لم يدهش صاحبي ما يطالعه عن التراجع في أسعار النفط ، ولم يحبطه الانخفاض الكبير في عائده ، مثلما لم يكن يفرحه الارتفاع في سعره ، لأنه لم يجن منه غير الدم والألم … ومن يبحث عن اسباب التدهور والتراجع والدمار والخراب يجد جوابها في النفط .. فهو من عرض السيادة الى الانتهاك ، وقداسة الارض الى الاحتلال .. والنفط وليس غيره من جعلهم ينظرون الى أرضنا على ( انها بقرة حلوب ، يستكثرون عليها حتى علفها ) .. وفي الوقت التي يدير النفط عجلة التقدم والبناء والنهوض والقوة في ديارهم ، ويصنعون به سلاحهم الذي يقتلنا ، أصبح سببا لبلائنا وتخلفنا .. هم يتقدمون ، ونحن نتأخر.. والسبب هو النفط …. وتلك هي المعادلة ….. ومن المفارقات أن يكون مصدر القوة ، هو سبب التراجع والضعف ، وبابا للتفكك والتشرذم ، عندما يتصور من يملك الثروة أن له فضلا ومنة على الأخر الذي لا يمتلكها ..
لقد مرت على العراق سنوات ( قحط تقني وتكنلوجي ) رهيبة ، إقترنت بفقر قاتل ، ويمكن أن تعرف قسوتها من الوسائل البدائية في كل شيء في الحياة ، وبدءا في البيت من ( اللمبة ) القديمة ، وهي عبارة عن ( بُطل ) يملأ بالنفط وتوضع داخله ( فتيلة ) من القطن ، او قطعة قماش ، أو ( عود من البردي ) ….
وكنا نتندرعلى أنفسنا ، ونتألم من الحال البائسة التي كنا عليها ،، باننا عاجزون عن صنع ( الأبرة ) ، التي كنا نرتق بها ثيابنا الممزقة ، فهي من أكثر ما نحتاجه يومذاك ، لنستر أجسادنا المتعبة ، بعد أن صعب علينا شراء الجديد.. ولم ندري أن ( صناعتها ) لم تكن بتلك السهولة التي نتصورها ، بل هي صناعة تستلزم توفر مادتها ( حديد الستيل ) ، أو الكروم ، وهي غير متوفرة في أرضنا ، وقد اشتهرت يومذاك بريطانيا بصناعة الأبر اليدوية الدقيقة ، وامريكا بصناعة أبر الماكينات .. فكيف لنا أن نصنعها ، أو نحلم بها ، ونحن بذلك الوصف المعروف ، الذي يبدو أنه لن يفارقنا ( إن لم نغيرما في أنفسنا ) ..
لكن مما يدعو الى العجب والاستفهام ، أن تلك الحال التي كنا عليها يومذاك من ( التخلف الصناعي ) لا توازي ما ننتجه من غذاء وفير يكفي أن يملأ سلة العائلة ويفيض ، لكن مع ذلك كان الجوع يقتلنا !!..
وكان لخير الارض الكثير من الزرع والشجر ، جعلهم يطلقون على العراق أرض السواد ، وذلك لشدة الاخضرار الذي يراه الناظر من بعيد ( سوادا ) ..
ذلك هو التفسير الذي تعلمه ( صاحبي ) لأرض السواد ، وتلك معادلة يصعب عليه فك رموزها بموجب ما يراه في الواقع المعاش ..أو يجد تفسيرا مقتعا عندما يسمع ذلك التوصيف المتوارث للارض المعطاء ، وكيف له أن يقتنع بذلك ، أو يفهم ذلك التناقض ، بين حاله وما هو عليه من فقرمادي ، وتخلف تقني ، وبين حال من قرأ عنهم ، بأنهم أهل الرخاء ، وليس البلاء ، وأهل الفكر والثقافة والعلم وليس التخلف والجهل .. وبالتالي أختلت المعادلة لديه ، ولم يصل الى التفسير الصحيح .. فكيف به وقد أصبح ( الأسود ) هو اللون الطاغي ، لكثرة ( المصائب والاحزان) والمشاكل والازمات ؟!..
وكيف له أن يقتنع بما قرأه ، أو يدعي الخير لنفسه ، وقد توارث الفقر عن أبيه وجده ..؟؟ .. ويتساءل ..لماذا لم يظهر عليهم ما يدل على أنهم أهل خير عميم .. ؟؟ .. لم يجد تفسيرا لما هو عليه .. !! فهل أسقط حالته ( البائسة ) على قراءته للتاريخ ، وتتبعه بعيون متعبة ، أم تلك هي الحقيقة …؟؟ وهل كُتب عليه أن يلاحقه البؤس والشقاء عبر الأزمنة ، الى أن وصل الى عصر النفط الذي أسموه ( الذهب الاسود ) لغلاء ثمنه ، وإرتفاع قيمته التي تساوي قيمة الذهب الاصفر ، ولكنه هو الأخر ، بدلا من أن يعود عليه بالفائدة ، وتغيير وضعه نحو الافضل في المجالات كافة ، أصبح وبالا عليه ، وشرا على بلاده .. وعائده على الجميع دما يجري ، وموتا ودمارا وإحتلالا …
فهل يحق له أن يحلم بالذرة ، وهو عاجز عن صنع الابرة ..!؟.. هكذا رايت صاحبي وهو يطالع نشرات الاخبار عن بورصة النفط ، ولذلك لم يعنيه سعر النفط ، أو يعني له شيئا … إرتفع أو انخفض ..زاد الانتاج ، او انخفض إذا كانت حالته ثابتة على خط الفقر …
والمؤشر لديه هو تغيير حالته نحو الافضل …. وهل يتحقق الافضل ، ونحن لا نزال في جدل البيضة والدجاجة وايهما اسبق ، والحراك على موقع الوزير يدخل البلاد في أزمة وخلاف وانقسام .. وايهما افضل أن يكون من التكنوقراط ام (السياسي قراط ) .. فمتى ندخل عالم الذرة ، اذا كنا لم نصل بعد الى مرحلة صناعة الابرة ، وهي ليست بذلك التعقيد اليوم ، أو نحسم امورا هي من الف باء فن الادارة ، وفي غاية البساطة والوضوح ..؟..
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم …