18 ديسمبر، 2024 8:49 م

منذ وصول الرئيس الأمريكي المثير للجدل، دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بداية هذا العام ، أخذ الكلام يدور حول الأسلحة النووية بوتيرة أعلى، وأصبحت طبول الحرب النووية تقرع بهوس اكبر لتصم الآذان وتصفع القلوب بالهلع.

هل وصلنا إلى مفترق الطرق ونقطة اللاعودة؟.
في المفهوم الإستراتيجي السائد بعد الحرب العالمية الثانية وطوال عقود الحرب الباردة،  كانت أسلحة الدمار الشامل تعتبر من أدوات الردع السياسي وخلق توازن في القوة على الجبهات الدولية، وأصبح ما يسمى “توازن الرعب” مانعاً يحول دون اللجوء إلى استخدامها، ولم يعد أحد ينظر إلى هذه الأسلحة مرة أخرى وسيلةً لتحقيق نصر عسكري وهزيمة الخصم وإجباره على الإستسلام كما حدث مع اليابان، ببساطة، لأن اللجوء إليها يعدّ بمثابة انتحار محقق في ضوء شك تام بنجاة اي طرف.

غير أن هذه الأسلحة المدمرة أصبحت هذه الأيام في حوزة زعماء وتحت يد قادة يرون أن التفكير باستخدامها أمر ممكن ويخدم السياسة؟ . انها شيء يمكن التفكير فيه فعلاً على ما يبدو، وربما الإقدام عليه عند كيم جونغ-أون، رئيس كوريا الشمالية، وأصبحت مدعاة للتفكير لدى فلاديمير بوتين إذا تعلق الأمر باستعراض القوة وفتل العضلات وصراع النفوذ، كذلك يلاحظ أن الميل الإستعداد للإستفادة منها ليس أقل كثيرا عند الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وها هو يقترب يقترب بالحاح، شيئا فشيئا من عش الزنابير ويحرك الأساطيل بسهولة غير معهودة.

الأجواء ملبدة تماما. العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، القوتين اللتين تأتيان في طليعة الدول النووية، وصلت إلى الدرك الأسفل بسبب طموحات بوتين التي أشعلت الحروب في أوكرانيا والقرم وأججت الصراع الأهلي في سوريا واليمن، يضاف إليها اتهامات التدخل الروسي في السياسة الأمريكية الداخلية وتهكير الإنتخابات الرئاسية واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في سوريا رغم توقيع إتفاقية يلتزم فيها بشار الأسد بالتخلص منها برعاية وضمان الرئيس الروسي، ثمّ الرد الأمريكي المفاجئ بضرب قاعدة الشعيرات الجوية السورية التي استخدمت لمهاجمة خان شيخون بالسارين وقتل وإصابة أكثر من 1500 من الأهالي الأبرياء العزل، رغم التواجد الروسي في القاعدة وصعوبة تفادي الصواريخ الأمريكية.

كوريا الشمالية لم تكن ابدا أقرب إلى تطوير سلاح نووي قادر على تهديد واشنطن وإمكانية ايصاله إلى اراضيها. الرئيس الأمريكي دونالد تراب ورث برنامجا بقيمة تريليون دولار من أجل تطوير تكنولوجيا الرؤوس النووية لبلاده. روسيا تضغط على موازنتها من أجل توفير الأموال اللازمة للقيام بنفس التطوير. الرئيس الأمريكي قال بصراحة في هذا المجال “دع الأمور تذهب إلى سباق التسلح”. هكذا، بسبب هذه التطورات، وجدنا نشرة علماء الذرة تقدم ساعة مجيء يوم القيام بمقدار 30 ثانية في كانون الثاني الماضي. هذه الإنتقالية الرمزية تعني أن الإنسانية أصبحت على بعد دقيقتين وثلاثين ثانية عن منتصف ليلة نبوءة قيام الساعة.

