23 ديسمبر، 2024 10:21 ص

“حرية بحسب مواصفات البورصة” هو عنوان لمقالة, للكاتب الألماني غونتر غراس, تناول فيه وضع المانيا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية عشرين سنة بعد الإتحاد بين المانيا الشرقية والمانيا الغربية. وواضح من عنوان المقال, أنه أراد لفت الإنتباه لخطورة المضاربة بالحريات العامة.

الحرية, مفهوم قيمي, لاينبغي ان يحدد أو يقيد, سوى بما يمليه القانون الوضعي من وجوب إحترام حريات الآخرين, والقانون في ذلك لايقيد الحرية, بقدر مايحاول رسم حدود فاصلة بين الحريات منعاً للتعدي, ويبين الطرق العامة لممارسة الحريات. لايمكن ان ترتبط ممارسة الحرية بقوانين السوق ورغبات المضاربين في البورصة والباحثين عن الزيادة والربح, فالحرية قيمة أصيلة, لصيقة بالشخصية وأزلية, بينما تمثل الأرباح قيمة مادية غير حسية, ولايتصور أحد أن يؤسس نظام يتبنى التلازم بينها, من ناحية نظرية على الأقل. صحيح أن الرفاهية الإقتصادية يمكن ان توفر سقف أعلى لممارسة الحرية, عن طريق إشباع الحاجات المختلفة للأفراد, ولكن لايمكن الربط بين الحرية و المال من أي وجه من الوجوه ولا ان تدرج كسلعة في مفرادات الإقتصاد. فالحرية هي الحرية, قيمة بذاتها.

ماجذب إنتباهي للمقال, ليس غراس الكبير في ذاته, بل لما سطره في متنه من أحداث, كأنها جرت وتجري في الساحة السياسية العراقية مع الفارق طبعاً. وكأن التاريخ يعيد نفسه فعلاً, ولكن على شكل مهزلة ومأساة في آنٍ واحد !. يمكن تَلّمس أوجه التشابه بين ماجرى لألمانيا في القرن العشرين وماحصل للعراق في ذلك القرن, ومطلع القرن الواحد و العشرين أيضاً. فكلا البلدين خاض أكثر من حرب عبثية, تلبية لرغبات دكتاتور فاشستي, إنتهت بتدمير البنية المجتمعية, وخضوع البلد للإحتلال, وإغراق البلاد بتركة ثقيلة من الديون. فالدكتاتوريات التواقة للمجد الشخصي إنتهت بتقسيم ألمانيا, وهاهي تضع العراق على طريق مشابه, وقد يكون أسوأ, كتشرذم, لاتقسيم نظامي حتى !.

يصف غراس شعوره كجندي لم يتجاوز عمره السابعة عشرة سنة, حين شارك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب قوات بلاده النازية, واصيب بجروح على أثر ذلك ” ساورني شعور خفي بأنني قد هزمت في خضم الأندحار المريع. إن الناجين من الإبادة الجماعية التي مارسها النازيون في معسكرات الإعتقال, هم في أفضل الأحوال, أولئك الذين كان بمستطاعهم الشعور بالتحرير …”.

وكأنه يصف شعورنا كعراقيين بعد الإحتلال في (2003). ففيما شعر شيعة وكرد العراق بالفرحة لزوال النظام البعثي والرديف في عنجيته للنازي, شعر السنة بالهزيمة. هذا ماكنا نسمعه ونراه يومياً, حتى أن البعض كان يتحدث عن عودة سريعة للبعث بقيادة صدام. أحاديث لم تنتهي إلا بلحظة إعدامه, والتي بينت عمق الإنقاسم الذي كنا نعاني منه. الشيعة والكرد, نالو الحصة الاكبر من إضطهاد البعث, لذلك شعرو بان العدالة قد تحققت, فيما كان للسنة رأي وشعور آخر. كانو يرون بان قائدهم قد أُعدم. كعراقيين جَذّرنا هذه المشكلة كل سنة, لأننا لم نبذل الكثير لتحرير أنفسنا. زال النظام بمبضع جراح لم نتفق عليه, حتى أنّنا لم نتفق على إجراء العملية, ولم نكن مُهيئين لها أصلاً !.

