19 ديسمبر، 2024 6:47 ص

جدار ترامب، أزمة تمويل بخلفية سياسية

جدار ترامب، أزمة تمويل بخلفية سياسية

أزمة حادة بين البيت البيضاوي والديمقراطيين على خلفية تمويل بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك.

الخلاف اندفع قبل أكثر من شهر باتجاه التحدي بعد لقاء عاصف وصفه الإعلام الأمريكي بالتصادمي بين ترامب وغريمته الديمقراطية المخضرمة “نانسي بيلوسي” وزميلها “تشاك شومر”، نتج عنه قرار رئاسي بتعطيل جزئي للحكومة

(The partial government shutdown) كان حسب رأي ديمقراطيين “نوبة غضب” أكثر من كونه قرار..

وللذي لا يعلم ما طبيعة القرار، هو إجراء يتخذ عندما تخفق الرئاسة أو الكونغرس في تمويل مشاريع للحكومة في الميزانية الفيدرالية (The federal budget).

ويتبع ذلك إقفال مؤقت لعمل بعض المؤسسات الحكومية ومنح موظفيها إجازة إجبارية قد تكون غير مدفوعة الأجر في إطار إدارة طارئة للمصروفات لحين التوصل لتسوية تتخطى مخاطر العجز عن سداد فواتير ومستحقات مالية.

التعطيل الحكومي الجديد الذي مضى عليه عدة أسابيع هو الثالث هذا العام، لم يسبق منذ 40 عاما أن تتعطل الحكومة ثلاث مرات في العام الواحد ما يدل حتما على حدة المواقف.

نقطة الخلاف الجوهرية في الميزانية تتعلق إذاً بمشروع بناء الجدار، ترامب يريد تمويلا لجداره بقيمة (5.7) مليار دولار، والكونغرس لا يرغب بدفع هذا الثمن الباهظ مقابل أن يقول الرئيس أخيرا لشعبه “لقد فعلتها، الجدار سيبنى”.

لكن ماذا عن الجدار نفسه ولماذا هذا الإلحاح على إنشائه؟..

أولا، الجدار بمعنى حاجز إسمنتي (barrier Concrete) غير موجود، يوجد حاليا (Fence) أي “سياج” حديدي (من الأسلاك والأعمدة) وقد بوشر بإنشائه بداية القرن الماضي وتوسع مع تعاقب الرؤساء على حكم الولايات المتحدة.

وحاليا هو على مسافة (700) ميل تبدأ من ساحل كاليفورنيا الجنوبي حتى حدود ولاية (تكساس) الغربية مقسمة على امتدادين، الأول يمنع عبور المشاة

(Pedestrian fence)، والثاني يمنع العجلات (Vehicle fence).

لكن هذه ليست كل مسافة الحدود الإقليمية بين البلدين (الولايات المتحدة والمكسيك) فنحو (1300) ميل (أي 65% من طول الحدود الإجمالي) بلا حواجز صناعية فقط توجد موانع من صنع الطبيعة.

مشروع ترامب والذي كان أهم ما في حملته الانتخابية يهدف لإغلاق الحدود بسور من الخرسانة طوله ما بين (700 و900 ميل) وبارتفاع (30) قدم (رغبة ترامب كانت ضعف ذلك الارتفاع قبل عام).

أما عن الأموال المخمنة فهي أعلى بكثير من المبلغ المحدد موضع الاحتدام إذ بعض تقديرات الكلفة الإجمالية للمشروع تتحدث عن 25 مليار دولار!.

ثانيا، من غير المنصف اعتبار القضية مجرد “هدر للمال”. بناء الجدار له ما يبرره عند البعض نوجزها بنقطتين أساسيتين::

+تهريب المخدرات: فعلى سبيل المثال عبر عام 2015 للأراضي الأمريكية من المكسيك أكثر من (مليوني) رطل (الرطل أو الباوند يعني 450 غرام) من الماريجوانا، الكوكايين، الميثافيتامين أو الكريستال، وعقاقير مخدرة.

+تهريب البشر والاتجار بهم

(Human smuggling and trafficking): ففي عام 2016 ضبطت سلطات الحدود الأمريكية أكثر من 400 ألف شخص ينوون العبور للولايات الحلم بالنسبة للكثيرين، (322) ماتوا أثناء محاولاتهم اختراق الحدود، خلال العام المذكور لوحده فقط..

التدفق البشري هنا مرتبط بشكل أو بآخر بزيادة معدلات الإجرام، الدعارة، عمالة الأطفال، التسول وغير ذلك..

لمحة سريعة على لسان ترامب “في العامين الأخيرين، ضبط مكتب الهجرة والجمارك الأمريكي (266) ألف متسلل (من المكسيك) لديه سجل جنائي، 100 ألف مدان أو متهم بجرائم مختلفة، 30 ألفا بجريمة جنسية و4000 بالقتل”.

إحصاءات ترامب وصفتها صحيفة “واشنطن بوست” بالمراوغة (Misleading) في الجزئيات المتعلقة بالإدانات أو الاتهامات الجنائية للمتسللين، وهذا ما يقودنا للضفة الأخرى من الجدال..

فبالإضافة لفكرة الإنفاق المرهق وغير المبرر ثمة في الأمر وصمة عار تاريخية لو مضت امريكا قدما، الديمقراطيون يشبهونه بجدار برلين ويصفونه بغير الاخلاقي وبتعبير أدق منحط (Immoral) تجاه المضطهدين في بلدانهم ويتحدثون عن ضرر سياسي واقتصادي وحتى بيئي يتعلق بالتنوع الاحيائي في منطقة الحدود.

وبصراحة أنا مع من يرى أن الأمر بالنهاية محاولة “ليِّ أذرع” بين حزبين متخاصمين (الجمهوريون الذين ينتمي لهم الرئيس والديمقراطيون).

وإن وجه الصراع الحقيقي هو في الشكل الذي سيبدو عليه ترامب في انتخابات الرئاسة المقبلة (عام 2020) بين بطل جمهوري نفذ ما وعد به أو لرئيس مهزوم من خصومه ومحرج امام أنصاره..

الإغلاق الحكومي قد ينتهي قريبا بتغطية مالية (رمزية) للجدار ربما أقل بكثير من سقف طموحات الرئاسة تمهد لإجهاض المشروع أو على الأقل تأخير فترة إكماله، لكن عن العلاقة بين الغرماء السياسيين نتحدث فبالتأكيد هي مرشحة للتباعد أكثر فأكثر مع التقادم..

أحدث المقالات

أحدث المقالات