19 ديسمبر، 2024 1:56 ص

جدل التاريخ والمتخيل … سيرة فاطمة

جدل التاريخ والمتخيل … سيرة فاطمة

مشكلة التراث الاسلامي انه من هب ودب يكتب عنه فالعالم المحقق يكتب عنه والاحمق يكتب عنه وكل من يكتب يعتقد انه جدير بذلك ، والنتيجة ان عوام الناس التي لا تميز بين الصالح والطالح تجعل من الباطل له جماهيره ، ومهما تكن الدرجة العلمية لمن يبحث في التراث الاسلامي على اقل تقدير ليتصف بالعدالة ويبحث عن جميع المصادر الموالفة والمخالفة لا ان يتكا على حديث هزيل يجد ضالته فيه فيبني اراءه الفضفاضة على حساب الحقيقة .

وهذا ما اقدم عليه الكاتب بسام الجمل ( مؤمنون بلا حدود للابحاث والدراسات ) الغريب في التسمية ( مؤمنون بلا حدود ) على كل، ان هذا الباحث الذي جاء بحثه في كتابه ( جدل التاريخ والمتخيل .. سيرة فاطمة) مليء بالهفوات وسوء التعبير والتقدير وهو لا يتقن اصلا ابجديات البحث الخاصة بالتراث الاسلامي ؟

اختصارا في الرد لان الكتاب تضمن مواضيع عديدة وسرد عبارات انشائية ركيكة فانه توصل الى نتيجة حسب ما ذكر في الصفحة (37) بان سيرة فاطمة انها لم تكن سوى شخصية عادية ….. فلم تكن لها اي حظوة في وسطها الاسري الضيق…. او في وسطها الاجتماعي القبلي في مكة …. ولا خبر عن سبب عزوف شباب قريش عن طلب الزواج بها…… حتى اذا قيّض لها الزواج من علي بن ابي طالب فان ذلك بأخرة ـ اي باخر عمرها ـ مقارنة سن تزويج الفتيات وقتئذ ……. قد دفعه ـ اي الامام علي ـ الى التزوج عليها من فتاة قرشية ليست على دين الاسلام ( ابنة ابي جهل) …..

ويختم رايه بالقول : من البديهي الا ترضي هذه السيرة التاريخية علماء الاسلام …انتهى

بداية دعوني انصف الكاتب بوجود المتخيل ليس في سيرة السيدة الزهراء عليها السلام فقط بل لكل الشخصيات الاسلامية شيعية وسنية ولكن ما لم يكن له تجربة وخبرة فيه هو علم الرجال وعلم الحديث هذا اولا وثانيا ايمانه بالمادي مطلق ، وهذا يعني انه لا يؤمن بالروحي ، واثبات ذلك لا يحتاج الى عناء فالكرامات حصلت حتى لابسط الناس .

من خلال نتيجة بحثه الذي ذكرتها انفا لهي دليل قاطع على فوضوية بحثه والتحقق من المصادر ، فهل ان فاطمة التي تزوجت وعمرها ثلاثة عشر او اربعة عشر تعتبر كبيرة في السن ؟ فماذا سيقول مثلا عن زواج النبي من عائشة وهي بعمر (18) سنة ، من المؤكد سيستغرب من هذه المعلومة وليس هو فقط بل حتى اخواننا السنة ، ولان المؤلف ابتر في بحثه فله الحق في استغرابه ، والامر الاخر من قال لك انه لم يتقدم احد للزواج منها ؟

الامر الاخر حكاية بنت ابي جهل وضنك العيش مع الزهراء ، لا اعلم هل ان الامام علي المؤمن المجاهد للكفار يتزوج كافرة ؟ ما هذا المنطق ، واما ضنك العيش فان الامام علي هو خليفة المسلمين وهو يرقع ثوبه ونعله ولم يملك شيئا من حطام الدنيا فهذه حياته وهو الخليفة فهل يصح انه يتذمر من العيش مع فاطمة ؟

لنترك كل هذا الذي قاله وهو للاسف الشديد كثير جدا ولي سؤال واحد ومن خلاله تظهر الاستدلالات والنتائج ، اقول للاخ بسام الجمل الذي تطرق لادعيتها في الصلاة ولم يتطرق الى الخطبة الفدكية او خطبتها في مسجد المدينة وهي مفصل مهم في سيرة فاطمة عليها السلام ، هذه الخطبة التي ثبت صدورها عن الزهراء عليها السلام ولو تمعن في محتواها فان فيها الادب والبلاغة وعلم الاجتماع والتاريخ والسياسة والمنطق ، هذا باعتراف الجميع ، فالتي عمرها (18) سنة وتتطرق لاحداث وعلوم لا يمكن ان يتطرق لها ممن بعمرها وهذا اما ان ما قالته هو تسديد الهي وهذا لا يستبعد الكرامات التي حصلت لها في سيرتها او على اقل تقدير بعضها ، نعم قد يكون فيها المبالغ فيه او عدم الصحة اصلا ، او ان رسول الله وزوجها عليهما السلام علماها هذا العلم وهي التي عاشت ضنك الحياة كما ذكرت ايها المؤلف وتحفظ هكذا علوم لتصدع خطبتها فيها بشكل بلاغي تسلسلي متقن ، هذا الامر لا يمكن ان يكون طبيعي جدا ولا يصح ان تقول انها شخصية عادية .

الامر الذي غاب عن عقل الكاتب ان المؤرخين في ذلك الزمن لا يلتفتون الى سيرة النساء كما يلتفتون الى سيرة الرجال لاسيما الشجعان والشعراء ، وبالنتيجة من خلال خطبتها نجزم انها كانت مصدر تشريع للنساء اللواتي يسالنها عن ما يشكل عليهن وهذا امر طبيعي حتى في حياتنا اليوم فالنساء يسالن نساء العلماء عن ما يردن معرفته تجنبا للاحراج في سؤال العالم .    

أحدث المقالات

أحدث المقالات