الآيدلوجيات تفرق الشعوب. النظام الآيدلوجي هو نظام إنتقائي, لاينبغي أن يكون له موطئ قدم في السلطة. الحكومات التي نحجت في هذا العصر هي الحكومات الخدماتية- بغض النظر عن آيدلوجيتها السياسية- التي تحاول وبإستمرار, إشباع حاجات أفرادها ككل, وتحاول زجهم في تلك العملية, التي تحتاج لأفراد مثقفين وواعين, لا أن تجيرهم لصالح الآيدلوجيا التي تعتنقها, فالآيدلوجيا تنجب القتلة, أكثر مماتنتج مواطنين صالحين, والأمثلة على ذلك كثيرة, وبغض النظر عن الفكرة التي تتبناها, يمينية كانت أو يسارية.

مشهداً المانياً آخر, عاشه الكثير من العراقيين, ولكنهم إستغرقو الكثير ليستوعبوه. حيث ظهر في المانيا بعد إحتلالها من قبل الحلفاء, خطباء يشيدون بالتحرير ويمجدوه, فاق عددهم كل التوقعات, بصفتهم ديمقراطيين معادين للتوجهات الفاشية, ويتساءل غراس: إذا كان الامر كذلك, كيف نجح هتلر في التغلب على هذا العدد الهائل من المعادين للفاشية, وان يستحوذ على السلطة كل هذه الفترة الطويلة؟. يترك غراس السؤال مفتوحاً, لنحاول الإجابة عليه نحن, كعراقيين!. ثم يعرج على حالة إنسلاخية بقوله ” ومهما كانت الحالة, فقد تبرأ الكثيرون من ماضيهم, فحصلو على شهادات حسن سلوك بعجالة, فظهرو بمظهر قوم لاتشوب صفحاتهم شائبة. شخصياً, لاأعتقد بأن هناك داعي لمعاقبة أولئك الذين لم يرتكبو جرائم. ولكن هناك الكثير من البعثيين, حصلو على تزكيات من جهات متنفذة, كانت تعاديهم, وتحولو إلى مؤذنين في الجوامع أو إنتمو إلى أحزاب دينية, وحصلو على مناصب في الدولة. هذا يعني ان الحرب التي أزهقت ارواح الآلاف من الضحايا, وخربت بيوتهم, أدت لنتيجة واحدة, وهي أن البعث الفاشستي جرت إعادة تدويره فقط !.

لايمكن حصر المشاكل التي تنبثق عن هزيمة الذات. وكعراقيين, تشاركنا مع الألمان في لحظة تاريخية, ولو بعد حين, كمهزومين على الأقل. يصف غراس, كيف إختلف الألمان في تصوير لحظة سقوط المانيا ” فالإستسلام بلا قيد أو شرط تحول بين ليلة وضحاها إلى ((إنهيار)) الحكم النازي”. وكأني به يتحدث عن ماجرى لنا, فلم نتفق للآن على ماجرى بعد (2003). مازلنا نتخاصم ونتشاتم يومياً, حول ما إذا كان تحريراً, كمايروج له المستفيدين, أو إحتلالاً, حسب ما يتمسك به الموالين (روحياً) للنظام السابق.

ويتعمق أكثر بعد ذلك في وصف الأحداث “ومع أن الكثير من مناحي المجتمع, بدءاً بالإقتصاد ومروراً بالقضاء وإنتهاءاً بالمدارس والجامعات …, والسلك الدبلوماسي …, وما سوى هذا وذاك من مرافق عامة كثيرة, قد ضلت بأيدي نازيين قدماء واصلو لعب أدوارهم في الحياة العامة وإرتقاءهم في المناصب السياسية, فأن هذا كله لم يمنع من الإعلان عن أن المانيا قد بدأت عهداً جديداً, أي أنها بدأت من ساعة الصفر”. لا أدري أن كان هذا التنّاص -الألماني, العراقي- يحتاج إلى توضيح أو إيراد أمثلة عراقية, يكفي أن نسكت لتتضح الصورة العراقية, بعد (2003). فالقديم والجديد؛ إرتضى المشاركة في الكعكة, كعكة العراق الكبيرة. وإذا كان هناك قانون صريح لإجتثاث البعث, قد شُرِع لمعالجة هذه الحالة, فهو قد طبق بإنتقائية واضحة, وسمح للكثيرين بالعودة للحكم, نراهم اليوم في مراكز حساسة في الدولة, بعد أن بدلو جلودهم القديمة !. هذه المأساة.

