23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

جدلية الفتن وماهيتها

جدلية الفتن وماهيتها

“مجابهة الباطل ونقده ليست فتنة ، وانما الفتنة مناصرته وغض الطرف عنه”
يتبنى بعض المترددين او الجهلة وأحيانا المتعمدين دورا ليس واقعيا ظاهره خدمة المجتمع وحمايته ، وحقيقته ونتيجته عكس ذلك غفلة او قصر نظر ، وذلك هو دور المناداة بعدم إثارة الفتنة او تهييجها ، فيتراجع أهل الحق عن حقهم تلبية لهذا النداء السليم، او يسبت مناهضي الباطل والانحراف متوهمين باولوية هذا الطلب الحكيم ، بينما الأمر ليس كذلك ولايجري على هذا النحو،،
فليست الفتنة في ان ينتقد المصلحون او العقلاء باطلا او انحرافا يضر بالمجتمع او الدين ، بل الفتنة في أن يترك اولئك المنحرفون يفعلون مايشتهون او ماجندوا لأجله دون رادع ، فاذا رأيت من يدافع عن المخطئ او المنحرف او المتجاوز بداعي وأد الفتنة او عدم إثارتها فاعلم ان هذا المتكلم او المدعي السلم والعافية هو رأس الفتنة بل هو الفتنة بعينها سواء قصد ام لم يقصد ، درى ام لم يدر.
فالفتنة لاتكون عندما يتصدى رجل مصلح او جهة مسؤولة او عالم او مثقف او خبير لقضية خاطئة او جدلية دائرة او تصرفات مثيرة او مبلبلة او منحرفة يراد لها ان تشيع وتنتشر وتصبح حقيقة مقبولة وواقعا جديدا مفروضا يجب التعايش معه اجتماعيا أو دينيا أو ثقافيا ، وانما تحصل الفتنة عندما يثار مثل هذا الانحراف المخالف للاعراف او الدين او القيم التي تعاهد عليها الناس او عندما يساء لقيمة او معتقد يهم مجموعة كبيرة من الناس في مجتمع مسالم متجانس متعايش ثم يسكت عن ذلك ويمر مفتعلها مرور الكرام أو يجد من يناصره ويسانده ويدافع عنه متمسحا ب “الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها” ،
نعم لعن الله من أيقظها فبادروا الى وقفه ومعاقبته وصده وعزله والحؤول بينه وبين مرامه ومرام من وراءه ، فهذا الذي ايقظها وامثاله يوقظونها ، فلا بد من رأي عام ومجابهة واسعة ولابد ايضا من قلع لجذور الفتنة ممن بيده الأمر او قادر على التأثير معنويا او فعليا قبل ان تنتشر ووأدها قبل ان تنمو وتكبر ، وهذا يكون بالعودة الى اصل من ايقظها وقطع دابره وليس بلوم من يتصدى له ويعرونه ويكشفونه ويطالبون بمحاسبته ،
فلو كانت الامور تجري بهذه الطريقة لما بنيت دول ولاتقدمت اقوام ، فاذا سكت الناس عن سفهاء الناس ومخربي دنياهم ومستفزي سلمهم والمعتدين على عقائدهم علنا ودون حساب ، لما وصلت المجتمعات الى الرقي ولا ساد القانون ولا عم السلم والامن والرخاء . فألجِموا المنحرف لانه صانع الفتنة او المأجور لإثارتها فان كان فعل ذلك من عنده او للوثة في عقله او لجهل وخرق في عقيدته فعقابه سيردع غيره ويطفئ ماتدعون انه “فتنة توقيتها مقصود” ، فإذن علاجها بترها ووقف الذين باؤوا بها ، وليس لوم الذين يتصدون لها ، فهؤلاء يمثلون المجتمع كله بينما يمثل المنحرفون صانعو الفتنة او المنادون بالسكوت عنها ثلة صغيرة مأجورة او جاهلة او مغرورة لا ينظر الى شانها أمام شأن العامة والجمهور والسلم الذي هو أكبر منها و أولى و أهم.