كثر اللغط كثيرا بالحديث عن مشروع هارب معتمدين على نظرية المؤامرة لهذا المشروع ، بل وصل الأمر الى المعممين ليدلوا بدلوهم ، من ان مشاكل الطقس الغير منطقية والقياسية فعلا ، تعود لتأثير هذا المشروع ، ولا أعتقد أن الأمريكان بحاجة الى تدمير جو العراق ، لغرض (أفراغه) من مواطنيه وجعله غير صالح للأستيطان ، فهنالك من قام بذلك بالنيابة وعلى أكمل وجه لتدمير البلد من كل الوجوه ، بيئيا وأخلاقيا وأقتصاديا ، وقد نجحوا في ذلك ! ، انه فساد وكسل وتخلف السياسيين ، وضعف المسؤولية ولامبالاة وقلة وعي المواطن ، واليكم نبذة عن هذا المشروع مثار الجدل .
مشروع هارب (HAARP) (High Frequency Active Auroral Research Program ) ، أنشيء من قبل جامعة آلاسكا عام 1993 ، ويتكون من مصفوفة هوائيات (Array Antenna) عددها 180 هوائي الغرض منه دراسة طبقة (الآيونوسفير) حصرا ، وليست (التروبوسفير) المسؤولة عن المناخ ، وهذه الطبقة (الآيونوسفير) بالذات هي المسؤولة عن انعكاس الموجات اللاسلكية لغرض معرفة سبب تشتتها نهارا بسبب أشعة الشمس ، فكلنا يعلم ، ان الموجات القصيرة لأجهزة الراديو التي تبث على نطاق (AM) تضعف نهارا بسبب تشتتها في النهار ، لكنها تتماسك وتقوى ليلا ، لهذا فبأمكاننا استقبال المحطات البعيدة ليلا ، أي أن الغرض منه تقوية الأتصالات الرخيصة وجعلها متاحة ليلا ونهارا .
وتم غلقه جزئيا بسبب صعوبات التمويل ، والخلاف مع مقاولي التنفيذ عام 2013 ، ولو تأملنا قائمة الأتهامات النابعة من نظرية المؤامرة ، لوجدنا أن (أمريكا) هي الخاسر الأكبر ! ، فالبعض يدعي ان (متلازمة مرضى جنود حرب الخليج Gulf War Syndrome) سببها هذا المشروع ! ، كما انه السبب في سقوط بعض الطائرات الأمريكية ، وانه سبب تعطل الأقمار الصناعية ، بل وحتى انفجار مكوك الفضاء (كولومبيا) ، فهل من مصلحة أمريكا ، ان تعاني كل ذلك منه ، وعلى أراضيها !؟ ، فما بالك بتأثيره على الجانب الأخر للكرة الأرضية ، في بلد مبتلي بسياسييه ولا تنقصه المصائب ، اسمه العراق !.
والآن نأتي للاسباب الأكثر عقلانية ، لتدمير مناخ البلد :
1.ستصاب بالرعب فعلا عندما تقارن المساحات الخضراء لوسط وجنوب العراق ، وأنت تطالع صور الأقمار الصناعية للبلد بين العام 2000 الى 2016 ، وستجد أن المناطق الخضراء الشاسعة والتي تعطي الجنوب ميزته قد تلاشت تقريبا ! ، وأن الاحزمة الخضراء التي انشأتها الحكومات السابقة ، قد أختفت !.
2.ان مساحة الأهوار التي كان يسميها الغرب (جنة عدن وادي الرافدين) قد تقلصت بنسبة أكثر من 90% بين العامين 1970 و2000 ، ولم يتبقّ سوى جزء بسيط من هور (الحويزة) الذي لم يعد يشكّل سوى دائرة قطرها 40 كم فقط ، وان هذا الأخير ، قد تقلص بدوره 30% بين عامي 2000 – 2002 ! ، والسبب تقليل الحصة المائية لنهر (الكرخة) النابع من أيران ، كذلك الروافد الثانوية لدجلة والفرات ، حسب برنامج الأمم المتحدة البيئي (United Nations Environmental Program)أو (UNEP) .3.ابان العدوان الأمريكي عام 1991 ،ونزوح معظم سكان أهالي بغداد الى المحافظات الأخرى ، شاهدت بأم عيني ، مئات الدونمات من غابات (اليوكالبتوس) في (ديالى) ، وقد أزيلت عن بكرة أبيها ، لأستخدام خشبها في الطهي والتدفئة في تلك الأيام بسبب انعدام توفر المحروقات ، وما خفي عن عيني أعظم بكثير !.
