23 ديسمبر، 2024 5:44 ص

جذور التطرف والتكفير واقعة الحرة نموذجاً

جذور التطرف والتكفير واقعة الحرة نموذجاً

ليس من المرارة في شيء أن يعود الفرد ليتصفح تاريخيه ويقرأ الماضي فيقف عند حقائق الأشياء، المرارة تكمن حين يتمسك الفرد برأي أو فكر اعتنقه دون أن يبحث في مضمونه، ويبقى يدافع عنه حتى لو كان خاطئاً من بين هذه الحقائق التي لابد أن يعرفها المسلم وغير المسلم إن التكفير ليس له علاقة بالإسلام وليس إسلامياً بحد ذاته فلم يكن مسلم بين المسلمين من يحمل بذور التكفير ويقتل ويبطش (فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده) هذا هو الاسلام بل هذا هو جوهره وحقيقته المريضة لكن ثمة قوى وجهات عملت على استغلال الإسلام لتنفيذ مخططات الشر والاستعباد في مختلف المراحل التاريخية وهذا ما يذكره لنا التاريخ ويكشفه لنا التحقيق البارع والمنصف في ربط الأمور بأسبابها ومسبباتها وتميز الحق من الباطل، لنقرأ معاً ما ينقله احد المؤرخين عن حقبة زمنية لم تدم إلا أياماً قليلة لكن حصل فيها ما حصل، القتل والإرهاب والإلحاد والمروق عن الدين بكل أشكاله.
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/412: (وجرت في إمارته (يزيد) أمور عظيمة… فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم جيشاً، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثاً، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثا يقتلون وينهبون، ويفتضون الفروج المحرمة. ثم أرسل جيشاً إلى مكة، وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة، وهذا من العدوان والظلم الذي فُعِل بأمره)
لو لحظنا النص لاكتشفنا أكثر من قضية تحتاج أن يسلط عليها الضوء
اولاً: إن يزيد لم يكن عليه اجماع فلا يستحق الامارة لهذا السبب.
ثانياً: إخافة أهل المدينة (من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)
ثالثاً: أمر يزيد بأوامر مخالفة للشرع كلها ومخالفة للإنسانية
أ‌- محاصرة المسلمين!!
ب- إباحة اموال المسلمين!!
ج- إباحة نساء المسلمين!!
والمسلمون هنا صحابة أجلاء عاشوا مع رسول الله وعاصروا الخلفاء الراشدين فكيف استحق شخص أن يكون خليفة لرسول الله وهو يقتل أصحابه وينتهك حرمتهم ويبيح أموالهم وأعراضهم، هذه الصورة عرضها لنا ابن تيمية ونحن نشكر هذا النقل لكننا بالوقت نفسه نطرح تساؤلا عميقا لكل مسلم، هل يعقل أننا نعد هذه المسميات من الخلافة الاسلامية وليس في الإسلام إلا العدل والمحبة والإحسان
وكيف يصح للمسلمين أن يتخذوا من مفكري التكفير والتطرف منظرين ومرشدين وعلماء يأخذون منهم دينهم وهؤلاء المرشدون يمدحون من يبيح المدينة ويقتل أبنائها ويبيح نساءها يفعل فيها كما يفعل فرعون بأهل مصر فنكره فعل فرعون ونقبل بفعل يزيد فكيف يصح أن نقبله ونقبل من يسترشد ويستدل به.
انظر إلى ما يقوله ابن حزم في جوامع السيرة:
(أغزى يزيد الجيوش الى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والى مكة حرم الله تعالى . فقتل بقايا الأنصار يوم الحرة، وهى أيضا أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرا ظلما في الحرب صبرا . وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصلّ جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله)
فواقعة الحرة فيها جانبان مختلفان الجانب الاول هو نقض البيعة ليزيد والجانب الآخر إجراءات يزيد بحق المدينة وأهلها فهو ينظر لنقض البيعة ليزيد على أنه معصية منكرة لكنه لا ينظر إلى أن هذا هر خرق وقدح بالإجماع الذي ادعاه على خلافة يزيد فهذا هو العور بعينه ان تنظر الى المسالة من زاوية واحدة فالقارئ والمتابع حين يقرأ الأحداث يجب أن لا يقرأ الأحداث بفكر وقلم كاتبها فقط بل يجب أن تتحرر إرادته وقراءته ويخلص إلى نتيجة خالصة له يبتعد فيها عن المجاملة أو التقليد لان التقليد من دون تفكير يؤدي إلى تكرار مصائب الماضي وجعلها دروس تتكرر بحسب السيناريو الذي رسمه لهم القدماء من أهل التطرف وهذا هو الداء.
فعلينا بوصفنا كتاب ومثقفين أن نعود إلى التاريخ ونبتعد عن قداسة الأسماء التي اعتدنا عليها أو ثبتها لدينا الإعلام والترويج المقصود، فواقعة الحرة كشفت لنا زيف هذا النهج فمن يتصدى للحكم باسم الإسلام عليه أن يسير بسيرة الإسلام ويكشف لنا خطباء وعلماء البلاط والمنظرين له حتى صاروا مدرسة في التنظير والتأسيس لنهج أرادوه أن يكون سنة متبعة حتى اليوم.
ولا بد أن تكون هناك معالم لطريق وسطي ينتهجه العقلاء من المسلمين بما فيهم سادة القوم العلماء والمثقفين والكتاب وكل شرائح المجتمع، ينتشل الواقع الثقافي والفكر والأخلاقي مما وصم به ونشر حوله من تضليل وتسييس إعلامي، والعودة تكون مبنية على احترام الآراء التي تدعو الى الخطاب الوحدوي الذي لا يفرق بين أبناء المجتمع الواحد.