مواقع التواصل عموماً حديثة الظهور. فيس بوك مثلاً, (2004), يوتيوب, (2005) والمواقع الأخرى ظهرت تباعاً. هذه السنوات التي تحسب على عدد الأصابع, تعتبر قليلة جداً, ولاترقى لمستوى تكوين عادات جديدة, تتناسب مع هذه الوسائل التي إقتحمت حياتنا بقوة. خصوصاً ان إستخدامنا لها لم ينشط ألا في السنتين الأخيرتين.
وهي ككل الأشياء التي في عالمنا, لها سلبيات وإيجابيات, أو كما تمثله القاعدة الفلسفية التي تقول: يولد الشيء ويولد نقيضه معه. هذه النقائض, يمكن ان تتعلق بالشخص نفسه, أو بطريقة تعاطيه مع هذه الوسائل.
وعلى الرغم من أن الجلبة أكثر ما تثار في محيطنا عن سلبيات هذه الوسائل, ألا ان التعاطي معها وطريقة إستخدامها تكشف يومياً عن إيجابيات كثيرة, لاتدرج بعقلانية في ملافظ الناس. ومن وجهة نظري هناك الكثير من الإيجابيات المتلازمة مع بعض السلبيات:
– فهي تسهم في إذابة الفوارق النرجسية بين الناس في مجتمعاتنا الشبه طبقية. حيث مازلنا كأفراد, نبحث عن المركز الشخصي والتصنيفي المرموق, والذي يمكن ان يشار لنا على أساسه بنقطة تجعلنا أعلى من أقراننا. أو هي تساهم في كسر الآصرة الشخصية, أو القشرة الصلدة التي يسعى الفرد للتجلبب بها لكي يمنح دمغة التميز, في الحياة الواقعية. حيث يجد الفرد نفسه مضطراً للتواصل مع الآخرين, ولو عن طريق المجاملة, ليحظى بتواصل الآخرين معه. وهي جاذبة لدرجة ان أغلب من حاولو مغادرتها فشلو في ذلك, وعادو بعد فترة قصيرة. مع ذلك هي ساهمت في تكوين نرجسيات جديدة, داخل هذه الوسائل.
– أنّها تمتاز بميزة التداول السريع لمايجري في الواقع, بغض النظر عن صحة الخبر او عدم صحته. ويبث البعض شكواه بحجة ان عملية التداول هذه سلبية فقط. وتبدو هذه الشِكايات والتذمرات طبيعية, لحداثة هذه الوسائل, خصوصاً أنّنا كنا متحجرين ومعزولين عن العالم لمدة تزيد عن الثلاثين سنة. ننعم بالهدوء, ونرفل بالركود الخبري. قد يكون مستوى التداول على هذه الوسائل طبيعياً في هذا العصر, وتكمن المشكلة في الجهات والأشخاص التي يستهدفها هذا التداول, والتي عادتاً ماتكون سُلحفية, وغير كفوءة, في وضع حد لهذه الأخبار. فالإنسان يبحث عن مايشبع فضوله !.
– غيرت من الشكل التقليدي لإمكانية ” البَحّلقة ” على هذا العالم. لم يعد التلفزيون أو المسرح أو غيرها من الوسائل الجمهورية القديمة هي الوسائل الوحيدة للحصول على إمكانية الحديث مع جمهور عريض. ففي هذه الوسائل: إصنع طريقتك وأجذب الآخرين, وليس الذنب على أحد إذا لم تتمكن من ذلك.
– صَنعت مد إعلامي جديد خارج فلك الحكومات والدول, ويمكن ان تستخدم للضغط عليها. وهذا واضح من الثورات التي حصلت في العالم العربي, ومن إستخدامها في كشف الفساد الحكومي. مع ذلك يمكن ان تستخدم من قبل الحكومات أيضاً للتأثير, ولكن بفرص متساوية تقريباً مع الأفراد. كما تستخدم للتشهير أحياناً.
