عند تسليط الضوء على اي خلل او مشكلة ، سواء خصت السياسة ام غيرها ، لا يمكن إعطاء وصف لها حتى يتم الوصول الى جذورها ، ومعرفة اسبابها الفعلية ، وليس الأسباب السطحية لانها توهم طالبي الاصلاح ، لتبني مواقف يُعتقد بصحتها وفعاليتها ، وهي في الواقع ضياع من نوع اخر ، وتسبب صدمات قوية وتنشر الاحباط والسلبية بعدم إمكانية اصلاح الوضع ، وتفتح الباب الى اجتهادات اخرى ، بنفس الرؤية ، ونفس المنهج الفاشل ، الذي يداعب عواطف الجماهير وكسب ودهم ( وان كان بحسن نية ) المصلح يجب ان يكون مرآة لمجتمعه ، ويخبره بالخلل أينما وجده ، بلا مجامله ، ولا يمكن لأحد ان ينتقده لصراحة وحقيقة تشخيصه ، فأنا لا يمكن ان أعاتب المرآة لانها كشفت بعض التشوهات الحاصلة في وجهي !
تغيير الطبقة السياسية هو الحل الشامل والفعلي في نظر البعض ، وبعدها يمكننا ان نستورد حكومة من المريخ ! ، الطبقة السياسية هي السبب السطحي ، او بوصف ادق ، هي احد أعراض الداء الذي أصيب به المجتمع
المجتمع العراقي لا يعرف حقيقة مرضه ، ولم يحاول ان يعرفه ، وكل ما في الامر انه شعر بألم فصرخ من شدته ، الارتجال وعدم التشخيص الصحيح والسير خلف العاطفة سيؤدي الى احد النتيجتين ، اما ان يتم القضاء على المرض ، او يتم القضاء على المريض ، ووفق تشخيص الاغلبية فنحن ذاهبون الى القضاء على المريض ! المجتمع فاسد ، واثبات شيء لا ينفي ما عداه ، اي لا ينفي فساد بعض المتصدين في الحكومة ، ولكن هنالك بعض التساؤلات البريئة والطفولية التي لابد منها ، هل أمانة بغداد طلبت من العاملين عدم تنظيف شوارعهم ؟! ، هل وزير التربية طلب من المعلمين عدم التدريس بشكل صحيح واعتبار الدروس إسقاط فرض ؟! ، وهل وزير الداخلية طلب من رجال الشرطة التهاون في عملهم ؟ والطبيب ورجل المرور وباقي فئات المجتمع ، هل هم حكومة ؟! ام انهم مواطنون ؟!
ما يجري هو إيهام للجماهير ، لان الخلل هو في الجمهور ذاته ، وأي حكومة ستأتي بعد الحكومة الحالية لن تختلف عنها ما دامت طريقة التفكير نفسها ، وما دامت اخلاق الجمهور على ما هي عليه ، الاصلاح يجب ان يكون اصلاح اجتماعي اولاً ، لان المجتمع هو الوعاء ، ولا يمكنه توفير حكومة صالحة مالم يكن صالحاً ، ففاقد الشيء لا يعطيه
من يعرف إيهام الجماهير يصبح سيداً لهم ، ومن يحاول ازالة الاوهام من اعينهم يصبح ضحية لهم ، قالها غوستاف لوبون منذ سنين بعيدة ، ولكني أراها شاخصة اليوم امامي بشكل واضح .