ليس هناك ما يغري في دخول السجال حول امريكا , ان كانت دولة صديقة محررة ام استعمارية محتلة ؟؟؟ , التاريخ العراقي الحديث يحمل بصمات اطماعها منذ دخول قطارها مشحوناً بحثالات البعثيين والقوميين العرب والكرد وفتوات مراجعية تحت الطلب , حيث الأنقلاب الشباطي عام 1963 , امريكا ومروراً بالأبادات الوحشية وقسوة الحروب والحصارات والقرارات المجحفة لمجلس الأمن , اذلت العراقيين واجبرتهم على الأستسلام وقبول احتلالها عام 2003 على انه تحرير , ولم تكن صفقة انزالها الداعشي في اربيل والموصل ومحاولة الزحف الى بغداد في 10 / 06 / 2014 , الا لاغراق العراق بدماء اهله ووضعه مستسلماً على طاولة مشروعها للتقسيم والقسمة وهي تتنافق بدعواتها لوحدة العراق .
امريكا التي لا يعنيها من العراق والعراقيين , سوى مجاميع السفلة والخونة والدلالين, تلك الحثالات التي استذوقت السلطة والثروات والعمالة معاً , ولم تكن المجازر التي ارتكبتها امريكا بحق العراقيين بدم بارد , غائبة عن الذاكرة العراقية , الجدل حول امريكا ان كانت نعمة او نقمة , فيه من العبثية ما تستفز المشاعر الوطنية وجرح اضافي لا مكان له بين زحمة الطعنات النازفة في الجسد العراقي , الأمر مخجل واللجاجة فيه تثير الأستغراب , الا اذا كان الأمر … ( لا سامح اللـه .
ربما يتوهم البعض , بمقدورهم اقناع القراء , ان امريكا قد تغيرت عنها بعد الحرب الباردة , واصبحت ( جمعية خيرية ) تعد لشعوب العالم والشرق الأسط منها بشكل خاص , طبخة للحريات الديمقراطية دافئة ( ساخنة ) وسايكس بيكو على مقاس احجامها المستحدثة , انها وبعد محرقة البعث لخمسة عقود ودفع العراقيين فاتورة اكمال الفصل البعثي لمشروعها , بادرت لتحريرهم محبطين مستسلمين لتضع مصيرهم دولة ومجتمع على طاولة الأنهاك والتجزءة والتقسيم عبر قانون المحاصصة بين الطوائف والأعراق المحلية , بدأً بمجلس الحكم الموقت , ثم مسلسل حكومات مصابة بفقر الوطنية , تتحكم في سلوكها ملفات فساد وعلاقات ارهاب , حتى اصبحت المنطقة الخضراء قاعدة سياسية, تتحكم السفارة الأمريكية بادوارها المبرمجة مباشرة .
امريكا لا تستطيع التذاكي على العراقيين , لكنها استطاعت ان تضع مصيرهم ووعي حراكهم وردود افعالهم بيد حثالات من الجهلة والمتخلفين , بجهد امريكي وتواطيء ومشاركة محلية , اجتاحت دواعش انفسنا وشركائنا المناطق الغربية وكركوك والمتنازع عليها !!! , كان دور الأقليم ( الأمريكي ) التوسع جنوبه لفتح ثغراب قاتلة في هيبة الدولة وارباك المجتمع , مجازر مروعة ارتكبت بحق المسيحيين والأيزيديين والشبك وشيعة التركمان , ولوثت وجه التاريخ بجريمة سبايكر حيث قتل واخفاء اكثر من ( 1700 ) شاب , امريكا كانت تتفرج على سير المجازر , تعد شروط المقبولية والشراكة الحقيقية والأجماع الوطني على حكومة قادمة مرحب بها من قبل انظمة الأختراقات الأقليمية , مفصلة على مقاس الأربعة سنوات القادمة لمشروعها , حتى وان تطلب الأمر سحق الدستور والأنقلاب على الديمقراطية واغتصاب الأستحقاق الأنتخابي, ثمهيداً لأقامة قواعد عسكرية نوعية على جغرافية الثروات النفطية في الجنوب العراقي .