نختلف بعد ذلك مع غراس, ومن الجيد أن نختلف معه في وصف المشهد قليلاً,. فيتطرق للإنقسام الألماني, إنقاسم الدولة على نفسها, ليرتمي  احد جزءيها في أحضان جوار سوفيتي طامع, وبعضها الآخر في أحضان الغرب, ممثلاً بأميركا وبريطانيا وفرنسا. مشهد رهيب, لاينبغي أن نصل له كعراقيين. إذا كانت المعادلة (دكتاتورية, ثم إحتلال, ثم تقسيم), قد طبقت في المانياً, فهذه المعادلة غير ملائمة لنا, فلا حدود واضحة تفصل بين أجزاء العراق الواحد, كيف سنحدد مايتبع لهذه الدويلة أو تلك؟, وبالتأكيد سيكون هناك عداء بعد تشكل هذه الدويلات. فهناك الحدود التي سيدعي كل طرف بانه قد غبن فيها, كما أن هناك الكثير من المناطق المتداخلة طائفياً, فلمن ستكون, بإعتبار ان خيار التقسيم المطروح والذي يروج له, هو طائفي بإمتياز؟. والأهم لمن ستكون بغداد؟, هذه المنارة لايمكن أن تقسم. إنها القصة الحضارية الوحيدة المؤكدة في التاريخ, لايمكن صبغ فسيفسائها بلون واحد, وواهم من يعتقد بإمكانية ذلك !.

الحرب الباردة بين المعسكر السوفيتي, والمعكسر الامريكي وحلفاءه, هي ماساهم في تعزيز الانقسام الألماني. كانت حرباً نابعة من الفلسفة التي يتبناها كل معسكر في الحكم, ويحاول تعميمها على العالم. كانت محفزاً جهنمياً للقفزات التسلحية والصناعية. كانت منتجة في مضمونها على الأقل. قد يكون محيط العراق في دوامة أخطر, زوبعتها طائفية, لاتحاول تصدير شيء ذا قيمة, بقدر ماتحاول تدمير الآخر المختلف. عرض مستمر للعضلات, لإنتزاع الإعتراف بالقوة في هذه المنطقة. العراق دولة مهمة في المنطقة, ويحاول الجميع إستلابه, أو تناوش بعض أجزاءه, ومن سوء حظه, أن يُحتل في خضم هذه الحرب الصامتة, الدائرة منذ عام (1979), بين الخليج بقيادة السعودية من جهة, وإيران من جهة أخرى, والعالم الآخر الداعم لكل هذه الدول من جهة ثالثة. تُرك العراق أرضاً مكشوفة لتصفية الحسابات. تركيا أيضاً  قررت تالياً المشاركة في هذه الحرب. العجيب, انها ليست بالضد من طرف, ضد كينونة العراق فقط !, عَلّها تحصل على حلمها القديم. الموصل. فالضعيف لايحترمه أحد, هذا, ماتثبته السياسة الدولية كل يوم. وهذه المهزلة.

يطرح الكاتب سؤال, عن مدى صلاحية الديمقراطية البرلمانية لإتخاذ القرار الرشيد؟.

الديمقراطية, كنظام سلمي لتداول السلطة, لايختلف عليها الكثيرين, حتى أن الكثير من رجال الدين المتفتحين غيرو مواقفهم لصالحها, بشرط عدم تعارضها مع ثوابت الدين. المشكلة هي في فهمنا للديمقراطية كمنهاج للحكم. النظام المطبق اليوم في المانيا, هو نظام يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات, إتحادي, شبيه دستورياً, بالنظام المطبق في العراق.