مع ذلك، لم يبذل العالم منذ كانون الثاني من العام الجاري، سوى القليل لتلطيف الأجواء وتقليل صداع هذه الحالة وكبح النزعات العسكرية المهتاجة فيها . مؤخراً، بلغ التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أشده ، مع استمرار الدولة المارقة في إطلاق التهديدات بإمطار الولايات المتحدة بالصواعق الماحقة إذا واصلت الأخيرة التشدق باللجوء الى الضربات الوقائية الإستباقية، ولا هم للزعيم الكوري الشمالي هذه الأيام إلا أن يمضي قدما في اختباراته الصاروخية.

ليس هناك اتفاق بين خبراء الشأن العسكري حول حجم وكمية الأسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية ويشكك خبراء الدفاع الأمريكيون في قدرة إيصالها إلى الهدف، بعكس المعلومات المتوفرة عن الترسانة النووية لبقية الدول.

يمتلك الناس، خواص الناس وعمومهم، تصورا حول القوة التدميرية للسلاح النووي، خصوصا بعد هيروشيما وناغازاكي، غير أن الكثير منهم ربما لا يعرفون أن القنبلة التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد المدينتين اليابانيتين أصبحت لا تقارن بالتقدم الهائل في القوة التدميرية لقنابل هذه الأيام.

قبل أكثر من اسبوعين تقريبا، أعلنت الولايات المتحدة ، انها استخدمت قنبلة ذات قوة تدميرية هائلة، عادية غير نووية، أسمتها أم كل القنابل، تحمل 10 أطنان من المواد المتفجرة عن طريق الجو بهدف قتل- حسب الإدعاء- 94 مسلحاً داعشياً. فورا، بادر الإعلام الروسي إلى تذكيرنا أن قنبلتهم الثيرموباريك (الضغط الحراري)، “اب كل القنابل”، قوتها التدميرية أربعة أضعاف القنبلة الأمريكية رغم أنها أقل وزنا من، أي تعادل أربعين طن من المواد المتفجرة،. هذه القنابل الضخمة ليست إلا العاب الأطفال مقارنة بالأسلحة النووية.

كانت القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما تعادل 15 الف طن من المواد المتفجرة، اي أنها كانت تعادل 1500 من “أمهات القنابل”، دمرت كل شئ يقع ضمن مدى مئتي ياردة وأحرقت كل شخص تواجد في نطاق كيلومترين. حاليا، تعادل القوة التدميرية للرأس النووي الذي يحمله صاروخ ترايدنت الأمريكي 455 الف طن من المواد المتفجرة، اي 45500 من” أمهات القنابل”. بإمكان هذا الرأس النووي أن يولّد كتله نارية يصل لهيبها إلى كيلومتر في كل الإتجاهات، تصيب كل شخص في دائرة قطرها ثلاثين كيلومتراً بحروق من الدرجة الثالثة، وسيتأثر كل شيء بالإشعاع على مسافة أكثر من 300 كم.

وفق هذا السيناريو، وفي مدينة متوسطة يسكنها نصف مليون نسمة مثلا، سيموت 170 الف انسان فوراً، وسيكون 180ألف آخرين بحاجة إلى مساعدة طارئة، وإذا علمنا أن كل الجهد الصحي لدولة مثل بريطانيا لا يستطيع توفير أكثر من 101الف سرير في المستشفيات، يمكننا أن نتخيل مشهد القيامة الذي سيعيش فيه الناجون والمصابون.

في الحقيقة، هذا بالنسبة لرأس نووي واحد، لكن الصاروخ ترايدنت قادر على حمل 8 من هذه الرؤوس النووية وإيصالها إلى الهدف بالطائرة القاصفة والقاءها في نسق يحيط بالهدف لتوليد عاصفة نارية تأتي على كل شيء وتجعله هباءاً منثورا. فما بالك بـ14923 رأس نووي تمتلكه دول النادي النووي التسع؟، أمريكا، روسيا، فرنسا، إسرائيل، باكستان، الهند، الصين وكوريا الشمالية.