اثارة الجدل حول المشروع الأمريكي , استفزاز بكل المقاييس , يسيء الى الحقائق ويخدش مشاعر العراقيين ويستنزف الوعي المجتمعي ويسفه قناعات الرأي العام العراقي , يحاول البعض ان يستغفلوا القراء بمصطلحات ونصوص ضبابية غير موفقة , منتقات بعشوائية , يعتقدون انها ستساعد على تمرير ما يرفضه الذوق العراقي , سرعان ما يستيقظوا على عزلة وهامشية وجزر معنوي على صعيد العلاقة مع القراء , تماماً كما تعرى مستثقفي سفرة المدى للمقاول فخري زنكنه .
العراقيون يحترمون وعيهم وتجاربهم وكذلك ضحاياهم وشهدائهم, انهم لم يخلعوا بعد سواد الحداد على ضحايا سبايكر وشهداء وسبايا المسيحيين والأيزيديين والشبك وشيعة التركمان , ولم يعثروا على رفات الضحايا ليؤدوا واجبهم في التعبير عن وجعهم في الوداعات الأخيرة بما يليق بمفقوديهم , تلك الكوارث التي مثلها على مسرح المشروع الأمريكي , دواعش الأكراد وبعث انفسنا وخوارج الشيعة , لم تحرك ضمائر الفاعلين الا بعد ان اقتربت حرائق اللعبة من عاصمة اللعبة اربيل الصفقة , على كل كاتب اوسياسي وطني الا يدخل ـــ عمداً او سهواً ـــ على خط ارباك وعي الشارع العراقي واثارة ضباب الفوضى وخلط الأوراق واشغال الآخر في سجالات لا تمت بصلة الى الهم الوطني .
البعض لا يفرق بين المانيا ويابان الحرب العالمية الثانية ثم الباردة , وبين العراق الذي ورطته امريكا بدموية النظام البعثي , ثم افتعلت مساعدته ( احتلاله ) عام 2003 لتقفز به الى محطة خطيرة على طريق مشروعها , حيث التجزءة والتقسيم وفرض الوصاية عليه , دولة ومجتمع وثروات وسيادة , ودفعه بأتجاه الأستسلام لقبول اقامة القواعد العسكرية ليتمدد مشروعها الى الجوار , كما لا توجد الآن حرب باردة وهي القطب الأوحد المسيطر على مقدرات شعوب العالم , كما انها ليست بحاجة الى قواعد عسكرية , وهي التي تطوق العراق بعشرات القواعد في الخليج وتركيا والأردن , اضافة الى قاعدتها الأهم في الأقليم الكردي , وقد تم تسليح قوات البيشمركه بأحدث الأسلحة على حساب استقرار الدولة العراقية , نستطيع التأكيد هنا , على ان سلوك القيادات الكردية العشائرية , يعبر عن تبعية ترسخت روحياً واخلاقياً عبر تاريخ خدماتها وخدمتها للدولة العثمانية , تؤديها الآن لأمريكا ولكل من يطرق ابوابها , انها اداة للأستعمال الخارجي, عقدة سوف لن يتحرر منها المجتمع الكردي, وسيدفع العراق ضريبتها دماء وارواح واستنزاف دولة وسيادة وثروات واستقرار مجتمع , ولا يبدو للأنفراج افق على المدى القريب .
العراق بكامله , اصبح الآن قاعدة عسكرية وسياسية امريكية بأمتياز غير مسبوق , وقد عززت قبضتها عبر ثلاثة رئآسات رشحت عبر صفقة مشبوهة خذلت العراقيين وافرغت حاضرهم ومستقبلهم من ابسط المضامين والضمانات الوطنية , سلطة تشريعية يشكل اغلبيتها دواعش الأشقاء والشركاء , سلطة تنفيذية تترك ختمها على الجاهز , الأربعة سنوات القادمة ستكون عجاف ومحنة العراقيين ستتضاعف , هنا على كل كاتب وطني , ان ينحاز الى حق ومصالح شعبه ووطنه , وتجنب وضع السم في عسل القضية العراقية , فأمريكا قد اضافت اليه ما يكفي من الدم العراقي .
هنا نرجو الآ يفسر الأمر على اننا نترحم على صدام حسين ونظامه الدموي, كان مجرماً طائفي عنصري وعميل سافل , لكن الوضع الراهن لم يكن هو البديل الوطني الذي كان العراقيون يحلمون به , وربما سيكون الأسوأ .