يوجه غراس نقده للبرلمان الألماني, من أنه لايتخذ قرارته على نحو مستقل, وبمحض الحرية, فهو يخضع للضغوط التي تمارسها عليه, إتحادات الصناعيين والمصارف والشركات العملاقة, أي يخضع (حسب قوله) لضغوطات مؤسسات لا رقابة ديمقراطية عليها. وبخضوعها هذا جعلت السلطات التشريعية من نفسها أضحوكة بين الناس. فالمجلس النيابي تحوّل إلى فرع من فروع البورصة. ولاعجب ان يزداد باطراد عدد المواطنين الغاضبين والمتقززين والمحبطين  من هذه الأساليب المستنكرة والمفضوحة, وان ينفرو من الأدلاء بأصواتهم في الإنتخابات, إعتقاداً منهم بان حقهم في إنتخاب ممثليهم في البرلمان صار مهزلة مابعدها مهزلة. ثم يتحدث عن النواب الذين أصبحو يخضعون لتوجيهات اللوبيات, التي لها مصالح خاصة, بتأثير الهدايا الصغيرة والكبيرة, التي تساهم في ترويض البرلمانيين. كل هذا ساهم في جعل الناس تنظر للتصرفات الجنائية على انها مجرد مخالفات بسيطة, ولم يعد أحد يستنكر الرشوة وتطورها إلى نظام متقن. الرجل يتحدث عن الديمقراطية العراقية ولاشك, لذلك لن نعقب على تفاصيل هذا الكلام كثيراً !.

المجتمع الألماني يحوي مؤسسات صناعية وتجارية عملاقة, لها مصالح, ويهمها التأثير على التشريعات والقوانين وجعلها تتماشى مع هدفها الرئيسي, الذي هو الربح. ولاتصح المقارنة  بيننا وبينهم في هذا المجال, ولكن النتيجة هي واحدة, فالحرية والديمقراطية تسرق يومياً, وبمؤثرات خارجية, لاتنتمي لصلب العملية الديمقراطية. البرلمان رهينة لمشيئة الكتل القوية, وبإتفاقات تعقد خارج إتون البرلمان, ولهذه الإتفاقات -من حيث الواقع- علوية, فوق علوية الدستور, المفترضة. النائب أيضا يخضع لتوجيهات كتلته بصورة مباشرة. أين الديمقراطية في الموضوع إذن؟.

هذه الأوضاع المشوهه, لم تنتج عن الديمقراطية في جوهرها كنظام حكم, بقدر ماهي نتاجات للإلتفافات والتحايل على النظام الديمقراطي, العملية كلها بحاجة إلى إعادة نظر. المواطن لم يعد يؤمن بها, ولايشعر بانه المعني بهذه العملية. هذه ديمقراطية منفلته. ديمقراطية تدر الإمتيازات المالية, الرواتب الضخمة, المنافع الإجتماعية, التقاعد المجزي وجوازات السفر الدبلوماسية. ولاتحاكم المسؤولين الفاسدين والمقصرين. كل ذلك جعل من برلماننا, بورصة رابحة, لايمكن ان تخسر.

في لقاء على قناة الحرة عراق تحدث الدكتور (حامد خلف), الامين العام لمجلس الوزراء, عن  أن المناصب يجب ان تخضع لمعيارين أسماهما ( الكفاءة وعدم الحزبية), ومن الجيد ان يتكلم مسؤول رفيع في الدولة, بهذا المنطق الرشيد, وهو يعكس رغبة لم تجد سبيلها للتحقيق. فالواقع يقول ان المناصب خاضعة للمحاصصة, وتستحوذ عليها الأحزاب, ولغاية منصب مدير عام, وبإسم الديمقراطية والمشاركة في الحكم. وهذا يعني ان الديمقراطية قد جرى تحريفها !. وإذا إستمرت هذه المحاصصة, فيمكن ان تصل مستقبلاً لغاية موزعيّ البريد.

الديمقراطية كنظام للحكم, هي أفضل ماتوصل له العقل البشري لغاية الآن, وهي تقدم في البلدان التي نجحت فيهاً, واقعاً أعلى, من ناحية برغماتية لامثالية. وهي بالتأكيد أفضل من الأنظمة الرئاسية التي لم تنجح في منطقتنا العربية إلا كأنظمة دكتاتورية بوليسية جامدة, ترفض التداول السلمي للسلطة, وتختزلها بشخص واحد. الديمقراطية جيدة, لأنها مرنة وتتقبل النقد والتعديل المستمر, وكل محاولة لتجميدها, تجعل منها نظاماً دكتاتورياً بمسمى آخر. الدول المحيطة بالعراق لاتريد لها ان تنجح, لأنّها تعرف جيداً بان التجارب الناجحة مُعدية.