– كَسرت حاجز الخوف المزروع في داخل الفرد. ذلك الخوف الذي قال عنه الدكتور علي الوردي, أنه أنشأ الإزدواجية في شخصية الفرد العراقي, نتيجة للقمع المتواتر الذي ناله الفرد من قبل مختلف الحكومات. فنشأ لدينا فرد لايهتم بالشؤون العامة, لأنه يعتبر ذلك جالب للأذى الشخصي, ولسانه حاله يردد (ياهي مالتي), كما يذكر الدكتور. هذه المواقع سهلت العملية كثيراً مع ان الفرد لم يتغير كثيراً, ولكنه تحرر اكثر من مجال الخوف. حيث أصبح بإمكانه أن يدخل لهذه الوسائل وهو منبطح على فراشه, ويقول مايريد وهو متحرر من أي سلطة في لحظة القول. الأذية يمكن ان تلحق به بعد ذلك. أي انها لم تعد آنية كما في السابق. هذا هو الفرق.
– أتاحت الفرصة للبحث عن الوسط الذي ينتمي له الفرد ويتوافق معه فكرياً. وساهمت أيضاَ في تخريب علاقات كانت قائمة أصلاً. حيث أصبح الفرد يدلي بأفكاره داخل هذه الوسط المفتوح, والذي يضم في الغالب الصداقات والمعارف الشخصية. وبحكم كوننا مجتمعات تخشى فضيحة الذات, وتؤمن بالعين, وتعادي الفكرة التي لاتستسيغها, يُحجِم الكثير من الأشخاص من التواصل مع صاحب الفكرة الذي يعرفونه في الواقع, وهو أمر ساهم في حلحلة الكثير من العلاقات على أرض الواقع. لذلك هو يساهم وتدريجياً في تكوين قناعات تواصلية جديدة تتناسب مع هذا العصر, الذي يعتمد على الكشف والرأي الآخر.
– أنها أصبحت منتديات مزدحمة لعرض المنتج الفكري الشخصي. يرتادها الكثير من الكتاب والمفكرين, والإختصاصين في المجالات المختلفة. يستعرضون فيها ماتجود به قرائحهم الشخصية. مع ان البعض منهم يشتكي من ان هذه الوسائل جعلت فرصهم متساوية مع المغمورين. ولا ينكر أحد أن بعض المغمورين تفوقو على الرواد في هذه الوسائل.
– ساهمت مواقع التواصل, وبدرجة كبيرة, بجعل الفرد ومن ثم المجتمع – الذي يرتادها – يعي ذاته بصورة اكبر. فمن ناحية, أصبح يطلع على تجارب ونجاحات المجتمعات الأخرى بصورة أسهل, ويقارن ذلك بوضعه. ومن ناحية أخرى, أصبحت إمكانية معرفة الهمّ العام أيسر. وهي حلت, وإلى حدٍ ما, محل التجمعات المكانية, التي أصبحت خطرة وغير مأمونة, بسبب الإرهاب, والتخوينات الحكومية التي تنظر لكل تجمع بعين الريبة. ولكن وبالتأكيد لايمكن لهذه الوسائل ان تحل محل الفعل على الأرض.
– مَكنت الجمهور الذي يستعملها من إعادة تعريف الأشخاص المشهورين في الواقع وإعادة تعريفهم أيضاً. عن طريق تتبع منشوراتهم اليومية, حيث تمتاز هذه الوسائل بالتحريرية. وبغض النظر عن صفاتهم وعنوانيهم, سياسيين, كتاب, كيانات مختلفة التوجهات وغيرهم. حيث أدت هذه المواقع لسقوط العديد من الشخصيات أو إرتفاع شأنها , بسبب إطلاع الأفراد على أفكارهم عن قرب. كما حصل قبل فترة مع نائب في البرلمان العراقي, حيث قام بكتابة منشور إنفعالي يتهجم في على جمهوره !.
لاننكر بان هذه الوسائل ساهمت أيضاً بنشر الإحباطات على رقعة بشرية أكبر. ولكنها, وفي كل الأحوال نعمة, قد تساوي نعمة إكتشاف الكهرباء, لكل باحث عن النور !.