جحا كان في الماضي رجل فكاهيا منفلت اللسان و الافعال ولم يكن نادرا فمثله يظهر من زمان لزمان ، وبأسماء واماكن مختلفة في كثير من الدول و البلدان ، وكانت الناس تسامر جحا و تسايره وتعرف انه يبعث على الضحك و الهزال وكان هو ايضا يعرف قدره و
حدوده ، اذ ان الناس في ذاك الزمان تحترم قيمة الحضور فلكل زمان ومكان أذان ، اما اليوم في عالم التطور و التقدم فقد اصبنا بالخذلان ، إذ تحول الحوار و الجدال وصراع الافكار من جلسات العلماء و الفقهاء وصومعة الفلاسفة الاذكياء الى ساحات القتال بالسباب
و الايادي واحيانا بالحذاء ، بينما سابقا ، ايام بدايات النهضة ، كان الصراع بين عقول الفلاسفة و المثقفين و المحللين و المنظرين لمستقبل البشرية وبالحوار البناء ، اما اليوم فقد تحول الحوار الى كلمات نارية تطلقها فوهات البنادق و المدفعية ، اما البقية ونقصد
الاخرين من الشعب وهم الاغلبية ، فمعضمهم تسلحو بالكومبيوتر و الجوال يدلون بافكارهم و اراءهم بلا رقيب او سؤال ، بكتبون ما طابت لهم انفسهم من الاقوال و الامثال بمختلف الالوان و الاشكال . والمصيبة ان كل من تعلم فك الخط وقراءة بضع ايات من القرءان ،
اصبح فيلسوفا او فقيها او مستشارا يشار له بالبنان ، فيكتب قصص و روايات واشعار ، و ينقل الانباء و الاخبار ، بعد ان يلونها ويطيبها بالبخور و الفلفل و الكركم و البهار . ليس مهما ان يكون صادقا ، المهم ان يكون ناقلا يسابق الاخرين في نقل المصائب ،
وليس للأخلاق و الأمانة في قاموسه مكان ، في زمن كله نوائب وأحزان ، فالناقل ليس بحاجة الى تصريح من اجل التصوير و التعليق او من اجل المساهمة في التصحيح ، انه يملك حقوق الملكية لأفكاره ومعتقداته الابداعية ، خصوصا اذا كانت افكاره دينية ، اما اذا
التف حوله بعض من السفهاء والانتهازية ، واصبحو يهولون له انجازاته التاريخية ، لما يكتب و يصور وينشر في عالم الملتيميديا السياسية و الفلسفية ، وقد تأخذه الحمية فيطالب بأن يكون رئيسا للوزراء او رئيسا للجمهورية . نحن نعيش في عالم خطير ليس علينا فقط
بل على كل البشرية.