ازعم بأن السنوات المقبلة فيما لو يبقى الوضع هكذا يتردى نحو الاسوء، ولن نشهد الكثير من حرية التعبير او ممارسة الانتقاد بشكل عام، بعد ان يتم توجيه تهديد مستمر لكل شخص لديه صفحة رسمية في مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الانحدار الهائل في المنظومة القيمية التي نخرها الفساد مثلما نخر مؤسسات الدولة واصابها بالعطب.
ثمة توجه هائل لازاحة كل تلك المساحات الممكنة التي تتمتع بها الناس لايصال أصواتهم او التعبير عما يجول بدواخلهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل الثورة الالكترونية الهائلة التي تجتاح العالم، ثمة امثلة بارزة لمظاهر القمع التي يتعرض لها ناشطون ومدونون بشكل مستمر، بسبب الجدران التي تضعها الاعراف والقبيلة، الى جانب الجدران التي تضعها السلطة امام منتقديها.
وربما سنكون مجرد اغلبية صامتة اخرى، ننضم الى القطيع الكبير الذي يهتف من أجل كل شيء، في الوقت الذي لا يريد ان يتحرك من اجل ان يستعيد حقوقه التي سرقتها احزاب السلطة منذ سنوات اعلانها عن ضياع حقوقها في سنوات الجهاد المزعوم الذي كانت تتحرك من خلاله.
سنوات طويلة ونحن نقارع كل اشكال الخوف والموت في بلد لا يرسم مستقبل واضح لابنائه ولايضع اي خطوط كبيرة من اجل السير عليها، هكذا نرى الحياة في العراق، مثلما ننتظر “ان ينتهي النفق حتى يأتي نفقا اخرا” لا ان نرى النور الذي نأمل ان يأتي اخيرا ونشعر بأننا نحظى بكرامة مثل باقي شعوب العالم.
لاتزال تجربتنا مع الديمقراطية وحرية التعبير خجولة وهي لا ترتقي للتجارب العالمية للشعوب التي استطاعت ان تتجاوز كل مشاكلها فيما يتعلق بالدين او الطائفة او الحديث عنها، تحتاج الى سنوات طويلة، كي نفهم بأن الطريق الصحيح الذي من المفترض ان نسير عليه هي الديمقراطية والتعددية في ظل بلد مترهل مثل العراق.
قفزات نوعية حققتها شعوب بسيطة في مجال العلم والمعرفة والرياضة، بينما نحن هنا لا نزال نخوض نزالات مستمرة من أجل الظفر بحرية ممكنة، بمواجهة رجال بلا قيم ولا مبادئ، شعارهم التصفية لكل من يقف امامهم وهم يحملون صفات القدسية والخطوط الحمراء.
المساحة البسيطة التي ندخل من خلالها نحو العالم بواسطة التواصل الاجتماعي، تكاد ان تضيق علينا، بعد ان تحول الرأي المخالف والانتقاد تهمة، وعلى من يتصدى لأي موقف ان يتحمل كل ما يحصل له، ونحن امام قوانين مفخخة لا نعرف متى تكون معنا او تكون علينا.
السلطة والقبيلة والعرف الاجتماعي، قيود تطاردنا بشكل مستمر، وهي بشكل او بأخر تحمي الفاسد وتقف بجانبه، وهذه الحالات تتكرر ، دون ان تكون هنالك نهاية حقيقية لهذه المهزلة، وهي نتيجة منطقية للخراب والدمار الذي لحق به، والامر لا ينطبق على الجميع بالتأكيد، لكن تبقى مشكلة كبيرة من الصعب حلها في الوقت الراهن.
لا احد يمكنه التنبؤ بمستقبل ممكن لنا، نحن الذين نحاول بأبسط الاشياء ان نضخ جرعات من الوعي للاغلبية التي تخشى الحديث عن حقوقها، مهمة شاقة وطويلة من اجل ان نقف على الطريق الصحيح ولو لمرة واحد وان نكشف الاشياء على حقيقتها مرة اخرى.
الكرامة الحقيقية التي من المفترض ان نحظى بها، هو انه يجب ان نتوقف تماما عن صناعة خطوط حمراء واضفاء صفة القدسية على من يسرق البلاد والعباد بأسم الدين وبأس الله، نحصل على الحقوق بالشكل الطبيعي حالما نتوقف عن البحث عن مصالحنا الخاصة والامتيازات المشبوهة وان نكون على قدر المسؤولية في التفكير نحو بناء بلد حقيقي خالي من كل هذه الاوبئة التي يمتلئ بها، والتي يجب ان تحتاج الى مضادات وعي تمحي كل اثار القيود والخوف التي تحيط بنا.