فيها ، سيظل الشك يراودنا وعذرنا معنا ، ذلك اننا نسمع كلاما يحول قائليه الى انبياء في زمن انتهكت فيه النبوة الحقيقية وحين ننظر الى سلوكياتهم ندرك ان زمن النبوة انتهى تماما فالمسؤولين مثلا يصرحون “بمثالية ” عن ضرورة الوحدة الوطنية ، وسلوكياتهم تنافي ذلك وتحيل العراق الى فريسة تحوم حولها الذئاب …فياأيها المدير العام الشجاع ، نشكر لك صدقك وصراحتك التي لن يصدقها كثيرون رغم انك لم تحاول ادعاء النبوة وتحدثت بمنطقية وتواضع ، وتحسس رقبتك جيدا وانت تحارب الطواحين فمازلنا عاجزين ان نشير للفاسدين او الظالمين باصابعنا ونتهمهم مواجهة !!