23 ديسمبر، 2024 6:14 ص

جديلة الواقع والصورة في رواية فضاء ضيق لعلي لفته سعيد

جديلة الواقع والصورة في رواية فضاء ضيق لعلي لفته سعيد

(لا تضحك حين تجدني لا ل\أجيب على السؤال )

إن البحث في أي نص سردي لا يقتصر على ذكرى مغلقة احادية المعنى والعلاقة، بل على معانيوذاكرات وعلاقات مفتوحة لم يكن يتصورها أحد، وصياغات جديدة لقيم قد تكون معروفة لدى الجميع،لكن لم ينظر لها بوعي كافِ ومنظور مختلف، متّخذين من الرؤية التوليدية والتفاعلية مسارات قد لا تذهب بالرواية الى أقصى حدود معانيها الظاهرة، لكنها بتأكيد ستكون الاكثر انهماكا في روح المعنى ودلالاته  وطريقة نسج علاقاته .

تذهب رواية فضاء ضيق لعلي لفته سعيد، الصادرة عن دار الفؤاد ، 2019 ، في بنيتها الفنية والثيمية  لاحداث تشظي دلالي يسعى لربط دلالة اللفظ ،و دلالة المعنى بدلالة ثالثة توسع من رؤيتنا لا نفسنا .. من نحن؟ و كيف نعيش ؟وكيف نحيا في عالمنا المعاصر ؟ ولا يتم ذلك الى من خلال الكشف عن دلالة الصورة أفقيا تصوراتنا وأفعالنا اتجاه ما هو يومي ومتغير من احداث، وعموديا اتجاه ما هو مضمر وعميق ورمزي من صراعات وعقبات وجودية ومهيمنات قيمية، ومكبوتات نفسية .

يستأنف خط سير احداث الرواية عند لحظة اكتشاف محسن لما يعتقده صورة سلوى في إحدى اللوحات الانتخابية المعلقة في احد الشوارع الرئيسية في مدينة كربلاء بعد غيابها في الجزء الثاني لرواية (مزامير المدينة ) ، فقد شكل ظهورها ضمن قائمة حزبية معروفة بتوجهاتها الايديولوجية بداية الحركة الفعلية للأحداث ، حيث جاء هذا الظهور مرتبطا بصور اخرى لشهداء ومضحين من اجل الوطن أسفل صورتها وهو ما شكل صدمة عميقة ومحيرة لمحسن، أعادت الى ذهنه جميع الاسئلة التي لم يجد لها إجابات بعد.. العدالة ، الحب ، الانسان ، لذا نحن امام الخيط الناظم الذي ستنسج وفقه جميع الاحداث والعلاقات والتي تتخذ من ثنائية الواقع /الحضور ، والصورة / الغياب ، جدلية ثقافية وحركية تعكس نمط  الحياة في عراق ما بعد 2003 ، بكل مهيمناته ومتعالياته الرمزية والثقافية ،والسياسية .وهو ما جعل من مسرح احداث الرواية المكان (العراق ، ومصر)  مكاننا ثقافيا –  أي مدن ذات طبيعة فكرية وثقافية جدلية اكثر منها جغرافية وهو ما خلق روح الانسجام الفني، والموضوعي مابين عتبات الرواية الاولى (العنوان فضاء ضيق ، والغلاف صورة الرأس بلا جسد الذي اجاد الفنان فاضل ضامد  من جعله الاقرب دلاليا لروح المتن  ، والاهداء إلى .. ابي ثالثة ..العالم حكاية والتدوين أثر ) وبين معمارية بناء خطاطة المتن .

أ- الشخصيات .. محسن ، سلوى ، علاء ، حليم ، مجتبى ، كانت شخصيات ممعنة في تفردها واشكاليتها بل ان قدرتها على طرح ذاتها على الورق كانت ذات جدل كثير فاغلبهم من الطبقة المثقفةنقاد ،وروائيين، واكاديميين.

ب – اللغة .. كانت لغة السرد تسعى الى تفجير البنية الدلالية واللغوية ولم تترد في شرح المحرمات والمسكوت عنه كما اتسمت بتعددية الاصوات وتعددية الضمائر ، ووجهات النظر، الاحداث .. الصراعالفعلي ما بين المقدس .. سطوة رجال السلطة ،والمؤسسات ،واصحاب الخطابات التكفيرية ، والمدنس .. قوى التجديد والتي تمثلت بشخصية  علاء الرافض لكل أشكال الاقصاء والتهميش وثقافة الكهنوت ، ما جعلها لغة تعتمد حياة الجدل بين مكونات النص ومكونات الواقع .

ت ـ الحدث .. أن بنية بناء الأحداث جاءت عبر تذويب الازمنة من خلال المراوحة ما بين الازمنة ما قبل ، وما بعد ..  او ما يعرف بتكسير الزمن ماضي حاضر لتكون وفق منطق قائم على الجدل والحوار والتتابع الكيفي في نسج العلاقات والاحداث  لتجيب عن اسئلة محسن المتكررة عن أين العدالة ، ليكون الرد هو مقتل علاء على يد مجموعات مسلحة في احدى شوارع  كربلاء في نهاية الرواية،لتكتمل دلالات الواقع  والصورة معا.. فقتل علاء مثّل الصورة دلالية ورمزية لموت كل مشاريعالاصلاح والتنوير والتجديد التي تصنف من قبل هذه الجماعات على انها فعل مدنس من قبل انصارالمقدس ليكون جواب العدالة .. هو ما تتبناه السلطة وحراس المعبد واصحاب المصالح .

كما أن أحداث تغيب سلوى عن المشهد العام للأحداث أي وجود صوري فكري ،ونفسي (سؤال )يبحث  عن حلم الحب والامل والسلام المغيب بفعل الحروب والصراعات الدينية والمذهبية في جميع اجزاء الرواية   الصورة الثالثة ، مزامير المدينة ، كان للإجابة حجم العنف والاقصاء والاستغلال الذي يصل ذروته في رواية فضاء ضيق  التي تحمل صورة العتمة كصورة واحدة مهيمنة تفضح الموت والقتل ، والحروب وهي صورة ذات دلالات عميقة ، نفسية واجتماعية ،وسياسية (ايها الطغاة كلكم بذات المنهج وإن اختلفت ملابسكم منذ الخليقة وحتى الآن ) لذا كان خارج متن (الحلم ) مكملا لداخل المتن (الواقع )  (فتحت عيني كانت ثمة غيمة تتحرك ثمة جناحان يحملان صوتا موسيقيا .. سمعته بكل قواي قلت لنفسي انهض يا محسن فقد انقضت الساعات والحكايات .. لم يعد هناك غير واقع )