4.قبل أيام ، عرضت قناة (العراقية) ، برنامجا مؤلما جدا بعنوان (مجزرة النخيل) ، مثات الآلاف من اشجار النخيل ماتت عطشا ومرضا في محافظتي السماوة والناصرية !، فأي زمان هذا تبلغ فيه درجة الحرارة في الناصرية ، الخضراء الجميلة ، 53 درجة مئوية ، الأعلى في العالم ، وفي هذا اليوم بالذات ؟ ، من أمات النخيل فأباد مساحاتنا الخضراء عطشا ؟ مشروع (هارب) ؟! .
4.ما دخل مشروع (هارب) عند قيام المتنفذين وأصحاب القرار من المسؤولين الفاسدين ، بالأستيلاء على العديد من الحدائق والمتنزهات ، وضمها لهم لبناء دورهم ، وتجزئة الأراضي الزراعية لهذا الغرض .5.هل كان المشروع المذكور ، السبب في التجاوز على الأراضي الزراعية وتحويل جنس عقارها من أراضٍ زراعية الى قطع سكنية ، ومولات ضخمة (وكأننا شعب مرفّه) ! مع ان هذا ممنوع قانونا ، وأسوأ مثال على ذلك ، مقبرة نخيل الدورة ! .6.اهمال الزراعة والصناعة وتوقف التنمية بشكل ملفت وغير مبرر ، والأعتماد كليا على الأستيراد طالما ان ذلك يصب الأموال في الجيوب ، ويربي الكروش ! .7.غياب الرقابة الصارمة على التلوث الذي تنتجه المعامل ، والصناعات النفطية ، التي تسبب تسميم الهواء والماء .
انه الكسل والتخلف والتقاعس وسوء التقدير والأستخفاف والنظر القصير والتصرف التافه غير محسوب العواقب ، وانعدام التنسيق بين الوزارات المعنية ، والدبلوماسية الفاشلة ، والفساد والطمع والأثراء غير المشروع ، والأمراض الثقافية للمجتمع الذي لا يحترم البيئة وهو يرى حكومة لا تحترمه أصلا ، فمتى يكون لنا وعيا مسؤولا ، بزرع 10 أشجار اذا أضطررنا لقطع واحدة ! .
في الشهر المنصرم ، ارادت (الهند) ، أن تدخل موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية ، فاستنفرت أحدى الولايات سكانها ، فقامت بزرع 50 مليون (شتلة) خلال 24 ساعة فقط ، ونجحت في ذلك !، ونحن نرى شعار النخلة في الرّقم الطينية لحضارة السومريين منذ 6000 عام ، النخلة ، عمّتنا وقد قتلناها غيلة بتركها تموت عطشا ومرضا أو قلعا !، وأهنّا ثمرها ، فماذا ننتظر غير الجوع ، وحر جهنم ! .
في العام 2012 ، أصدرت وكالة (ناسا) بيانا من ان العام المذكور هو الأشد حرا بسبب النشاط الشمسي ، فللنشاط الشمسي دورات تبلغ 11 عاما تبلغ فيها الحرارة ذروتها ، وها قد انقضت 4 سنوات على ذروة النشاط هذا ! ، لا أحب أن أكون ممن ينقل الأنباء السيئة ، لكني متيقن ،أن الصيف القادم أشد حرا ، بوجود (هارب) بين ظهرانينا على هيئة (مسؤولين ) فاسدين غير مبالين ! ، وعليه أعتقد أن كل من يعلق مصائب البلد البيئية على مشروع (هارب) ، فأنه يبرئ الحكومة من أجرامها التاريخي بحق البيئة باعتبار ان دورها حاسم في هذا الخصوص ، وهذا خطير جدا ، فلأجدادنا مثلا يقول أن آخر عشرة أيام من آب (يفتح من الشتاء باب) ، لكن مناطقنا لا تزال الأشد حرا في العالم ، وبدلا من أن يفتح (آب) بابه الأخير على الشتاء ، فتحه على جهنم ! ، لكنا مؤمنون بقوله تعالى (ومكروا ومكر الله ، والله خير الماكرين) ، وأن للبلد رب يحميه ، شرط أن نتراحم بيننا ، فهل نحن فاعلون ؟!.