23 ديسمبر، 2024 3:11 م

جذور الإرهاب الفكري والنزعة الإرهابية في الشرق الأوسط 

جذور الإرهاب الفكري والنزعة الإرهابية في الشرق الأوسط 

من الواضح بأن العامل الذي يحد من عملية الإبداع الفكري و يقوي سلطة الرقيب عند الفرد الشرق الأوسطي ، الذي يقضي في أغلب الأحيان طول أو نصف عمرە في بلد ما بشكل إجباري لا يتمتع بالحرية والوعي بل يعيش الظلم والإستبداد والإرهاب الفكري الهادف الی إفساد كل معتقد أو سلوك باستخدام الوسائل والأساليب المعنوية التي تخلّ بأمن واستقرار البلد و تؤثر بشكل سلبي على المواطنين ، هو بذور التخلف والتردي التي يحمله الإنسان تحت طيات جلده وفي جيناته الوراثية. فإذا بالشخصية تنجب التقوقع والنزوع الی الباطنية وبالنهاية الی التخلف من الناحيتين الثقافية والحضارية.
دول شرق أوسطية تنظم وتقاد من قبل عناصر ومٶسسات ديكتاتورية لا ينشغل معظمها بحقوق الانسان والديموقراطية الا بالمقدار نفسه الذي يشغل الإرهابي السلفي ، الذي لايملك معنى ثابت او جدول عمل أو محتوى سياسي. فكيف بتحقيق أحلام الفيلسوف التنوير الألماني إيمانوئیل كانت (١٧٢٤-١٨٠٤) ، الذي جاهد بأفكاره في سبيل المواطنة العالمية والحق العالمي الشامل ومفهوم “الجماعة الكونية” و تطبيق أدوات دبلوماسية كالحوار السياسي أو الفلسفي ، التي هي في صميم كل استراتيجية دبلوماسية؟
وكم من مرات شاهدنا فيها محاولات من قبل جهات قمعية لتدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله الی ببغاء يردد مايقال له من كلام غير مفيد أو يصلي خلف “الإمام” ، يقوم و يرکع و يسجد مثله ويكرر ما يقوله ، كالروبوت (إنترنسينالسم) أو ما يسمى بالعربية بالإنسان الآلي. وهنا لا أريد أن أدخل في المٶثرات الجانبية للإرهاب الدموي اليومي المتجسد بمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم ، التي تزرع الخوف والهلع في النفوس وتجعل الإحساس المستمر بالقلق وإنعدام الأمن والأمان صاحباً ملازماً للإنسان. والمآل هو دوماً بعكس الإدعاء ، فالمجريات تفضح الدعوات و النتائج تنقض المقدمارت ، والحصاد هو تخريب البیئة الإنسانية وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة.
إن عدم إتاحة الفرصة للتعبير عن الفكر دون تردد أو قلق يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب بدءاً بإرهاب الدولة وإنتهاءاً بالإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. إن المدافعة عن الهوية والثوابت أو عن الحقيقة والعقلانية والحرية بعقلية المناضلة تٶدي الی الفشل في النضال والی خسارة القضايا.
والسذاجة هنا تكمن في أن الفرد الشرق الأوسطي ينتظر الخلاص والإنقاذ ممن لا يحسن الإنتصار إلا علی شعبه و مواطنيه ، كما أثبتت التجارب ، حيث كان الشعب ينتظر من هذا القائد أو ذاك النصر والظفر ، فإذا النتيجة أنظمة للسيطرة ومجتمعات معسكرة ونماذج للتنمية غير فعالة. ومن يحسب الهزيمة نصراً والمشكلة حلاً يقفز فوق جذور المشكلات والأزمات ، لكي يمارس طقوس الإستنكار للعدوان ولكي يصنع قيود الفقر وأدوات الرعب والملاحقة.
الفرد الغربي علی العكس منؔا يخضع أفكاره وثوابته للدرس والتحليل وبه يخلق لغات مفهومية وأطر نظرية أو مباديء إستراتيجية ، يجدد معها الوجهة والعدة أو المهمة والطريقة ، يتغير و يسهم في تغيير العالم. أين الفرد الشرق الأوسطي من كل هذا؟ 
من المعلوم من أن زوال الآثار النفسيّة للإرهاب من حياة الإنسان مرتبط جوهرياً بزوال الإرهاب نفسه ، لذا نری من الضروري أن تتضافر كافة الجهود للتّخلّص منه وذلك بإشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع ، التي أصبحت ثقافة سائدة في السياسة والدين ، والبيت ، والشارع ، والجامعة ، وفي كل نواحي الحياة وكذلك مكافحة المفاهيم السلبية الخاطئة في نفوس البشر ، التي تٶدي في النهاية الی قمع الإبداع الفكري والصمت على الظلم والفساد و إكراه الذي يريد العيش بكرامة و الحقد علی المثقف والمفكر بتكفیره.
وختاماً: “الأفكار ليست أيقونات للتعبد ولا هي متحجرات نعود بها إلى الوراء ، من ينظر الیها بهذا الشكل يساهم في إنتاج البٶس والوحشية والدمار. علينا إذن في عصر العولمة والوسائط ترسيخ مبادیء تربوية تٶدي الی التخلي من دور الإنسان المتأله أو الوصي أو صاحب الدور الرسولي النبوي، نحو الفرد البشري الذي يتعامل مع نفسه بوصفه وسيطاً لا أكثر، وذلك من منطق المسؤولية المتبادلة والشراكة في صناعة الحياة والحفاظ على المصير.”