23 ديسمبر، 2024 8:35 ص

جحيم أطفال العراق  وأجندتي المبللة  بالدموع والمطر !!

جحيم أطفال العراق  وأجندتي المبللة  بالدموع والمطر !!

عقارب الساعة تشير الى تمام الساعة  الثانية بعد منتصف الليل  ، هزيم رعد الواقع الأمني المتردي،  وصرير ريح التصريحات السياسية اللامسؤولة ،  ينذران بقدوم شيء ما أستشعره ولا أبصره ، نباح الكلاب البعيدة وضوء المصباح الخافت يضفيان على الأجواء مسحة دراماتيكية كئيبة تشي بأسرار أخفيها ولا أكاد أبديها،  لولا صورتا طفلتين يتيمتين وضعتهما أمامي لا شعوريا يضيء وميض  التفجيرات المتقطعة  وجنتيهما المتوردتين بين الفينة والاخرى تهيبان بي لفعل شيء ما ، نظم قصيدة ، رسم لوحة ، كتابة مقال ، ذرف دمعة ، طفلتان يتيمتان لا يتجاوز عمر أكبرهما سنا الخمسة  أعوام ، الاولى كأنها ملاك يطير إسمها عبير والثانية كغصن بان اسمها بنان ..اختطفتا ..اغتصبتا ..قتلتا بدم بارد خلال شهر واحد في مدينة البصرة ، جنوبي العراق !! الصورتان إستدعت الى ذاكرتي الحبلى مأساة تمتد كعش غراب  من زاخو  الى الفاو لأطفال  لم تعد مأساتهم قاصرة مع ما يكتنفها من الآم وأحزان على غياب الأب أو الأم او كليهما معا بالوفاة  أو الطلاق ، بل إستفحلت وبشكل مخيف ينذر بأسوأ العواقب ، لتشغل حيزا قاتما  ورقما صعبا في جميع الملفات الشائكة المعنية بحقوق الانسان ،  تسول ،تشرد ،نزوح ،نشل ،إدمان ،إختطاف ،دعارة ،عمالة اطفال ،تسرب مدرسي ،أمية ، إعاقة ، تجارة أعضاء ،معسكرات تابعة لميليشيات  مسلحة ، عنف أسري  ،  بل سجن  وإعتقال ايضا  .
 لم يكن أمامي في تلك الدقائق العصيبة سوى ان أمتطي صهوة قلمي لأشق غبار الكلمات وميداني هذه المرة ساحة حرب محلية وإقليمية  تشن  ضد الطفولة في عراق اليوم ، لم يكن الـ 13 رضيعا  ممن ماتوا حرقا في قسم الخدج داخل  مستشفى اليرموك ، غربي بغداد وإختفاء واختناق آخرين  بفعل فاعل وتقييد الجريمة ضد مجهول أولها  ولن تكون طفلتا ” باب الخان ” في مركز كربلاء آخرها ، حين  فض ذئب بشري يعمل بائعا متجولا للمشويات بكارتيهن يدويا ، الأولى تبلغ من العمر خمسة أعوام  والثانية ستة أعوام  ولولا كاميرات المراقبة التي رصدت الجريمة الثانية  لكرر الذئب فعلته النكراء مع ضحية أخرى بعمرهن في المستقبل المنظور  بعيدا عن الأضواء المسلطة على مسرح الجريمة !! كنت أقف مقابل مستشفى الأطفال في منطقة الأسكان ، بجانب الكرخ من بغداد  حيث يقبع مئات منهم في ظروف صحية سيئة للغاية ( فقر دم حاد ، لوكيميا ، سوء تغذية ، تقزم ، جفاف ، اسهال حاد  ، هزال، ربو ،   مرض السكري النوع الأول  ، حوادث مرورية  )  في ظل خدمات صحية متدنية من جراء سياسات  التقشف المتبعة حكوميا  ، حين  إتصل بي  أحد المراسلين  من  كركوك ليخبرني بوفاة الطفل ، فهد رعد البياتي، في مستشفى  المحافظة العام بعد تعرضه  الى ضرب مبرح من قبل زوجة أبيه ، ما أسفر عن  إصابته بجروح خطيرة وانفجار أحشائه،  فترنمت عبر الهاتف لا إراديا بأبيات  للشاعرة الدمشقية  ، ماري عجمي،  كانت قد رثت  بها  أمير الشعراء،  ” هزوا الغصون لعله نائم .. سكران في عش الهوى حالم”. انتقالي الى مستشفى ” ابن الهيثم ”  للعيون وسط  العاصمة  لمتابعة  85 حالة اصابة خطيرة  لأطفال تهددهم بالعمى  من جراء اللعب  بالأسلحة البلاستيكية  خلال عيد الأضحى   ، توزعت بواقع 42 اصابة في المستشفى  المذكور  إضافة الى   مستشفيات الفياض،   الصدر، الكندي ، الزعفرانية،  لم يكن أفضل حالا  من سابقه ، اذ اتصل بي  