23 ديسمبر، 2024 12:55 م

جديد والحزن والالم على لغة القرآن

جديد والحزن والالم على لغة القرآن

لا اعرف من اين ابدأ وكيف ادخل في الموضوع الذي اثار الحزن والشجون والالم في نفسي على مستقبل لغتنا العريبة التي كرمها الله وانزل كلامه المقدس بها، ولكني سانقل لكم قصة واقعية حصلت معي اثناء زيارتي لاحدى الدول العربية، شخوصها ثلاثة انا والطفل “جديد” البالغ من العمر خمس سنوات واربعة اشهر ووالده الذي لا اعرف اسمه.
   كنت كعادة العراقيين عندما يغادرون بلدهم ولاي سبب كان حتى لو كانوا هاربين من دوامة العنف والضوضاء واصوات الانفجارات، اتجول في الاسواق لشراء هدايا، فشد انتباهي طفل فيه ملامح من ولدي الصغير علي مما اثار الشوق في نفسي على ولدي، فاقتربت منه لاسأله عن اسمه، لكنه لم يرد، ثم كررت السؤال، فانتبه إلي والده، فقال له اجب على سؤال عملك.
   فرد الطفل قائلا اسمي جديد، لكنه قالها بحياء وتردد وخجل، ثم بادرته بالسؤال مرة اخرى ما هو معنى اسمك؟ ومن اسماك بهذا الاسم؟ لكن الصمت خيم عليه، كررت السؤال ثم وجهت له اسئلة آخرى دون حصولي على اية اجابة، حتى أني توقعت ان لديه مشكلة في النطق، ثم بادرته بالسؤال التقليدي باللغة الانكليزية الذي يسأله معظم العراقيين (Can you speak English) وكنت في طبيعة الحال امزح، فكانت صدمتي كبيرة جدا عندما اجابني الطفل بلغة انكليزية صحيحة وبنطق رائع حتى انتابني شك بان هذا الطفل انكليزي وليس عربي، ثم سألته ايضا باللغة الانكليزية هل انت خجول؟، فرد بالنفي المطلق، ثم سألته اخرى لماذا لم ترد على اسئلتي التي وجهتها لك باللغة العربية رغم بساطتها؟، فاجاب بعفوية الاطفال لا اعرف العربية جيدا ولم يشجعني والدي على دراستها وتعلمها، لان والدي يقول لي ان اللغة العربية قديمة ويكيفك ان تعرف الامور البسيطة عنها التي ستتعلمها في البيت او عندما تلعب مع اصدقاءك في الشارع، اما اللغة الانكليزية فهي لغة مهمة وهي لغة التخاطب في العالم ويمكنك استخدامها في اي مكان في الدنيا.
   واصل الطفل جديد حديثه معي قائلا “انا احب اللغة الانكليزية الان، ولكني في الوقت نفسه لا اكره اللغة العربية لاني لا اعرف عنها الا القليل جدا”.
   سكتت للحظات وانا اتأمل في كلام جديد هذا الطفل العربي الذي لايعرف لغته الام ولكنه يجيد اللغة الانكليزية بطلاقة، قطع جديد تأملي عندما سألني هل انت خجول ؟ فاجبته لماذا؟ فقال لي لانك صامت ولم ترد على اسئلتي، ثم قال لي اريد أن اتأكد من مهاراتي في اللغة الانكليزية لاني اشعر بالفرح والسرور والبهجة عندما اتحدث فيها مع شخص يجيدها ويزداد فرحي وسروري وغبطتي عندما اتكلم مع شخص اجنبي ويشيد بلغتي الانكليزية”.
  اما انا فوقعت في حيرة من امري ثم تبادر في ذهني ان اوجه له سؤالا عن اسم العاصمة المصرية لكنه لم يعرفها ثم سألته عن اسم العاصمة العراقية؟ فاجابني بانه يعرف اسماء العواصم الدول الغربية كلها.
    تحدثت لجديد عن اهمية اللغة العربية، فهي لغة القرأن ولغة اهل الجنة، واللغة التي يحبها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما قال “احب العرب لثلاث فانا عربي ولغة القرأن عربية ولغة اهل الجنة عربية”، ثم تكلمت له بايجاز عن الشعر العربي والادب وعن القاهرة وبغداد وكيف انهما كانا في زمن الاجداد عواصم الدنيا، كما هي الان واشنطن ولندن، فاصيب هذا الطفل بالذهول لانه لم يسمع اي شيء من هذا القبيل عن اللغة العربية وثقافتها، ولا يعرف اسم اي شاعر من الشعراء العرب، بل يعرف الشاعر الانكليزي وليم شكسبير وبعض الشعراء الانكليز الاخرين، الامر الذي اثار في نفسي الاسى والالم والحزن ليس على تعلمه اللغة الانكليزية ولكن لانه لايعرف شيئا عن لغته العربية.
   بعدها ادرت الحديث مع والد جديد، فسألته عن ولده الذي يبدو نابغة، وقلت له لماذا لم تعلمه اللغة العربية أو على الاقل شيئا عنها، فرد علي ببرود، إن هذه اللغة انتهى عصرها والان عصر اللغة الانكليزية فهي لغة العلوم والتكنولوجيا والتجارة والمال، لذلك اصريت على تعليم ولدي هذه اللغة منذ الصغر، لان العلم في الصغر كالنقش في الحجر، واحثه على دراستها لكي يتقنها، حتى في المستقبل عندما يهاجر يستطيع ان يحصل على فرصة عمل وجنسية الدولة الغربية التي سيستقر فيها لاني لا اريد لولدي ان يعيش في دولة عربية فالبلدان العربية طاردة لابنائها وخاصة المبدعين منهم.
   لا اخفيكم سرا أن جواب والد جديد صدمني اكثر من جواب ذلك الطفل الصغير، واثار في نفسي الاسى والحزن والالم على واقع لغتنا العربية الجميلة لغة القرأن والشعر والادب والثقافة، لذلك اوجه دعوة إلى المسؤولين في وزارة التربية الموقرة إلى الاهتمام بمنهج اللغة العربية وايجاد اساليب حديثة لتعليم هذه اللغة للجيل الجديد من اجل ان نحافظ على هذه اللغة التي شرفها الله وانزل كتابه الكريم فيها.
   كما اناشد وزارة الثقافة الموقرة ووسائل الاعلام كافة إلى ضرورة الاهتمام بهذه اللغة الحية الغنية بكل شيء، بنشر كل جديد لكي يتعلم اطفالنا وباسلوب حديث يتلائم مع العصر، لغتهم ولغة ابائهم، وليس كما فعل والد الطفل جديد عندما اهمل اللغة العربية وركز على اللغة الانكليزية، والتي احث الجميع على تعلمها، ايضا لان الانسان عندما يتعلم لغة آخرى غير لغته فانه سيطلع على ثقافة جديدة، وبالتالي فانه سيتطور وبتطوره سيتطور بلده.
   اتمنى أن ارى اطفالا مثل جديد يجيدون اللغة العربية مثلما يجدون لغة اجنبية، حتى يذهب الحزن والالم والقلق الذي زرعه الطفل جديد في نفسي على لغة القرأن.