في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية يقول إن العراق في حضيض قعر معدلات الفساد وهو ما ادى إلى إذكاء العنف السياسي والحاق الضرر بعملية بناء دولة فعالة. إلى آخر الحقائق المخيفة التي يذكرها التقرير, عن الفساد في العراق في سنة (2011).

الشعب المنقسم على ذاته لايستطيع النهوض. المصالحة الوطنية الحقيقية هي مايحتاجه العراق اليوم لينهض. المصالحة في جوهرها, لا بالكلام المجرد الذي نسمعه منذ إثنى عشر عاماً, ولم ينتج فعلاً على الأرض, رغم المبالغ الضخمة التي ترصد لها كل سنة, ومازال الشعب في إحتقان متزايد.

ماذا تعني المصالحة الوطنية؟. لاتعني أكثر من الإقرار بالخطأ والتعهد بعدم الإقدام عليه, ومحاسبة المتورطين بالجرائم. إذن, هي عملية مستدامة, يجب ان يبادر بها الساسة المتصدين للعمل السياسي اليوم, كنخبة, ليتعذرو للشعب عن إخفاقاتهم خلال السنوات السابقة. عليهم أولاً ان  يقللو من إمتيازاتهم التي باتت ترهق ميزانية الدولة, تلك الميزانية التي هي بالأساس من حق المواطن. قد تكون هيئة نزاعات الملكية التي إنتهت أعمالها هي الشكل الوحيد التي ظهر واضحاً من أشكال المصالحة الوطنية. أين الأشكال الاخرى ياساستنا؟.

إمتيازات ومنافع مناصب الدولة -بصورة عامة- جعلت منها وجبة دسمة. يجب أن تُخفض إلى حدٍ معقول. هي من أُسس المشكلة, فنحن نرى السياسي يقيم الدنيا وينبش كافة النعرات الطائفية والقومية, ليصل للبرلمان. هذه المنافع جعلت سواد الناس -في نظره- مجرد أرصدة منتجة.

ماحصل في العراق بعد (2003) هو تعتيم كبير أُريد له ان يُنجب نظاماً سياسياً يقود البلد. التعتيم لاينجب الوضوح, لذلك إنتهينا بداعش. داعش هي الأرضة التي أسند لها إنجاز مشروع التقسيم, لذلك تقضم وبشراهة, روابطنا وحدودنا وتاريخنا. داعش مشروع طائفي بإمتياز وهي تحدينا الأكبر اليوم, الذي علينا مواجهته لنستمر, كعراقيين. مدعوم او غير مدعوم من جهات خارجية, ليس هو السؤال الأهم, بقدر السؤال الذي يجب ان يطرحه ساستنا على انفسهم: مالذي فعلناه لتحصين جبهتنا الداخلية؟. الشعب يريد الخدمات, الصحة, التعليم, العمل, الأمن, مكافحة الفساد, والأهم الكرامة. هذا مايقوي الجبهة الداخلية, ويعزز شعور المواطنين بالإنتماء للمجتمع والدولة. بدون ذلك نحن سائرون للتقسيم, ولن تنفع الخطب الرنانة حين ذاك.

قسمت المانيا, وإخترع لها الحلفاء الفوارق التي يفترض بها تأبيد التقسيم. ففي المانيا الديمقراطية (الشرقية), طبقت روسيا الإقتصاد المُخطط والحزب الواحد. بينما طبق الاميركان والبرطانيين والفرنسين, النظام الرأسمالي في المانيا الإتحادية (الغربية), ونظام تعدد الأحزاب, ثم شطرو برلين بجدار, لم يصمد أكثر من أربعين سنة. أسقطه المواطنين الألمان, عندما إنهار الإتحاد السوفيتي.

الشعب العراقي بات يفهم, ويوماً ما سيرفض اللعبة, إذا إستمرت على هذه الحالة, الميؤوس منها, ويُسقط الجدار الذي يخنق بغداد. إنه التاريخ !.

[email protected]