مراسل ثان من اسطنبول هذه المرة  ليخبرني بأن البحث مازال جاريا عن  ثلاثة  أطفال عراقيين مفقودين  من عائلة واحدة كانت قد فرت من جحيم العراق  الأزلي وهم في سن الثانية والرابعة والسادسة  بعد العثور على جثة رابعهما   البالغ  من العمر ستة أعوام على اثر  انقلاب  قارب كان يقلهما في نهر الدانوب تجاه الساحل الروماني، تلاه اغتصاب طفلة عراقية  في الثامنة من عمرها بكامب للاجئين في برلين ومقتل والدها الغاضب برصاص الشرطة هناك بعد محاولته طعن الباكستاني ” طياب ” الذي اعتدى عليها  ، فقفزت الى ذهني من دون وعي مني صورة  غريق ” قضاء النعمانية ” وسط النهر في واسط  ، البالغ من العمر10 سنين  بسبب غياب المسابح النظامية ما  يلجئ  الأطفال الى  النهر وغرق العشرات منهم خلال الصيف القائظ  سنويا!! ولاشك ان مخيمات النازحين  والعشوائيات في طول البلاد وعرضها تعد البيئة الأخطر على حياة الأطفال وصحتهم لتأتي بالمرتبة الثانية بعد العمليات  الحربية   بمختلف انواع الأسلحة في مناطق تشهد  انهيارا أمنيا منذ سقوط الموصل بيد مايسمى بتنظيم داعش عام 2014 على اثر انسحاب مفاجئ للجيش منها  ، ولعل من أبرز ما يهدد حياة الأطفال النازحين وسكان العشوائيات  بعد حرائق الخيام المتواصلة وضياع  الأعوام الدراسية   ، ولسعات العقارب ولدغات الأفاعي السامة ، تأتي  أمراض الجرب ، الحصبة ، الكوليرا ، النكاف ، حبة بغداد ” الليشمانيا ” ، الجدري المائي ، اضافة الى  القمل والطفح الجلدي بجميع انواعه ، نتيجة تلوث المياه وشحها وتراكم النفايات ، اذ القاعدة الطبية تؤكد  أن الـ  ” كيلو الواحد من النفايات يساعد على  تفقيس 2000 بيضة ذباب ناقلة للأوبئة الفتاكة ، فما بالكم بـ خمسين طنا  من النفايات على مقربة منها  أو يزيد ؟! وبرغم ما سبق ذكره آنفا من مآس يندى لها جبين الإنسانية جمعاء،  إلا أن أشد ما لطخ أجندة  يومياتي يتمثل بضبط باخرة  محملة بـ123طنا من أدوية الأطفال  الفاسدة  القادمة من ايران والمخبأة في سبع حاويات مخصصة لقطع الغيار في ميناء ام قصر ،  ما جرى للطفلة ، رقية علي جودة ،البالغة من العمر اربع سنوات  والتي  فقدت ذراعها بسبب خطأ طبي فادح في مستشفى قضاء ” الهندية ” الحكومي ،  تلاها  وفاة  طفل من اهالي منطقة (حي الحكيم ) عمره سبع سنوات بلدغة افعى  في مستشفى الزهراء التعليمي ،  لعدم توفر المصل المضاد لسم  الثعابين  بعد ساعات من اصابته في ، سبقهما تعذيب أب يدعى  ( م ن خ )  لأبنه  ( س م خ )  البالغ  من العمر 11 عاما بعد تقييده  بسلك كهربائي ثم ضربه بعصا خشبية حتى فارق الحياة بمنطقة (حي الفداء ) في الناصرية ، انتحار ، الطفل ابراهيم ملگاط ، (١٣) عاما بواسطة حبل   شنق به  نفسه في  احد مخيمات النازحين   بمنطقة (معسكر سعد ) في بعقوبة ، انتحار احدى نساء الانبار مع طفليها  4 – 6 سنوات وذلك بإلقاء  نفسها  بمعية طفليها في نهر الفرات بسبب الجوع والفقر المدقع ، مقتل 12 طفلا في قضاء الشطرة التابع لمحافظة ذي قار برصاص النزاعات  العشائرية الطائش بغياب شبه تام للعقول الراجحة وحتى إشعار آخر !!
تأبطت أجندتي التي بللها المطر – مطر مزاريب البيوت البغدادية  القديمة وليس مطر السماء التي حبست ماءها احتجاجا على ظلم البشر لعلهم يرجعون   –  الممتزج بالدمع  وحملت كاميرتي بحثا عن مزيد من ضحايا  الحرب  العظمى  ضد الطفولة  وانا اردد  قول السياب :” وكم ذرفنا ليلة الرحيل ، من دموع  ، ثم اعتللنا  خوف أن نلامَ  بالمطر …مطر مطر !!” .اودعناكم اغاتي