لا موجب لإلقاء كلمة المؤلف في الظلمة التى تسبق العرض إن لم يمنحها فولدر العرض حيزا فيه ، ولا أهمية لتنويه أدرجه مؤلف مسرحية موسومة بعنوان غرائبي لا يجد صداه إلاّ في هاجس المؤلف نفسه ما دام التنويه لا يمس أحداث المسرحية الواقعة على سبيل التمويه في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد ، أي قبل استلام الموقر اورنمو الحكم بسبعة ألاف عام ، وليس ثمة من سبب عدا ذلك الهاجس إلى أخذ الحيطة والحذر بوجوب مراعاة الظروف الأمنية والأخلاقية التي توجب اقتصار حضور عرض المسرحية على بعض المشاهدين من السادة وكبار موظفي الدولة وتجار الطبقة الأولى ومن هم بدرجة مصفق وهتاف وشاعر مع شخوص التجسيد الوهميين وغير الوهميين كالبطل المحوري ، أعني الرجل بحضوره المحرك لأحداث المسرحية وزوجته المتقاطعة معه إلى جانب الشعب ( الكومبارس ) الذي لا يحرك ساكنا في الأحداث ناهيك عما ذكر من شخوص لم يحضوا بتجسيد لهم في طيات النص أو ثنايا عرضه كالشعراء ومنظمي الاحتفال وكبار رجال الحكومة وال
( لاشيء ) ؟!..
الذي جرى إن شوقي كريم حسن أضاء لنصه المسرحي ( جدران منتصف الإجابة ) بطريقته السردية كقاص واصفا بإيحاء أحداث النص بظروفه الزمكانية التي تقع في ساحة فارغة بدلا عن بلاط يتصدره كرسي ملكي . كرسي مصنوع من افخر الأخشاب وأغلاها ثمنا.
يكاد هذا الكرسي أن يشكل طرفا في الصراع المسرحي بالضد من نزعة الرجل بما يحويه من أوجه متقاطعة فهو البديع كبير المقام المتسيد للكون أو العاجز عن أن يكون ربانا و (السافل ) الذي يحيل الإنسان مسخا والخاطئ بما يميت الإنسان ، لكن الجلوس عليه يجعل جالسه متخذا للقرارات المهمة التي تستحوذ على أرواح الآخرين ( القرارات المهمة دون كراس مهمة لا تجد نفعا ) مما يدعو الرجل للجلوس عليه في سعيه لان يكون على قدر من الأهمية ، وهو الرجل الذي لا يعدو أن يكون إنسانا بلا مقومات لا يمتهن سوى إزالة الغبار عن كراسي السادة ، كاسرا حاجز الخوف لديه ومحققا لنزعة أن يكون كرسيا لا رجلا فيحفل بالأنصار من التابعين والمطيعين والهتافين له بكلمة ( يعيش ) على العكس من المتصدين له بكلمة ( يسقط ) . حين يتحقق له مثل هذا الجلوس يعد بتلبية حاجات أنصاره مقابل دفعهم لمقاتله معارضيه في حروب ينتهي فيها كل شيء . وعندما يشعر بموت الإنسان في أعماقه يصرخ في لحظة صحو خاطفة إن خذوا ما تشاؤون وأعيدوا لي حياتي ، ولكنه يتشبث بالكرسي أمام رغبة زوجته في مناصفتها إياه باعتبارها امرأة قادرة على ترويض الأمواج المحيطة بالكرسي بكل الهدوء واليسر ، مما يدفعها في النهاية إلى قتله لتفوز بالكرسي مشيرة إلى أن الصراع في المسرحية لا يعدو عن كونه عائليا لا يرقى إلى قيمة الصراع المتمخض عن الدراما الشكسبيرية ذات الابهة العالية . ولهذا تمنيت أن ينتهي العرض عند صرخة الملك ( خذوا ما تشاءون وانقذو لي حياتي )
لقد اغفل الصراع ما يمور به الواقع العربي الراهن المشكل ربيعا ذا قبضة تقمع الدكتاتوريات البغيضة مكتفيا بكومبارسية الشعب دون تصنيعه كقوة فاعلة باتجاه تحقيق الآمال العريضة . والأدهى أن تركز المعالجة الإخراجية على حذافير ثيمة المسرحية دون النفخ بقيم تتصدى لمفهوم الدكتاتورية واشكالياتها التي تمس جوهر الواقع وتفاصيله اليومية التي تدعو إلى الانتباه والتحدي .
بدأ العرض بمشهد غرائبي مستل من عرض مسرحي للمخرج المرحوم ناجي كاشي متمثلا بحركة بساط تم فرشه على الأرض كي يخرج منه الممثل كما استعار العرض أيضا بعضا مما حفلت به تلك العروض الغرائبية لذات المخرج كاعتماده على نموذج البطل المحوري ذي السلطة المطلقة ( الملك ) وتكديس القطع الديكورية واستخدام الإكسسوارات وتشغيلها كشفرات ذات دلالة وعدم الاهتمام بالأداء التمثيلي . إذ لم يدخل الممثل في اهاب الشخصية التي يجسدها لانعدام الرقابة الصارمة على أدائه مما اخل بإيقاع المسرحية وصولا إلى حالة من الرتابة تم كسرها بين آونة وأخرى بفعل غير إنساني ، عدا مشاهد الرقص الإيمائي التي جسدها الممثل عبر حيوية فائقة وطول يافع وجسد تم تطويعه مع أنغام عزفت حية على آلة رافقت العرض من بدئه لمنتهاه ، ولكن الممثل هنا لم يمتلك أدواته كالقدرة الصوتية والخيال والوعي ببواطن الشخصية ومحاولة تجسيدها بطريقة معبرة . وهذا ما ينطبق مع حال الممثلة التي ألقت معه الحوار على عواهنه فلم تمس شعورا أو تعبر عن إحساس وتحركت على المسرح بطريقة سائبة لم تنم عن مواجهة حادة أو صدام . ناهيك عن رسم حركة الكومبارس بتكوينات مدرسية وبأزياء تحدث إشكالية إذ إن المجموعة البيضاء منهم تنادي ( يعيش ) بينما تتلفع بالسواد تلك التي تنادي ( يسقط ) والمعني بذلك الملك الطاغي والمتجبر. وكان الأجدر العصف بهذا التعبير الايقوني الذي عفى عليه الزمن بجعل الشعب يرتدي طيفا من الألوان المختلفة.
كادت الرتابة المملة أن توقع العرض بالضربة القاضية لولا كسرها باللوحات الراقصة وبمشاهد أبرزت حركة قطع الديكور عبر تكوينات جمالية دالة منحت هذه القطع كفة صراع غير متكافئ مع طرف آخر ضعيف يتمثل بفعل الإنسان داخل نسيج العرض .
لا أهمية للمرجعيات الفنية إذن إن لم ننطلق منها لبناء صرح إبداعي خالص لن تكبله تلك المرجعيات .
جدران منتصف الإجابة عرض مسرحي قدمته الفرقة المسرحية في تربية المثنى ضمن المهرجان المسرحي الثالث لفرق التربيات المنعقد في البصرة للفترة من 20 -29 | 2 |2012