أغلب دول العالم وشعوبها المحبة لبلدانها والحريصة على وحدة تلك الشعوب وتماسك نسيجها الاجتماعي ، هي من تحاول البحث بجدية على مدار الوقت في تقليل المنغصات والهدر وما يسيء لحياة الأسرة التي هي أساس المجتمع ، ومن مجموعها تتكون الشعوب والأمم ، وحتى تكون الحياة محترمة وكريمة لابد أن يبدأ الاحترام وحفظ الكرامة للفرد مهما كان سنه أو جنسه أو لونه أو دينه ، حينما يشعر الفرد ومن ثم العائلة حتى يصبح المجتمع راضيا عن ما تقوم به دولته حينما يلمس حرص تلك الدولة بإخلاص تام على تقليل المشاكل والعقبات واستبدالها بالمنجزات حتى وإن كانت صغيرة أو بسيطة بحجمها ومردودها لأنها ستصبح بالنتيجة ، مكسب قد تحقق .
وحتى يحصل ذلك ، لابد من وجود دستور وطني حقيقي قابل للتعديل والتطوير والإصلاح ، ما دامت الحياة تتجدد وتنمو ، في مجالات الحياة المختلفة .
ولأن ما يسمى ( بالدستور العراقي ) الحالي هو دستور دائم أخترعه بريمر وقوات الاحتلال ووقُع عليه ثلة من المنتفعين السياسيين انطلاقا من مصالحهم الحزبية ، وشهواتهم الانفصالية ، فقد تم صناعة الدستور بمقاييس خاصة ومفصلة لتركب على جهات معينة ومحددة ، على حساب مصلحة الشعب العراقي. نقولها بمنتهى المرارة والحسرة ، حينما دعت جهات دينية تدعٌي لنفسها المرجعية والحرص على مصلحة الشعب ، دعت للخروج والتصويت عليه ، من دون الدعوة الحقيقية والمخلصة ، لإعطاء الوقت الكافي لتوضيح فقراته وبنوده للشعب وإظهار المطبات والإشكاليات التي وقع بها العراق بعد ذلك .
ولم تحاول تلك المرجعيات أن تبذل جهدا للدعوة لتأجيل أمر البت النهائي بهذا الدستور حتى يتم جلاء قوات الاحتلال ، كي يصبح دستورا وطنيا عراقيا خالصا ، لا يتدخل به الأجنبي أو يعبث بفقراته لصالح جهة ما ضد أخرى ، فأصبح هذا الدستور ساقطٌ عرفا وشرعا ، وفق التشريعات المنصوص عليها بقوانين الجمعية العامة للأم المتحدة ، حيث تبين في فقراتها المختصة أن كلما جرى أو يجري تحت ظل الاحتلال لأي بلد بالعالم من قوانين وأنظمة ودساتير ، تعتبر غير شرعية على الإطلاق ولم يؤخذ بها لاحقا .
كل الشرفاء من أبناء الشعب يتساءلون ، متى تتوفر الجرأة والغيرة العراقية ، لرفع الصوت عاليا ، للدعوة لتغيير ما يسمى بالدستور أو على أقل تقدير تعديل بعض بنوده المجحفة ؟؟
متى نصبح نحن العراقيون العرب أصحاب الأرض لهذا العراق أغلبية حقيقية كما كنا وسنكون ، ولنا صوت لنحمي مستقبل أجيالنا ؟
وإذا اعتبرنا إن الأحزاب التي ساهمت وروجت ورعت تمرير ما يسمى بالدستور ( الفتنة ) لها مصالح حزبية وفئوية خاصة ، قدمتها على مصلحة الوطن وهذا ما حصل فعلا ، هي متورطة منذ البداية بتلك الجريمة ، ولديها أسبابها المعروفة تاريخيا ، فلماذا سكتت المرجعية التي غطت بعباءتها تمريره من دون التفتيش بالمهالك التي دست فيه ؟ هل يمكن أن يعذرها التأريخ والشعب ؟ هل اعتبرت دعوتها للتصويت بمثابة فتوى شرعية ، وحينما تصيب لها حسنتان وأن أخطأت لها حسنة ؟ وإذا كانت كذلك فأنها تتحمل وزر كلما جرى ولا يزال يجري لغاية الساعة .
هل يعقل ذلك ، حينما تقرأ بفقراته المشبوهة بأن عرب العراق فقط هم جزء من الأمة العربية ، وكأن العراق ليس عربيا بأغلبيته العربية عبر التأريخ ؟ وإن القوميات الأخرى شركائنا الحاليين بالوطن تأريخهم معروف ومعلوم ، كيف وصلوا ومتى استوطنوا أرضنا ، فأصبحنا نحن الضيوف وهم رب المنزل !! لماذا يريدون منا أن نستحي من عروبتنا وانتمائنا لها وهي قومية الرسول الأكرم ( ص ) التي شرفها الله وذكرها بكتابه المجيد ، حينما شرف النبي العربي برسالته بالوقت الذي نرى ونسمع كيف يتباهى ويعتز جيراننا من الفرس والأتراك بقومياتهم فيجلونها ويفتخرون بنسبهم أليها ؟؟ تخاذلنا بالدفاع عن عروبتنا ليس لسبب إلا كي نرضي أصحاب الدسائس والمتآمرين ليس إلا ؟
هل يعقل أن يصبح قرار ثلاثة محافظات هو من يتحكم بتغيير أو تعديل الدستور كي يصبح أكراد السلطة ماسكين الخنجر بضلع العراق ما طلعت الشمس أو غربت ؟
أي مهزلة تلك التي أسست لجميع الجراحات والطائفية على مرأى ومسمع من الجميع ولا أحد يتكلم ، وكأنهم قد أصابهم صمت القبور ؟
هل إن بدعة المناطق المتنازع عليها ، أصبحت واقعا علينا أن نرضى به كي يستكمل البرزاني وعصابته الاستيلاء على باقي الأرض والعرض ؟ وكأننا نتفرج على صراع بين الدول والأمم لسرقة الأرض من دولة على حساب أخرى ؟
نحن نعلم تماما ، إن ما جرى هو مؤامرة دنيئة اشتركت بها أحزاب وجهات وعمائم وسخة ، وقعُت وصادقت ومررت بما يسمى بالدستور كي يظل الجرح نازفا حتى يتمزق العراق أربا إربا !!
متى تتحفز الغيرة وتلتقي مع الجرأة والشرف كي نعيد صياغة دستور عراقي خالص بأقلام عراقية مخلصة ، تراعي الجميع ، ولا تبخس أحد قيد أنملة ، ولكنها تمنع التمزيق ، والتلاعب بالأمن والثروات بحجة العمل الدستوري ، حيث كل حزب فرحون بما كسبوا ؟
أنها دعوة للشرف والغيرة ، إن بقي منها شيء !!